فاضل متولي يكتب: الأدب المقارن

  • د. شيماء عمارة
  • الجمعة 25 يونيو 2021, 09:54 صباحا
  • 912
فاضل متولي

فاضل متولي

مضمار الربط والمقارنة أكثر رحابة وعمقا وتعقيدا مما يمكن أن يتصوره الناظر في هذه المسألة عن بعد، شأنه في ذلك شأن من ينظر إلى الصحراء أو إلى البحر على خريطة: فإنه لا يستطيع أن ينفعل بما يضرب في جوف كليهما من أحداث.

ولو قلنا إن البحث في كل ما تعكسه كلمة (ربط) أو كلمة (مقارنة) من أشعة أمر يحتاج إلى مهارات توازي أو تقارب مهارة الربط نفسها، لما كان في هذا القول كبير تجاوز أو لما كان فيه تجاوز.

إن أكثر عمليات التفكير –إن لم تكن جميعها- هي متعلقة بهذه المهارة، وحسبك لتقبل مني هذا القول إن تتذكر أن كلمة (عقل) هي لفظ من معاني الربط.

إن الربط هو أكبر أسس تحمل المسؤولية وتحميلها للغير، وهو من عوامل التبرئة والاتهام، وهو ما نعرف به السبب والنتيجة، وبداية كل مادي ومعنوي ونهايته. وبه نفاضل بين الناس والأشياء، وبه الخوف والطمأنينة، وهذه بعض.

والإفاضة في ذلك –على لذتها واشتهاء المرء أن يخوض فيها- لا توافق حديثنا في جوانب وإن كانت توافقه في جوانب، ولذا فلن يكون هذا الموضع أليق مكان للكلام في هذا الأمر.

ولعلنا نصيب بعض الصواب لو تناولنا تناولا عابرا مسألة المقارنة في الأدب لما لها من صلة بحديثنا عن شوقي وجابر قميحة:

لا شك أن المقارنات الأدبية من حيث كونها نشاطا وممارسة كانت أسبق بكثير من تناول الأدب المقارن تناولا نظريا: ففي أدبنا العربي حكايات لا تحصى عن تفضيل بعض الشعراء على بعض بناء على تفوق المفضل على المفضل عليه في التعبير عن مسألة مشترك في التعبير عنها، وأعني بذلك أن يتحدث الشاعران في مسألة جزئية أو في موضوع عام، فيترجح أحدهما على الآخر من حيث تفوقه في التعبير عن هذه المسألة.

ولن نهتم في حديثنا هذا بتوثيق الأخبار واستقصاء البحث للحكم عليها بالصحة أو البطلان، بالوضع أو بالحدوث؛ فإن مجرد ورود حكايات كهذه يعني أن هناك مقارنة وقعت بين شاعرين، ولا يعنينا –ونحن نركز على الحديث من هذه الزاوية- من هو الذي قارن: بطل القصة أم منتحلها:

وتروي الروايات أن امرأة مدنية عرضت لكثير

فقالت له: أأنت القائل ؟ تقصد قوله:

فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... يمج الندى جثجاثها وعرارها

بمنخرق من بطن واد كأنما ... تلاقت به عطارة وتجارهــــــــــــا

بأطيب من أردان عزة موهناً ... وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها

قال: نعم، قالت: فض الله فاك!

أرأيت لو أن زنجية بخرت أردانها بمندل رطب أما كانت تطيب!

ألا قلت كما قال سيدك امرؤ القيس:

ألم تر أني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيباً وإن لم تطيب

وأنت ترى من هذه الحكاية وغيرها كثير أن المقارنة كانت بين شاعرين تحدث كلاهما عن حبيبة عطرة.

ولكن ظهر في عصنا هذا الحديث من حاول أن يضع نظرية لمقارنة الأدب فاشترط في المقارنة اختلاف اللغة بين المقارنين، واشترط ثبوت تأثير أحدهما في الآخر، وأخرج من دائرة الإجازة ما لم تتوفر فيه هذه الشروط.

ثم جاء من بعد ذلك من بنى قواعده على الأصول التطبيقية التراثية فألغى فكرة اختلاف اللغة وفكرة ثبوت التأثير.

ولأننا لم نتبين إلى يومنا هذا الفلسفة التي على أساسها بنى المقارنون الذين اشترطوا الشروط التي ذكرنا فإن المنطق الذي نستريح إليه هو منطق القدماء، وسنقيم على أساسه هذه المقارنة بين شوق.

تعليقات