فاضل متولي يكتب: نموذج من منظري الإلحاد!

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 28 يونيو 2021, 10:23 مساءً
  • 974
الكاتب فاضل متولي

الكاتب فاضل متولي

بدأ بتعريف الناس بنفسه: فقال إنه تخرج في قسم الفلسفة، وإنه الآن كاتب له قصص ومقالات منشورة، وإنه معتمد في إحدى الإذاعات، ويفخر بأنه أنجز عملا إذاعيا لماركيز.

وأضيف إلى التعريف به أنه كان يرغب في الالتحاق بكلية الإعلام، ولكنه لما عجز عن ذلك توجه إلى قسم الفلسفة؛ فقد كان مذبذبا منذ صغره من حيث علاقته بدينه، ولا شك أن قسم الفلسفة أنسب الأقسام لأمثال هؤلاء.

اعتمد في الإذاعة، وبذلك حقق شيئا مما كان يصبو إليه من وراء التحاقه بكلية الإعلام.

يقول: حتى يكون لي منهج للوصول إلى المعرفة أو التحقق من المعرفة، في رأيي ليس هناك شيء اسمه مطلق. لذا لا بد من تعدد المناهج؛ فلو كان هناك مطلق، إذن سيكون هناك منهج واحد يحكم الكون، وبالتالي فلن يكون هناك تطور في أي شيء؛ لأن التطور يأتي عن طريق التنوع واختلاف المناهج الفكرية. والحقيقة ليست مطلقة.

ثم يسأل ويبادر بالجواب قبل أن يجيبه القارئ فيقول: هل أنا أملك الحقيقة؟ لا. هل فلان يملك الحقيقة؟ لا. هل أستطيع أن أصل إلى شيء ما وأقول إن هذه هي الحقيقة؟ لا. لكن الحقيقة لكل إنسان نصيب فيها وموجود، فهو يصل بما أمكن له الوصول إليه من خلال إعمال عقله وتوجهاته وتفكيره والأدوات التي يمتلكها.

وكما سأل وناب عن قارئه في الجواب وضع المقدمات وناب عن قارئه في استخلاص النتائج فقال: بالتالي يكون النسبي هو الحاكم؛ لأنه بما أن لكل إنسان المنهج الذي يرتضيه للوصول إلى معرفة ما فالمسألة على هذا تكون نسبية. هذا بالنسبة للتفكير النظري.

ثم انصرف في تأصيله للتفكير العلمي عما التزمه في التأصيل النظري: ونعني به وضع القاعدة، واكتفى في تأصيله للعلم بالملاحظة: فقال:

في التفكير العلمي الأمر مختلف؛ فعندي مجموعة من القيم العلمية تحكم العالم: هي المعمل، هي التوجه، هي الخضوع للتجربة، هي لو لم يثبت العالم تجربته أمام عالم آخر أو أمام الناس إذن هو لم يصل، فإذا أثبت التجربة وكان قادرا على مناقشتها وإقناع الناس بها ... إلخ. فقد وصل. والتجربة تظل قائمة موجودة إلى أن تأتي تجربة أخرى من عالم آخر أو مفكر آخر إما يفند أو يطور أو يخلق تجربة جديدة.

وقد نقلت إليك ما قال دون أن أغير منه شيئا حتى هشاشة لغته وأسلوبه.

ويبدو أن صاحبنا يصعب على نفسه أن يفكر قارئه أو يحاول الاستنتاج، أو حتى هضم ما يقول؛ فهو لا يكاد يفرغ من وضع النظريات حتى يقدم لنا النتائج جاهزة مأكولة مهضومة، ولعله نسي ما يؤول إليه الشيء بعد الأكل والهضم.

يقول:

إذن الإنسان هو حلقة متصلة لا تنقطع إطلاقا، وليس هناك شيء يقال له: الإنسان فان. الذي يموت شخص ما تكتمل حياته في من يكمل بعده من جنسه من الإنسان أبدي، لست مع القول بأن الدنيا ستفنى.

