عباس شومان: أنصبة المواريث إلزامية ومن خالفها ضال ومضل للناس
- الأربعاء 30 أبريل 2025
الكاتب الصحفي عبد الله عسيري
من ذاكرة تهامى
التظاهر ومنظومة
العمل العربي
بقلم أ: عبدالله الزّهر عسيري
خلال رحلاتنا القصيرة شبه الاسبوعية برّاً للأراضي
العراقية في السبعينات ميلادية بحكم قربها من الخفجي كانت تمثل وجهة سياحية مفضلة لسهولة
التنقل والبساطة وكرم الضيافة، ورغم أن العراق متعدد العقائد والمذاهب والطوائف
والأعراق ونظام الحكم حزبي بعثي إلا أن ذلك لم ينعكس آنذاك سلبا على سلوك المجتمع
وتعامله الراقي مع إخوانه العرب.
كنت حينئذ في ريعان
الشباب وقريب عهد بتهامة عسير حيث مرتع الصبا بعيدا عن الصحافة وتداول
الأخبار السياسية بيد أن جل اهتمامنا " في تهامة " ما تتواتره الأخبار من
حين لآخر عن فلسطين ومعاناة شعبها مع الاحتلال الصهيوني،
واذكر تماما في تلكم الحقبة معلما بكى في الصف وأبكانا
معه وهو يشرح بعد النكبة التي حلت بالعرب مادة الجغرافيا عن خريطة فلسطين وما آلت اليه
..
في فبراير 1977م اتجهنا كعادتنا صوب مدينة البصرة جنوب العراق
مرورا بدولة الكويت بعد أن استبدلنا العملة السعودية بدنانير عراقية من العاصمة
الكويت " الدينار ( كان ) يعادل عشرة ريالات سعودية " يممنا صوب المنفذ العراقي صفوان والذي يبعد 50 كلم عن البصرة وكان الليل
قد اسدل ظلامه ولم يلفت نظرنا كثرة السيارات العائدة بالاتجاه المعاكس ولم يدر بخلدنا مبررا أكثر من كونهم امضوا وقتا
ممتعاً وتجنبوا الازدحام بعطلة نهاية الاسبوع.
في البصرة لم
يلفت نظرنا خلو الشوارع وإغلاق المحلات التجارية في يوم حركة معتادة وعطلة نهاية
الاسبوع ورغم ذلك مضينا صوب وجهتنا لتستقبلنا في المواقف عربة مسلحة وجهت مدفعها
الرشاش صوبنا، موقف اقشعر له بدني التهامي وارتجفت فرائصي هلعاً من المشهد وأدركت بفطرتي
التهامية أن هناك شيئا ما، علمت عقبها ان هناك
إضرابا عاما.. احتجاجا على مصر وزعيمها أنور السادات الذي اعترف بالكيان الصهيوني وأن
علينا مغادرة المكان فورا كنت مشدوها من الموقف وليس لدي الخبرة في معرفة معنى إضراب
ولماذا يفعلون ذلك وماهي الفائدة المرجوة منه.
شاهدت في طريق
عودتي للفندق حشودا بشرية هادرة تملا الشوارع وتعطل الحركة تحمل لافتات وشعارات
تصرخ وتندد وتشجب وتستنكر بعبارات لأول مرة أسمعها وكأنها تذكرني بلون "
الدّمة " في موروثنا الشعبي وبرغم أن المنظر أطربني إلا أن فهمي للغاية من
تلك الحشود كان قاصراً وتصورت أن السادات سيعدل عن قرارة وأن الاسرائيليين
سيغادرون فلسطين من غير رجعة .
