فاضل متولي يكتب: إلى من يتحدث الملحدون؟

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 14 يونيو 2021, 10:06 صباحا
  • 1755
إلى من يتحدث الملحد

إلى من يتحدث الملحد

لا بد من كلمة تقال لمن تلقى الشبهات على آذانهم فلا يستطيعون حيالها ردا:

أولا: إذا كنت موقنا في ربك ودينك ورسولك ثم غابت الحجة عن ذهنك فرغم ذلك أنت المنصور؛ لأن دينك الحق الذي تؤمن به هو الباقي.

ومثل ذلك مثل أمتين تقتتلان، فنصر الله إحداهما على الأخرى، فلا يعني النصر أن بعض جندها لم يقتل أو يجرح، ولا يعني أن بعض جندها قتل أو جرح أنها هزمت.

وثانيا: قل لمن يلقون إليك الشبهات كما قال عمر لهذا الذي كان يلبس على الناس دينهم: لم لمتذذهب إلى عبد الله بن مسعود؟ لم لم تذهب إلى أبي بن كعب. فقل لهم: لم تسألونني أنا ولا تسألون العلماء؟ لما تجلسون حيث يجلس الأستاذ ولم تزالوا بعد في طور لا يؤهلكم لذلك؟ من هو الذي يصعد المنابر: العالم الذي يعلم أم التلميذ الذي يسأل؟

وأقول لكم أيضا يا من بقيتم على تمسككم بهذا الدين:

مثلنا كمثل قوم ركبوا قطارا حتى ازدحم بهم، وكان بعضهم قاعدين في المقاعد آمنين، وبعضهم قيام متعبون، وبعضهم معلقون في أبوابه ونوافذه يكادون أن يسقطوا إذا باغتهم بهزة قوية أو وقوف مفاجئ. فمثل القاعدين المطمئنين مثل العلماء الذين تمكن العلم منهم فهم في أمن بإذن الله.

ومثل القائمين المتعبين مثل الذين أخذوا من هذا الدين حظا يكون سببا في منعه الفتن ولكنهم رغم ذلك لم يبلغوا مبلغ علمائه، ومثل المعلقين مثل الذين اتصلوا بالدين اتصالا أكثره شكلي وهم في مهب الريح عرضة لتفترسهم وتطيح بهم.

فلا تكن من هؤلاء. ادخل في دينك، توغل فيه ولا تبق على حوافه.

لا تكن من الذين يكتفون بوراثة الدين عن آبائهم، ولكن تعلم دينك من مصادره الصحيحة.

إن هؤلاء الذين يجابهون الدين إنما يخاطبون هذه الفئة التي لم تتعلم منه شيئا، فلا تكن من هؤلاء.

تعلم دينك أيها المسلم، تعلم، لا تترك نفسك وولدك فريسة للمذاهب الهدامة. هيا إلى الأربعين النووية، هيا إلى عمدة الأحكام، هيا إلى بلوغ المرام، هيا إلى رياض الصالحين، هيا إلى صحيح البخاري. هذا العلم كان لأجدادنا أحفز إلى النصر من الخيول التي كانوا يركبونها ومن السيوف التي كانت في أيمانهم. فخذ بها تنتصر كما أخذوا بها فانتصروا.

لو عاش رسول الله حتى يملك الشام لظن بعضنا أن كلام هرقل لا ينطبق إلا على شخصه، أما وإن الذي ملك الشام هي دعوته، فإن هذا قطع بأن هذه الدعوة هي الغالبة، ولكنها غالبة عندما يطابقها أهلها أو يقاربونها استقامة، أما أن تشع المنارة فتبقى الوجوه قاتمة لم تستنر، أما أن ينال كل شهي من الغذاء وكل سائغ من عسل وحلب، ثم تبقى الأجساد مسلولة عاجزة لا تبرح مقاعدها ولا مراقدها، فإن كلام الله العلي وشرع الله الندي عن ملك هذه الدنيا غني.

إن الله وصف كتابه بالعزة قبل أن تكون لأهله دولة، فهو عزيز، وكل ما يدور في فلكه عزيز، لا ينتظر قيام دولة ولا يضيره زوالها، إنما تكون العزة والذلة للأتباع فأينما كانوا من دينهم كانوا من العزة، وهذا من أمارات كونه حقا.

هل تعلم كيف وصلنا هذا الدين؟

من أجل هذا رمي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالحجارة حتى دمي، ومن أجله عذب الصحابة على أيدي المشركين عذابا شديدا، ومن أجله قاتلوا، فمنهم من قتل فتيتم ولده وترملت نساؤه وثكلته أمه، ومنهم من جرح : قطعت ساقه، قطعت يده، فقد عينيه. ومنهم من حبس وجلد وعذب، ومنهم من ألقي في جب فعاش في قعره سنين عددا. فهل تحملوا ذلك من أجل أنفسهم؟ قد كان الواحد منهم يمكنه أن يؤمن في نفسه لا يضار فيه، بيد أنهم حملوا على عواتقهم عبئا ثقيلا: عبء حمله إلى من يلونهم من الأمصار ومن يلونهم من الأزمنة. ومنهم من قطع عمره مسافرا سائحا في الأرض ليجمعه. فكان جزاؤهم منا الجحود والإنكار. ويا ليته الجحود والإنكار فحسب بل والسب والانتقاص والاتهام بتهم هم منها براء ونحن ننسبها إليهم بغير تعلم أو لغرض سوء.

