أسامة الهتيمي يكتب: هكذا تزوجت.. وإلى هذا أدعو الشباب

  • أحمد عبد الله
  • الجمعة 04 يونيو 2021, 06:58 صباحا
  • 2110
الكاتب الصحفي أسامة الهتيمي

الكاتب الصحفي أسامة الهتيمي


أذكر أنني ويوم أن قررت أن أتزوج لم أكن أملك من حطام الدنيا أكثر من 500 جنيها فقط كانت كل ما تحصلته من جمعية مع بعض زملائي ومعارفي ولذا فقد استهجن الكثيرون من حولي أن افكر في هذا الموضوع في ظل هذه الظروف ومع ذلك كانت ثقتي كبيرة جدا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل :” ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف”.. إذ لم ينتابني لحظة شك واحدة في صحة ما جاء عن النبي الكريم لهذا عزمت على أن أسير في طريق الارتباط غير عابئ بما يمكن أن يواجهني من مشكلات مالية خاصة وأن تلك التي اخترتها أو بالأحرى التي اختارها الله لي أن تكون رفيقة الدرب ليست فتاة ككل الفتيات بما حباها الله من التدين وحسن الخلق والقوة والعزيمة على الصمود أمام عادات وتقاليد كادت أن تطيح بهويتنا الدينية التي يفترض أنها تحثنا على أن نرضى بالقليل وأن نكون مؤمنيين بأن هذه الحياة زائلة وأن متاعها قليل.

كانت المعركة النفسية شديدة السخونة فلا يمكن أن أنسى أو أن أتجاهل أنني أنتمي إلى الريف المصري الذي ورغم ما يعانيه من إشكاليات مادية كبيرة إلا أن قيم التعالي والتغالي تهيمن فيه على كل مظاهر الفرح كما تسيطر على مظاهر الحزن أيضا .. فالأفراح في قرانا يجب أن تكون وفق نمط لا يقل عن مستوى محدد يجبر الشباب وأهاليهم على إنفاق مبالغ طائلة تدفع في بعض الأحيان إلى الاستدانة أو بيع بعض الممتلكات حتى لا يقال إن فلانا ابن فلان لم يشتر كذا أو كذا أو أنه لم يقم حفل عرسه في قاعة كذا أو كذا وهي في نظري أحد أهم الأسباب وراء تأخر الكثير من الشباب في الزواج كما أنها ربما كانت السبب أيضا في إحجام الشباب عن دخول بعض البيوتات للارتباط ببناتهم ذلك خشية أن يطلب منهم ما فوق طاقتهم ما يؤدي في نهاية الأمر إلى عنوسة بنات بيوتات وعائلات كبيرة ومحترمة.

لم يكن قرار خوض المعركة مجرد شجاعة مني فحسب ولكن قبل ذلك كان شجاعة أيضا من “أم ثائر”- التي لم تكن وقتها “أم ثائر”- والتي كانت خير سند وعون لي بعد الله عز وجل فلم تستسلم لما حاول الإعلام أو العادات أن تتعاطي معه وتروج له باعتباره مسلمات يجب أن تكون في حال كان هناك عرس فلا هي حلمت بـ"شقة" بها كل الكماليات ولا هي تمنت أن تقيم عرسها في قاعة تحصد منا آلاف الجنيهات في الوقت الذي نحن في حاجة فيه إلى جنيه واحد ومن ثم لم تكن بالنسبة لي أداة ضغط يدفعني مثلا إلى الاستدانة أو حتى مطالبة أهلي بما فوق طاقتهم حيث كان الأهل آنذاك يجتهدون قدر استطاعتهم من أجل استكمال تعليم بقية أخوتي.

كما لم يخلو سلوكنا من محاولة عملية للتأكيد على أن ذلك المنحى الذي اتخذه بعض الشباب اليساريين “الشيوعيين” الذين رغبوا في الارتباط فقفزوا على واقعنا بماديته القحة فاشتروا أثاثهم من سوق الجمعة - سوق يبيع الأثات القديم والمستخدم - دون أدنى شعور بالخجل هو سلوك أولى به ممن ينتمون للفكر الإسلامي ذلك أن الإسلام ما دعا أبدا إلى الغلو والتباهي.