هذه الحادثة بقيت
عالقة في ذهني وتحتفظ بها ذاكرة شيخوختي " التهامية الجذور والمنشأ " منذ العام 1977 م وقد أمد
الله بعمري حتى كتابة هذه المقالة 2021 م دخلت خلالها معترك الصحافة والكتابة
والتحليل السياسي ولا زلت اشاهد المظاهرات ورفع اللافتات وحرق الأعلام ودوس الصور،
أربعة وأربعون عاماً مضت منذ خطاب السادات حتى اليوم، ولا زلت أتابع ما تتسابق على
نقلة القنوات الإخبارية وأحصي كم مظاهرة خرجت !!؟، وكم علم تم احراقه !؟، وكم صورة
لشخصيات عربية وإسلامية وحتى أجنبية تم امتهانها !؟ كل ذلك كان تحت شعار نصرة
فلسطين والوقوف مع شعبها العربي الأبي، ولأن العقل والمنطق يقولان أن العبرة في
النتائج !!؟ فإنه يحق " لشيخوختي " أن تتساءل أو تطرح للعقل العربي
سؤالا مباشرا: ماذا جنت الشعوب العربية من كل تلك المظاهرات ؟، ورفع الشعارات ، وما
الأثر الذي تركته فيمن وجهت لأجلهم أو ضدهم تلك المظاهرات !؟.
وأتساءل بتعجب كم مظاهرة خرجت عن السيطرة وتسببت
بأضرار!؟، والنتيجة لم يتحرر شبر واحد من
الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة !!، ولم يرف جفن للمحتلين !!، بينما استطاع
الرئيس السادات " الواعي " رحمه الله، بحنكة ودهاء بزيارة واحدة من استرداد
كامل تراب مصر الذي كان محتلا واعاد تأهيل قناة السويس وتشغيلها ووفر لخزينة
الدولة المصرية وللشعب مليارات الدولارات كانت تنفق للمجهود الحربي وحرب
الاستنزاف.
ألم تقرأ " القيادات الشعبوية والشعوب التي
كانت تنظم المظاهرات وتحرق الأعلام " حينذاك، المشهد كما قرأه السادات !!؟ هل
قرأ الفلسطينيون المشهد متأخرين فلحقوا
بالركب في اوسلو باتفاق ولو كان هزيلا ؟ وفر لهم مساحة من التراب الفلسطيني
ليمارسوا منها نضالهم السلمي لاسترداد
باقي حقوقهم التي تضمنتها القرارات الدولية وقبلوا بها، وكاد أن يتحقق لهم ما
أرادوا لولا الانقسامات والدخول بمحاور غايتها المتاجرة والمزايدة بالقضية!!.
الدعوة للتظاهر
لا تنظمها ولا تدعوا لها أنظمة وازنة ولا يشجع عليها سياسيون يتصفون بالرزانة
والحكمة وبٌعد النظر.
في حرب غزة الأخيرة انطلقت شرارتها من
مظاهرة وما سبقها من مناوشات مع العدو الصهيوني دفع الشعب الفلسطيني دماء شهدا
وجرحى ومهجرين عدى عن التدمير للبنى التحتية ودفع العرب في حروب 48 و 56 و 73م وما بينهما حرب الاستنزاف، أموالا وشهداء وجرحى
ومليارات الدولارات لإعادة الإعمار وإغاثة اللاجئين.
يجب أن نعترف بأن واقعنا العربي الحالي،
يقول أننا نعيش كعرب نكسة عربية عربية أكبر من نكسة 67 م وجرحها أعمق حينما حمل قرار الحرب والسلم العربي فئة رهانها على المظاهرات وتأجيج المشاعر ورفع
الشعارات الزائفة خدمة لمصالح وأجندة أجنبية.
محزن حالنا " كعرب " أن يجري كل هذا على مرأى ومسمع من جامعة الدول
العربية وهيئاتها ومن ضمنها منظومة الدفاع العربي المشترك بينما من يعربدون ويعبثون
بالأمن القومي العربي لا يملكون مقعداً
ولو كان في حديقة مبنى جامعة الدول العربية.
المطلوب تحرك قوي وفاعل لمجلس جامعة الدول
العربية بوضع خطوط حمراء للأنظمة والدول التي تأوي أو تدعم أو حتى تغض الطرف عن
ممارسات جماعات ومليشيات تزعزع الأمن القومي العربي .
فهل أدركتم معشر بني يعرب لماذا لا يتظاهر البقية الباقية
من امجادنا العربية، لأن المنطق يؤكد
أن مثل هذه الفزعات " التظاهر " لم ولن تجدي في حل اي قضية !!، خارج إطار
منظومة عمل عربية واحدة.