رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

فاضل متولي يكتب: من صور المخادعة عند تجار الإلحاد

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 21 يونيو 2021, 11:39 صباحا
  • 1529
الكاتب فاضل متولي

الكاتب فاضل متولي

قد يكون ذلك من صور المخادعة عند الذين يريدون هدم هذا الدين، ليقيموا حياتهم الدنيا: وأعني وضع الأصول والقواعد التي تخالف الدين في جوهرها بعيدا تماما عن ذكر الدين ومبادئه، وتجنبا لوضع الدين في موضع مواجهة مع هذه المبادئ. ولكن حينما تتشبع العقول بهذه المبادئ والأصول التي يضعها هؤلاء تكون قد آمنت بما يخالف دينها الحق الذي كان عليها أن تعتنقه.

وتنطلي هذه الحيل على أقوام لم يتعلموا من دينهم الكثير، أو تعلموا ولكنهم ليسوا قادرين على أن يستحضروا من أصول الحق الذي تعلموه ما تثبت به مغالطة هذه القواعد الفاسدة.

نعم، هناك من يضعون هذه القواعد لا يريدون بها معارضة الدين، وربما لا يفطنون إلى معارضتها أو إلى أنها قد تستعمل فيما بعد لمعارضته، خذ مثلا رينيه ديكارت: فقد وضع قواعده التي بها يفكر ويتوصل إلى الحقيقة أو إلى ما يراه حقيقة. ولكن هذه القواعد نفسها مباينة حتى للدين الذي كان ديكارت نفسه يدين به. ذلك رغم أن ديكارت لم يقصد معارضة الدين ولا هدمه على الأقل مؤقتا. وأنت ترى من حال ديكارت أنه يصرح في نظريته المسماة بنظرية الأخلاق المؤقتة أنه يحترم السلطة السياسية والسلطة الدينية الرسمية ، وله تأملات في الفلسفة الأولى، دعك من الكلام في صحة أو خطأ النتائج التي وصل إليها، ولكن الحديث عن الفكرة ذاتها.

ولكنني لا أفتش كثيرا وربما لا أفتش قليلا في ضمائر المتحدثين بقدر ما أدخر جهدي لمتابعة ما تحدثوا به وما له من تأثير واقع أو محتمل على عقول ونفوس المتلقين.

ومن مشكلات القواعد المغلوطة أن كثيرا منها تظهر عواقبها الوخيمة بعد حين، وتبدأ خسائرها عندما يتمادى فيها من اتخذها له إماما. ومن هنا كان أهل العلم يحذرون عامة الناس من قراءة بعض الكتب؛ وقد كان يدفعهم إلى التحذير منها خوفهم على من لا يستطيعون أن يدركوا خطرها؛ إما لفقدهم الملكة التي بها يستحضرون المخالفة أو لأنهم لم يتعلموا أصلا.

وهذا ما يدفع المتعقل إلى أن ينصح الناس بالحذر في قراءة مثل هذه الكتب. وليس غريبا أن تستميت هذه الطائفة المفسدة في تحريض الناس على قراءتها، والنكير الشديد على من يمنعون ذلك. كما أنه ليس من المتوقع أن يقولوا للناس وهم يحثونهم على قراءتها: اقرأوا هذه الكتب التي نريد أن نصدكم بها عن دينكم، ونحرفكم عن طريق ربكم، ونوردكم بذلك مورد السخط وسوء العاقبة. ولكنهم سيقولون للناس:

الثقافة الثقافة، المعرفة المعرفة، الحرية الحرية. وسيقولون لهم عن علمائهم الذين يأخذون بحجزهم عن التهلكة: جامدون، رجعيون، متخلفون يحجرون الفكر، يحظرون المعرفة. أدركونا! أدركونا!

وأحب أن أقول هنا إنه ما من أمة إلا ولها محظورات، ومن محظوراتها بعض الكتب، ومن هذه الأمم التي تحظر الكتب نفس هذه الأمم التي تحترق غضبا حينما يقوم علماؤنا لحماية إخوانهم وأبنائهم من الزلل. وكيف لا وهم إذا قرأوا فكر هذه الأمم فكروا مثلهم فذابوا فيهم فسهل على هؤلاء أن يبتلعوهم ويذيبوهم فيهم ويجعلوا ولاءهم لهم في الباطن إن لم يكن ظاهرا وباطنا.

وقد تهون المشكلة إذا كان الأمر قاصرا على هؤلاء الغرباء، ولكن الكارثة أن ينبت في بلادك نبت قد شرب من هذا الماء الآسن، وسمن منه لحمه، وغزر منه دمه، وتعوده لسانه، فصار يألف الخبث وينفر من الطيب؛ ذلك لأن هذا الخبث قد ذهب بما كان فيه من الخير وحل محله خبث يلائم الخبث الذي يناله.

وقد يوهمك بعضهم أنه ليس أسيرا لغيره، بل هو يعمل عقله ويخرج من فكره ما يخدع به نفسه ليوهمها ويوهم المخدوعين الآخرين أنه ابن عقله هو وتابع لفكر نفسه. وهو في دعواه كاذب؛ ما يعارض أساتذته من المفسدين إلا بما حقنوه به من الفساد.

هذا النموذج الذي بين أيدينا يمثل صورة من الذين يحاولون أن يضعوا أصولا هم –في الأصل- يتلمسون فيها فتات الفلاسفة ليقدموا لنا نموذجا شائها من الفكر البديل عن الدين. فلننظر ماذا يقول.

تعليقات