وكما فسدت الأذواق، فصرت ترى من يعرض عن شهي المطاعم والمشارب أهنأها وأمرأها، وعن طيب العطر، وعن أحسن الملابس، وعن أنسب الهيئات إلى أكثر كل ذلك سقما وخبثا واذى، كذلك عافت نفوس ما ينفع من العلم، وما يرفع صاحبه في الدنيا ويكون سببا نجاته في الآخرة، وزُين لها كل خبيث منه وكل ما يورد صاحبه مورد الهلاك. وظن أصحاب هذه العلوم السقيمة أن العقل بها يكون أوسع إدراكا وأرحب أفقا! وكيف يكون أبعد نظرا من لا يستطيع أن يرى أبعد من دنياه؟ أو قل: أي هذين أبعد نظرا وأوسع أفقا: من لا يستطيع أن يجاوز الدنيا بنظره أم الذي يرى الدنيا ويرى ما وراءها ويهيئ نفسه لكليهما بحيث لا يعطل نفسه عن أحدهما؟ أي هذين أرحب إدراكا: من يقصر الإدراك على آلة وعطل ما سواها، أم من تحيا في نفسه كل آلات الإدراك فيرى ما لا يراه غيره؟ أي هذين أرحب أفقا: من إذا جهل شيئا أنكر وجوده، أم من يفتح قلبه لكل معرفة ممكنة، فلا ينكر شيئا إلا بسلطان مبين؟ أي هذين أكثر معرفة: من لا تجاوز معرفته سنوات عمره أم من يعرف ما يعمر العمر وما يعمر ما بعده؟

هكذا انتقلت من الشيطان عدوى الحقد على بني الإنسان إلى بني الإنسان أنفسهم، فاتخذت في ضمائرهم أشكالا زينها لهم فرأوا الباطل حقا والحق باطلا، وصرفت أبصارهم إلى الظلمات فلم يروا الحق فأنكروه.

ثم انتقلت هذه العدوى بدورها إلى أناس تتلمذوا على فكر هؤلاء، فمنهم من شرب الحقد، ومنهم من ضلت به السبل فمضى في غير السبيل وهو يحسبها السبيل.

وربما كمنت في نفس بعضهم شهوات تريد أن تجاوز ما أحل الله من الطيبات، فرأى الدين أمامه عقبة في سبيل إشباعها، فلم يكن في قدرته أن يبوح بما تنطوي عليه نفسه، فانطلق يحاول أن يوفق بين ما جاء به الشرع الحنيف القيم وبين ما تهواه نفسه. ومنهم من كان أكثر جرأة ليطلق قلمه ولسانه في هذا الدين الخالص من الضلالات.

ومنهم من استمالته الشبهات؛ إما لغموضها وصعوبتها عليه وإما رغبة في التشويش على عامة الناس لا لأنها تعتمل في نفسه. فأما الذين وقفت الشبهة في حلوقهم فبدلا من أن يهرعوا إلى العلماء يستنيرون بما أنار الله به عليهم من الحق المبين. فضلوا أن يحولوا الشبه إلى نقائص ينسبونها إلى هذا الدين، وما النقص إلى في ظنونهم المريضة، وما العيب إلا في دخائلهم التي شوهها الجهل أو ما ارتووا به من النتن الذي يجيد أصحابه تزيينه والتلبيس به على المساكين.

وأما الذين يحقدون، فيا عجبا كيف اختاروا أن يكونوا جندا للباطل على أن يكونوا جندا للحق؟ كيف صور لهم غرورهم أن يفلتوا من تبعية الحق فإذا هم لم يصيروا بانفلاتهم سلاطين، ولا حتى سلاطين الباطل، ما صاروا إلا مسخا ونسخا، فيا عجبا: ألا يرون أنفسهم؟

وأفرزت كل أشكال الشبهات والشهوات إلى مرائينا ومسامعنا ركاما من الطعون والافتراءات على هذا الدين، وهذه الطعون تنقسم إلى قسمين:

قسم اندثر ولم يعد أحد يتكلم به، وقسم لا يزال متداولا بين الناس.

وسوف أحاول تتبع ما وقعت عليه من هذا الكلام الذي لا يزال محكيا بين الناس. ولا بد أن أنبه على أنني لن ألتفت في ردي على القول إلى ما إذا كان قائله حيا أم ميتا، أو إذا ما كان متمسكا بما قال أم تاب عنه ورجع إلى ربه؟ ولكنني سأكتفي بأن القول ما زال متداولا مذكورا بين الناس، والناس أحوج إلى ذكر ما يدحض الشبهة وإن كان من أثارها في نفوسهم قد فارق شبهته إلى التوبة أو إلى القبر.

فهناك مفكرون مخالفون للدين هجروا فكرهم، ولكن الناس لا يعلمون ولا يزالون يتداولون كلامهم.

تعليقات