  وقد أحسن الله إلينا، فكان من إحسانه أننا لم نعد مضطرين إلى أن نستمع ثم لا نجد بعد استماعنا مزيدا لنطلع على كلام المتكلمين، بل هناك كتابة ظهر لي مع هذا الوابل من التأصيلات والأسئلة والأجوبة والمقدمات والنتائج أن لها نفعا فوق ما كنا نحصي: وهو أن نجد فرصة نلتقط أنفاسنا من هذه العواصف المحملة بغبار المغالطات والفوضى الفكرية، ويمكننا معها التأمل والتعليق والرد؛ ذلك أن الكلام –وإن كان فوضى كما أسلفت- فاتن لمن تتنازعهم الأهواء أو يميلون ميل هذا المتكلم.

والسهم يا صاحبي إذا وقع في صدر فإنه يجرحه سواء تعمد من ألقاه أم لم يتعمد، وكذلك ما يطرحه عمال الدخلاء من سوء في أفكارهم، هي حرب استباقية على الدين الحنيف، وكل ما يسبق به إلى ذهن المسلم يكون مخالفا لدينه بحيث إذا تشربه العقل وتمثلته الروح ثم قدم لها الإسلام فإنها لا تسيغه، فإما أن ترده وإما أن تجادل فيه. وكل ذلك يحدث إذا قصد من ألقى السهم وإذا لم يقصد، فما لنا نهلك كثيرا من وقتنا في البحث عن دوافع المتكلم ونيته وغايته وننشغل عن هذه القلوب الدامية التي يكاد يمزقها سواد الفكر ويكاد يصيبها بالصدأ هذه النيران التي يصورونها كأنها نور.

قال: حتى يكون لي منهج للوصول إلى المعرفة أو التحقق منها أنا في رأيي أنه ليس هناك شيء اسمه مطلق.

وهذه عبارة عارية من المعنى، ومثل ذلك أن تقول: حتى تصل إلى جزيرة العرب في رأيي أنه ليس هناك قطار. أو أن تقول: حتى تصل إلى حل هذه المسألة أنا رأيي أنه ليس بها أقواس.

وهو قول يثبت وجود الغاية ونفي وسيلة يظن أنها من وسائل بلوغ الغاية؛ ربما ينكر هذه الوسيلة لأنه رأى أن الناس يعتبرونها وسيلة، أو لشيء آخر في نفسه.

وهو –كذلك- كلام غير معتدل؛ لأن الاعتدال في الكلام يقتضي أن تقول: حتى يكون لك منهج للوصول إلى المعرفة فعليك أن تتبع طريق كذا أو كذا وكذا من الطرق، أما هذا الفخ الذي يقيمه لمتلقيه حيث يفتح له قلبه ليلقي عليه نصحه ثم يسحب منه الأمل مرة أخرى فما كنا نتوقع ذلك من فيلسوف متأدب فضلا عن أديب متفلسف.

وعلى أية حال فقد جعل المعرفة غاية، وافترض أن هناك من يسعى لبلوغها، والحقيقة إنني لا أدري أي نوع من المعرفة يعني؟ هل هناك شيء اسمه المعرفة؟ هكذا دون تحديد؟ فلنمض معه؛ عسى أن يبين لنا.

يقول إنه لا يرى وجود شيء اسمه مطلق.

ولعله يعني بعدم الوجود أن كلمة مطلق مفهوم ليس له ماصدق. (المفهوم هو ما تعيه بعقلك، أما الماصدق فهو وجود ذلك في الواقع بغض النظر عن وجوده أمامك أم في مكان آخر، مثال: بناء يتكون من عشرين طابقا، هذه الجملة مفهوم. أما البناء نفسه الموجود على الأرض فهو ماصدق.)

وحقيقة نحن نفهم تماما أن هناك مفاهيم ليس لها ماصدقات، وهي أكثر من أن يحويها حصر، وكل من قرأ أو شاهد حكايات الصغار يعرف منها الكثير.

ولكن كلام هذا يفتح أبوابا لمشكلات عدة نذكر منها الآن واحدة ونترك سائرها ليفتح كل في حينه.

كلمة مطلق من الكلمات التي تتفرع وتتعدد معانيها، ولست أعني كل المعاني، إذن لازداد الأمر سوءا، ولكنني أعني المعاني التي هي أقرب إلى ميدان الفلسفة التي يتحدث بلسانها الآن، وسأنقل لك الآن بعض ما نقلته من المعاجم عن معنى هذه الكلمة.

 

تعليقات