د. محمد جاد الزغبي يكتب: العقل المحايد.. والعقل المنحاز

  • أحمد عبد الله
  • الجمعة 04 يونيو 2021, 06:03 صباحا
  • 975

العقل المحايد .. والعقل المنحاز

( من كتابنا الإلحاد أمام محكمة العقل .. يصدر قريبا )

إن أول ملحوظة نبدأ بها هذه القضية ..

هى أن ( الملحد منكر وجود الله ) أشبه بالشاب الذي وُلد مجهول الأب والأم وعندما أعياه البحث خلف أبويه أو أزعجته كثرة السائلين خرج على الناس ليقول لهم أنهم مولود  بغير أب وأم !

وبهذا أراح عقله بهذا الجواب واتهم الساخرين منه بأنهم أولى بالسخرية نظرا لأنهم يصدقون في أن آدم عليه السلام مولود بغير أب وأم !

أما ( الملحد منكر وجود الأديان ) ..

فهو كالمولود معروف الأم مجهول الأب , يعلم يقينا أن له أبا لكنه لا يريد رؤية الدليل القاطع فى تحديد نسبه لأبيه , ويرفض الاعتراف بالأب الظاهر أمامه لأنه فى نظره لم يأت له بدليل عقلي مقنع يثبت به دعواه فى أبوته ..

رغم أن هذا الأب يتولاه بالرعاية والدعاء ويتخذ من عطفه وحنانه عليه دليلا قاطعا أمامه بأن اهتمامه هذا دليل صدق أبوته له ,

لكن الابن يرفض هذا المنطق !

 

وفى الحالتين نجد أن الأزمة لم تكن أزمة إثبات الوجود أو الاقتناع العقلي بقدر ما كانت الأزمة الحقيقية في أن العقل في الحالتين كان عقلا ضِدّيا منحازا ..

لأنه لا يبحث عن الحقيقة بل يبحث عن دليل يدعم هواه المسبق

 

وفى التجربة الفكرية الفريدة التى مر بها المفكر الراحل د. مصطفي محمود ومئات المفكرين عبر القرون ..

يتضح لنا مدى الفارق الشاسع بين العقل المحايد المجرد , الذي يهدف ابتداء للوصول إلى الحقيقة عن طريقة فلسفة الشك في كل الثوابت والبدء من أول الطريق خطوة .. خطوة

ورغم وعورة هذا المسلك فى كونه يرفض كل المدونات السابقة والأقوال المسجلة والأدلة المفصلة في الأديان جميعا ,

إلا أنه طريق ــ رغم صعوبته ــ يفضي بلا شك إلى إيمان مرتكز على حقيقة ويقين وصدق ..

وهذا العقل الى يهدف أصلا للوصول إلى الحقيقة ــ أى أنه يبدأ مستقلا عن كل نتيجة مسبقة وانطباع موروث ــ هو العقل المحايد الذي يصل بلا شك للحقيقة المطلقة فى عالم تحكمه النسبية

لذلك لا قلق إطلاقا على ( الملحد الفكرى ) الذى استبدت به الحيرة العقلية فعلا للتساؤل عن حقيقة وجود الله وحقيقة الأديان

وهؤلاء تكثر نوعيتهم فى الغرب , حيث أن المجال الغربي مفتوح لكل الشهوات الممكنة بلا أى إنكار أو احتقار

 

وهو يختلف جذريا عن العقل الموجه مسبقا ..

وهذه النوعية منتشرة للغاية فى المجتمعات المحافظة كالمجتمع العربي الذى يمثل فيه المجتمع ضميرا رقابيا صارما يقلص من طموحات أصحاب الشهوات الزاعقة

فالمتشبع بفكرة رافضة لوجود الله تعالى أو رافضة للشرائع والرسل , ويوهم نفسه أنه يريد البحث المجرد المحايد بينما هو يبدأ طريقه في الأصل آخذا جانب اليسار على طول الخط , وباحثا عن كل شبهة أو ذرة دليل عقلي تؤكد منطقه الملتبس وتهدى نفسه المتخابثة عليه , والتي تغره دوما وتدفعه إلى مواجهة الأدلة الصريحة على وجود الله بمزيد من الإنكار والاستنكار واتهام الغير بالإغراق فى الوهم والخيالات ,

دون أن يدرك هذا العقل أنه بالفعل يغوص فى أعماق الوهم فعليا منذ أن بدأ بحثه عازما على نتيجة محددة وزاعما لنفسه أنه على الحق ..

وغالب الأمر فى هذه النوعية من العقول أنها عقول لم تلجأ إلى الإلحاد تحت دافع عقلي أو فكرى بل لجأت إلى الإلحاد كوسيلة للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة المجتمعات الرافضة للزندقة والشهوات ..

فهذه النوعية هى نوعية أدمنت الفواحش والشهوات أيا كان نوعها , وفى طريق إدمانها ذلك تعادى الأديان جميعا ــ وتحديدا الدين الإسلامى ــ لأن قبضة التشريع تُحرم الشهوات أو تقننها لكي تصبح بشكل مشروع ومفيد للتطور البشري

وفى نفس الوقت يولد ملحدو الشهوات غالبا فى مجتمعات محافظة , يمثل فيها المجتمع والضمير العام قانونا أشد قسوة من القانون المكتوب وينظر إلى أصحاب الشهوات المعلنين بها نظرة احتقار ودونية مغلظة ..

وبالتالى يعانى هؤلاء من نظرة المجتمع لهم مهما بدا منهم أنهم لا يبالون بها

لهذا يلجئون لفكرة اعتناق ( الإلحاد ) ويحاولون بشتى الصور إثبات أنهم مفكرون أو فلاسفة أو عقلانيون أو حداثيون ... إلخ تلك الألقاب

لماذا ؟!

لأنهم يعتبرون إظهار أنفسهم بهذا المظهر الفكري يحميهم من نظرة الاحتقار المجتمعي لهم إذا نظر لحقيقتهم على أنهم مجرد عقول تعبد الشهوات والفواحش ..

وذلك لأن القاعدة التى استندوا إليها ملخصها ( الكره أفضل من الاحتقار ) ..

وهى قاعدة عامة صحيحة ..

فالإنسان قد يتسامح أو يتصالح مع الكارهين له أو المعادين له , أما ما لا يحتمله الطبع البشري والفطرة السليمة هو الاحتقار المجتمعى

فالفارق ضخم وكبير

 

تعليقات