23 أغسطس .. يوم الزعامة المصرية

  • معتز محسن
  • الخميس 22 أغسطس 2019, 3:43 مساءً
  • 998
معتز محسن

معتز محسن

كلما هل علينا يوم الثالث والعشرين من شهر أغسطس من كل عام، تهل علينا ذكريات ثرية تحمل في جعبتها أمواجًا متلاطمة تعبر عن المواقف المتباينة في تاريخ مصر الحديث ما بين الصعود والهبوط، الانتصار و الانكسار، الأفراح والأحزان، وذلك لتوافقه مع ذكرى من ساهما في تكوين السليقة المصرية الحديثة وقت الصراع المرير مع الأسد البريطاني لاقتناص استقلال مصر من بين براثنه الحادة التي لا تعرف الهوادة والتفاهم.



يوم 23 أغسطس هو يوم ذكرى كل من الزعيمين الكبيرين اللذين ارتبطا ببعضهما البعض في سفينة واحدة من أجل إرساء الوطن على أرض صلبة لا تعرف الاهتزاز ولا التقلبات في وقت خرج من رحمه الكيان المصري الحديث مع اندلاع ثورة 1919 في مارس والجميع يهتفون بحياة الوطن حتى ولو على أجسادهم الطاهرة، كما قال فنان الشعب سيد درويش في معزوفته الأخيرة قبل أن يرحل للعالم الآخر في 15 سبتمبر من العام 1923 مغردًا بكلمات رفيق دربه بديع خيري: "مصرنا وطننا  سعدها أملنا .. كلنا جميعًا للوطن ضحية".

فاضت روح صاحب الكلمات المغناة و هو يواري الثرى مترنمًا باسم الوطن وسعد وقت استقبال الجميع للزعيم وهو عائد من منفاه بجبل طارق لتستمر الملحمة في وقت وضع الدستور الذي عبر عن الشعب كي لا يستسلم للأسد المفترس على الدوام في تاريخه الحافل بالدماء الجارية.

يظل سعد رمزًا متألقًا في جبين مصر مشاورًا على الدوام بتمثاليه الشهيرين  بالقاهرة والإسكندرية بأنه لا استسلام مادامت القلوب عامرة بالإيمان والمحبة تجاه الوطن عبر قبلتي نسيجي الوطن اللذين اجتمعا تحت مظلة واحدة في رحاب ثلاثة حروف ترطب الحلوق وقت هتافها ببقائها.

هكذا رسم سعد تلك الملامح الوطنية والتي ترسخت وقت جنازته المهيبة يوم الرابع والعشرين من أغسطس لتتكون ملحمة ثورية جديدة تكرر نفس الحماس حتى ولو وقت الرحيل كدليل مؤكد على أن الزعيم لم يرحل حتى وهو موارٍ للثرى ليبقى رمزًا ومعنى وقيمةً لا تنتهي أبدًا.

يسير على دربه رفيق الكفاح القادم من الحزب الوطني الذي تأسس على يد مصطفى كامل وأكمل الصورة من بعده محمد فريد، لتأتي لنا الأقدار بسلاسة الترتيب والتدبير، حيث يهل النحاس على الوفد بلمسات من وضع الأسس الأولى لثورة 1919 عبر زعيمي الحزب الوطني مع تضفير الصبغة الوطنية بلمحات سعدية ترسخ لمفهوم الوطن المعاصر.

قابل النحاس العديد من التحديات متوارثًا عبء التركة التي تسلمها من سعد حيث العداء مع القصر وانتقال الصراع المرير مع الملك فؤاد،  في صراعه مع الملك فاروق حول الممثل الحقيقي لنبض الشارع المتوهج.

واجه النحاس أمواجًا متلاطمة أوقعته بين شقي الرحا، ليكون الاختيار متسمًا بالصعوبة الصلدة خاصةً في يوم 4 فبراير من العام 1942 المعروف بحصار قصر عابدين، والذي أعاد النحاس للوزارة مجددًا برغبة بريطانية وقت معركة العلمين، جعلت الشعب منقسمًا بين من يهتف له و من يندد به عكس أستاذه الذي واجه الهتاف الموحد كالقبلة الواحدة نحو شطر الوطن.

ليس هذا الحدث هو الأول في حياته بل سبقه الانقسام نحو معاهدة 1936 التي تمزقت بين من اعتبرها بداية النهاية للمحتل و بين من رأها تكرارًا مؤلمًا لتصريح 28 فبراير 1922 حيث الاستقلال الصوري الذي لا يرضي طموح الجميع.

ظلت الأصوات منقسمة تجاهه  إلى أن حانت الأقدار بصهرها كالجسد الواحد يوم 8 أكتوبر 1951 والذي ختم فيه سيمفونيته الوطنية بخطابه الشهير الذي قال فيه:

من أجل مصر وقعت على معاهدة 1936 و من أجل مصر أيضًا قررت إلغاءها.

أرادت الأقدار أن تربت على كتفه كي لا يترك دنيانا وهو يعاني الحيرة والتيه نحو شعبيته المتناثرة ليكون هذا القرار، مؤكدًا على صلاحية المعاهدة و التي أممت الجيش المصري تدريجيًا بأبنائها الذين تبعوا موجة قرار إلغاء المعاهدة وقت اشتداد المعارك بالقناة وتزاحم الأحداث لتخرج الثورة من بين ركام التفاصيل الملتهبة في الثالث والعشرين من يوليو من العام 1952.

عانى النحاس التناسي كمصير أبطال روايات نجيب محفوظ في المرحلة الفلسفية، و كأن ثورة الشباب تخاصم العمالقة لتيبس أفكارهم عند ما وقفوا عنده ، ليعاني التجاهل حتى وفاته في العام 1965 يوم ذكرى الأستاذ ولتخفف عنه الأقدار تلك التناقضات الكبيرة من خلال الجموع الغفيرة التي سارت في جنازته رغم التعتيم الإعلامي هاتفةً باسمه كما حدث لأستاذه الكبير.

هكذا أصبح يوم 23 أغسطس هو يوم المكافأة لمن اعتلوا عرش الزعامة المصرية من أجل مستقبل أفضل.

تعليقات