ولعل أجمل ما في المسألة أننا قررنا أن يكون أثاث منزلنا وفق منطلقاتنا وحاجتنا وليس وفق ما درج عليه الناس من عادات وتقاليد تركزت حول مبدأ (ما يجب أن يكون على “الزوج” وما يجب أن يكون على “الزوجة”) فقررنا أنه ومع كل أول شهر ومع تناولنا لرواتبنا الزهيدة أن نذهب للأسواق فنشتري ما قدر الله لنا شراءه من احتياجاتنا الضرورية حتى وفقنا الله إلى أن نشتري كل ما اعتقدنا أنه يقيم منزلنا ولا يجعلنا في حاجة للآخرين حتى أنه وقبل موعد يوم البناء لا أنسى أن إحدى أخواتي كان لها مقولة ما زالت ترن في أذني حيث قالت “لقد أتوا بكل شئ ولم يأتوا بشئ” تقصد أننا لم ننس أن نشتري كل ما نحتاجه فعلا لكن لم يكن بالكم ولا بالكيف الذي سار ويسير عليه الناس إلى يومنا هذا من المباهاة والمغالاة.

وهل يمكنني أن أنسى يوم 25 من مايو 2000 وهو يوم الزفاف أو البناء الذي يعلم الله أني لم أحمل له هما سوى طريقة الاتيان بالعروس حيث كنت أقيم وقتها بالفيوم فيما كانت العروس تقيم بالقاهرة وأسوأ ما حدث لي أن قيادة سياسية كبيرة جدا وقتئذ - سامحها الله - قد عرضت علي وقبل الزفاف بأيام أن يرسل بسيارته الخاصة وسائقه الخاص إلى منزل العروس في ساعة محددة ليحملنا إلى الفيوم غير أنه وقبل الوعد المحدد بساعات قليلة حدث ما منع السائق من الاتيان ما أربكني لكنني استرجعت الله وعزمت وتوكلت عليه عز وجل متجها للقاهرة بمفردي وأثناء خروجي من المنزل فإذا بأحد أقاربي – القريبين إلى قلبي وفكري - ممن حضروا يوم الزفاف يقول لي : وهل تعتقد أننا سنتركك بمفردك لتذهب للقاهرة لتأتي بالعروس هذا لا يليق أبدا.. مضيفا: إننا اتفقنا أن نذهب معك وقد أحضرنا سيارة خاصة لذلك .. فكان ذلك العرض بمثابة تدخل إلهي لحل معضلة الموقف الذي كنت متحيرا في التعامل معه.

ومر يوم الزفاف يوما سعيدا بلا مشكلات حضره بعض من الأصدقاء والأقارب والجيران والقيادات السياسية من القاهرة والفيوم في جو عائلي بلا ضجيج يسبب أي صداع وبلا مخالفات شرعية تصيب المرء بحالة ندم شديدة وتوتر نتيجة أن بدأ الحياة الزوجية بما لا يرضي الله لأصبح زوجا ككل الأزواج غير أن الفارق أني لم أستيقظ صباح اليوم التالي حاملا هم ديون يجب أن أسددها.

ومرت السنوات وبقت رحلة الزواج أمر أفخر وأعتز به وأروي جانبا منه لكل شاب مقدم على الزواج واستشعرت أنه يتعثر ماديا بل وأحكيه لأبنائي ..كما يسر الله أمرنا ووسع علينا في الرزق فاشترينا كل ما تمنيناه وربما أكثر مما تمنيناه والحمد لله . كما نسي الناس بمن فيهم من حولي أن زفافنا كان بسيطا لم يكلفنا الكثير.. فسرعان ما ينسى الناس كل شئ!

وأراني وقبل أن أختتم دعوتي أن أشير لنقطتين مهمتين أولهما تتعلق بأن الله عز وجل سن الزواج ليكون كلا الزوجين سكن للآخر وأن عماد هذا السكن هو المودة والرحمة فإذا كانت بداية هذه الحياة صراع على الماديات فهل تكون القلوب قادرة بالفعل على إقامة هذه المودة وهذه الرحمة أم يظل لذلك الصراع أثره في علاقة الزوجين.

وأما الثاني فإن التحديات المادية ربما لا تمثل أدنى مشكلة للبعض ممن يسر الله حالهم المادي ولهذا فإن مثل هذه الدعوة لا تشملهم متمنيا لهم حياة سعيدة لكنني لا أفوت فرصة دعوتهم لعدم المغالاة والإسراف في الإنفاق على الزواج فذلك أبعد ما يكون عن قيم ديننا وروح هويتنا.

ويبقى أنني ومع مرور أكثر من 21 عاما على الزواج لا زلت أذكر كل تفاصيل رحلته فأشعر بمتعه بالغة كما لا زلت أذكر كلمات بعض شباب قريتي الذين جاءوا يهنئوني صباح العرس مؤكدين أنهم يتمنون لو تأتيهم الجرأة ليفعلوا مثلما فعلت.. فهل لديك الجرأة عزيزي الشاب أن تفعل مثلما فعلت؟!

نشرت هذا المقال من قبل ووجدت من الأهمية إعادة نشره مجددا

تعليقات