باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
أرشيفية
الدعاء هو العبادة.. هذا الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، يدلُّ على أن الدعاء من أهم أنواع العبادة، فكما أن الصلاة لا تجوز أن تكون لرسول أو وليٍّ، فكذلك لا يُدْعى الرسول أو الوليُّ من دون الله.
1 - إن المسلم الذي يقول: يا رسول الله، أو يا رجال الغيب، غوثًا ومددًا، هو دعاء وعبادة لغير الله، ولو كانت نيته أن الله هو المغيث، مثله مثل رجل أشرَكَ بالله عز وجل وقال: أنا في نيتي أن الإله واحد، فلا يُقبَل منه هذا؛ لأن كلامه دل على خلاف نيته، فلا بد من مطابقة القول للنية والمعتقد، وإلا كان شركًا أو كفرًا لا يغفره الله إلا بتوبة.
2 - فإن قال هذا المسلم: أنا في نيتي أن أتخذَهم واسطة إلى الله، كالأمير الذي لا أستطيع أن أدخل عليه إلا بواسطة، فهذا تشبيه الخالق بالمخلوق الظالم الذي لا يدخُل عليه أحدٌ إلا بواسطة، وهذا التشبيه من الكفر.
قال تعالى منزِّهًا ذاته وصفاته وأفعاله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، فتشبيه الله بمخلوقٍ عادلٍ كفرٌ وشرك، فكيف إذا شبَّهته بإنسان ظالم؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
3 - لقد كان المشركون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم يعتقدون أن الله هو الخالق والرازق، ولكنهم يَدْعون الأولياء الممثَّلين في الأصنام واسطةً تقرِّبهم إلى الله، فلم يرضَ منهم هذه الواسطة، بل كفَّرَهم وقال فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]، والله تعالى قريب سميع لا يحتاج إلى واسطة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 186].
4 - إن هؤلاء المشركين كانوا يَدْعون الله وحده عند الشدائد؛ قال تعالى: ﴿ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [يونس: 22]، وكانوا يدعون أولياءهم الممثلة في الأصنام وقت الرخاء، فكفَّرَهم القرآن.
فما بال بعض المسلمين يدعون غيرَ الله من الرسل والصالحين، ويستغيثون بهم، ويطلبون المعونة منهم وقت الشدائد والمِحَن ووقت الرخاء؟!
ألم يقرؤوا قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5، 6] (بعبادتهم؛ أي: بدعائهم).
5 - يظن الكثير من الناس أن المشركين الذين ورَدَ ذِكرُهم في القرآن كانوا يدعون أصنامًا من الحجارة، وهذا خطأ؛ لأن الأصنام الذين ورَدَ ذكرهم في القرآن كانوا رجالًا صالحين.
ذكر البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى في سورة نوح: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، قال: هذه أسماءُ رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلَكَ أولئك أَوحى الشيطانُ إلى قومهم: أنِ انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا ولم تُعبَد، حتى إذا هلك أولئك ونُسِي العلم بها، عُبِدَتْ (أي الأصنام).
6 - قال الله تعالى منكرًا على الذين يدعون الأنبياء والأولياء: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 56، 57].
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية ما خلاصته:
نزلت هذه الآية في جماعة من الإنس كانوا يعبُدون الجنَّ ويدعونهم من دون الله، فأسلَمَ الجنُّ.
وقيل: نزلت في جماعة من الإنس كانوا يدعون المسيحَ والملائكة.
فهذه الآية تنكِر على من يدعو غير الله ولو كان نبيًّا أو وليًّا.
7 - يزعم البعض أن الاستغاثة بغير الله جائزة، ويقولون: المغيث على الحقيقة هو الله، والاستغاثة بالرسول والأولياء تكون مجازًا، كما تقول: شفاني الدواء والطبيب، وهذا مردود عليهم بقول إبراهيم عليه السلام: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 78 - 80].
أكَّد بالضمير (هو) في كل آية؛ ليدل على أن الهاديَ والرازق والشافيَ هو الله لا غيره، وأن الدواء سبب للشفاء وليس شافيًا.
8- الكثير من الناس لا يفرِّق بين الاستغاثة بحيٍّ أو بميت، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ﴾ [فاطر: 22]، وقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]، وهي حكايته عن رجل استغاث بموسى ليحميَه من عدوِّه، وقد فعل ذلك، ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 15].
أما الميت، فلا تجوز الاستغاثة به؛ لأنه لا يسمع الدعاء، ولو سمع لا يستطيع الإجابة لعدم قدرته؛ قال تعالى: ﴿ إنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ [فاطر: 14] (هذا نص صريح في أن دعاء الأموات شركٌ).
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النحل: 20، 21].
9 - ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الناس يوم القيامة يأتون الأنبياء فيستشفعون بهم، حتى يأتوا محمدًا فيستشفعوا به أن يفرج عنهم، فيقول: أنا لها، ثم يسجد تحت العرش ويطلب من الله الفرجَ وتعجيل الحساب، وهذه الشفاعة طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حيٌّ يكلِّم الناس ويكلِّمونه، أن يشفع لهم عند الله ويدعو لهم بالفرج، وهذا ما سيفعله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
10 - وأكبر دليل على الفرق بين الطلب من الحي والميت هو ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما نزل بهم القحط، فطلب من العباس عمِّ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله للرفيق الأعلى.
11 - يظن بعض أهل العلم أن التوسل كالاستغاثة، مع أن الفرق بينهما كبير، فالتوسل هو الطلب من الله بواسطة، فتقول مثلًا: (اللهم بحبِّك وحبِّنا لرسول الله فرِّج عنا)، فهذا جائز، أما الاستغاثة، فهي الطلب من غير الله؛ فتقول: (يا رسول الله، فرِّج عنا)، وهذا غير جائز، وهو شرك أكبر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإنْ فَعَلْتَ فَإنَّكَ إذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106] (أي: المشركين).
والله تعالى يأمر رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس:
﴿ قُلْ إنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾ [الجن: 21].
﴿ قُلْ إنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 20].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله))؛ [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].
وقال الشاعر:
اللهَ أسألُ أنْ يُفرِّجَ كَرْبَنا *** فالكربُ لا يَمحوهُ إلا اللهُ