ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
رواية "قردة لا تأكل الموز"، أحدث إبداعات الكاتب المتميز
الأستاذ هشام فياض، وهي بلا شك رواية ذات مذاق مختلف، كما أنه من الصعب وصفها وفقا
للتصنيفات الفنية المتعارف عليها للأعمال الأدبية.
ورأيي ان الرواية لا تنتمي لروايات الخيال العلمي، حيث تندرج المعلومات
التي وردت بها تحت بند الحقائق العلمية، ولكنها بالأحرى رواية ذات طابع علمي سياسي
بوليسي، يغلب عليها التشويق والإثارة والغموض.
ورأيي الشخصي المتواضع، أن الأستاذ هشام يتقن هذا النوع من الكتابات بدرجة
كبيرة.. يصعب أن ينافسه فيها أحد. وهو بصورة عامة في هذه الرواية قد حافظ
على الإيقاع بصورة تتناسب مع الحدث. بل أدعي ان ترتيب الأحداث وتلاحقها قد أسهم في
الحفاظ على الإيقاع المطلوب، وساعد بقدر كبير في تحقيق المتعة والإثارة والتشويق
للقارئ.
وقد استخدم الكاتب لغة بسيطة تتناسب مع طبيعة الموضوع بنكهة حداثية.
فعلى الرغم من وجود حقائق علمية
كثيرة وعلى قدر كبير من التخصص، إلا أن ذكرها جاء طبيعيا جدا في الإطار الدرامي
للرواية، وعلى لسان شخصيات متخصصة علميا، كل في مجاله، وهو ما جعل السياق بعيدا عن
الإقحام المفتعل أو الإعتساف.
من هنا جاءت الرواية مليئة بمعلومات علمية معقدة تم عرضها بصورة مبسطة وبسلالسة تناسب القارئ غير المتخصص.
والرواية من ناحية أخرى لا تخلو من أفكار سياسية ذات أبعاد قومية
واستراتيجية وأمنية هامة، تنبه القارئ لأمور ومخاطر وتحديات قد يكون غافلا عنها،
أو غير منتبه لها في خضم الأحداث الجارية.
وهي أمور أظنها تسهم في رفع الوعي العام لدى الجمهور العادي فيما يتعلق
بالسباق المحموم بين دول المنطقة، بل ودول العالم أجمع، للحصول على عناصر القوة
والتفوق في مجالات معينة، لضمان الأمن القومي وتأمين المصالح الوطنية.
وفي اعتقادي أن الرواية أبرزت هذه الزاوية بمهارة ملحوظة، مزج فيها الكاتب
المعلومات التاريخية عن علماء الذرة المصريين والعرب مع الحقائق العلمية، مع
المخاطر الأمنية والإقليمية، والسباق العلمي المحموم من أجل عرقلة المسيرة لدى الأطراف
المتنافسة، والاستئثار بالتفوق الذي يضمن الردع ويحقق مكاسب سياسية مؤكدة.
ومن ناحية أخرى، نجد الرواية تبرز الجانب الأمني ودور الجنود المجهولون في
الجهات الأمنية والسيادية التي تعمل في صمت، ولا يطلع أحد على جهودها في الحفاظ
على الأمن القومي، إلا من تعامل معها بصورة مباشرة، أو كان طرفا في إحدى عملياتها
الأمنية، بعد أن يتم اختياره وفقا لتخصصه أو خبراته.
وأعتقد انها نقطة هامة ينبغي أن
تتنبه لها جميعا وندرك قيمتها، فالأمن والأمان الذي ننعم به في وطننا ليس مقصورا
على القدرة العسكرية أو المواجهات المباشرة مع أصحاب الطموحات الإقليمية والمصالح
والمكاسب الاستراتيجية المختلفة فحسب، لكن وراءه جهد جهيد من أطراف تعمل في الخفاء
وفي إنكار كامل للذات من أجل تحقيق المصلحة العليا للبلاد.
والمحصلة النهائية، أن الأمر أعمق وأعقد مما يبدو في ظاهره بكثير. لذا
علينا أن نتفهم ذلك وننظر إليه بعين الإعتبار لدى استقراءنا للأحداث وتقييمها
والتعليق عليها.
كما لا تخلو الرواية من طرح تساؤلات فلسفية وفكرية عميقة، عن الإنسان وصراع
القوة من أجل السيطرة، وتحقيق السبق والوصول للمصلحة مهما كان الثمن، ومهما بلغ
التجاوز في حق الحياة والشعوب والبشرية. الأمر الذي وصل في بعض،الأحيان للتصفية
الجسدية للعلماء لعرقلة وصول الطرف الآخر لإمتلاك عناصر القوة.
وتطرح الرواية ايضا بعض التساؤلات الفكرية والأخلاقية حول دور العلم والبحث العلمي وتطبيقاته، واستخدامته التي قد تصل إلى تدمير الحياة البشرية، وتساؤلات مشروعة عن جدوى ذلك كله إذا ما تم توظيفه للتدمير والسيطرة.
هشام فياض
تساؤلات فلسفية عميقة، تم طرحها بأسلوب بسيط وسلس، لكنه ينبه القارئ لأمور
هامة قد لا تخطر له ببال، ويفتح عينيه على أبعاد عميقة لحقيقة التنافس في هذا
المجال.
وفي النهاية، قد تبدو الرواية في ظاهرها قراءة خفيفة، إلا أن كاتبها صاغها
بحرفيته المعهودة ليحقق أكبر قدر من المتعة والوعي والمعرفة لقارئه، وهو أمر ليس
بمستغرب عليه.
فقد اعتدنا الحصول على المتعة والمعرفة من رواياته السابقة، مع صياغتها في
إطار أدبي ينم عن تمكن الكاتب من أدواته الإبداعية، كما يشير إلى عمق معرفي وثقافي
يضيف زخما ملحوظا للعمل الأدبي، وهو بالتأكيد أمر يحمد للأستاذ هشام.. فمتعة
القراءة مؤكدة دائما مع أعماله الأدبية.