رانيا ثروت تكتب: حول قصة "حدث في الواحة" لـ حسام عقل

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 31 مايو 2021, 5:48 مساءً
  • 884
الناقدة رانيا ثروت - والدكتور حسام عقل

الناقدة رانيا ثروت - والدكتور حسام عقل

حدث في الواحة عنوان جاذب يثير التساؤل في الذهن عن ماهية ماحدث في الواحة حاملا تقريرا بحقيقة وقوع الحدث أيا كان كنهه ،أما عن الواحة فهي لفظة مكانية تثير السمع والبصر وتلهم العقل بصورتها الغنية الذكية التي يستحضرها فور قراءة العنوان.

لا يدري.. بداية تعجبية تثير الإستفهام عن حقيقة وجوده في هذه الواحة وكيفية وصوله إليها،فهل هذا الانتقال حلم باغته فكان الإرتحال إليها أثيريرا أم كان إنتقال حقيقي مثير لتعقب كيفيته ما دام صاحبه لا يدري.

الوصف الذي تميز بفخامة اللغة واتساق القاموس اللغوي مع غرائبية الحالة كان عنصرا فاعلا ومثمنا في نقل الصورة المشهدية بكل تفاصيلها للقاريء،كما أن استدعاء الحالة المدنية في مقارنة مضغمة بينها وبين حال الواحة الأسطوري كان له بالغ الأثر في تبيان تناقض الحال مبرزا لجمال الواحة وتفوقها جماليا على الحالة الصاخبة للمدنية.

ودارت رأسه المخروطية...توقفت كثيرا عند هذا التشبيه الذي أوعز لي بأن رأس البطل كانت بمثابة مؤشر البوصلة الذي يبحث عن الإتجاه الصحيح مع كثرة الإتجاهات خاصة مع حركته الدائرية،فلو كان يؤشر للوقت لكانت حركته مترنحة كما هو الحال في الساعات،تلك الحيرة و حالة الضياع التي وقع فيها البطل بالرغم من انحيازه لعالم الواحة ومحبته لها البادي من رؤيته لها التي بينها لناالوصف الشفيف الرائق.

يتصاعد التوتر النصي حاملا القاريء لفحوى الحدث وذروة الأزمة التي تمثلت في قصة عزيز القوم الذي ذل وعجز عن دفع الإيجار للمالك العبادي بعد تقلب الأحوال من السعة إلى الضعة وقصر اليد وهل هناك ما يسبب الحيرة والإغتراب والمذلة لإنسان العصر الحالي مثل ضيق ذات اليد.

لتنشأ في النص مقارنة جديدة بين حالة البطل السابقة الوارفة بظلال النقود كما الواحة وحالة الجدب والتعسر الخانق المماثل لشعوره تجاه المدنية المادية المجحفة وتلك المعادلة الموضوعية تدفعنا للتساؤل أي الواحتين أجمل وأكثر بركة؟ وأيهما سوف يختار الإنسان إذا مارغب في المقام؟.
النص حافل باستخدام الرمز طائر الكاردينال وسجادة الصلاة وورد الجد ورمزية الواحة الوارفة وكلها رموز تعزز حالة روحانية أثيرة مفادها أن الغنى الحقيقي في وصل الله والفزع إليه سبحانه وأن تلك السجادة وذلك الورد هما الغنى الحقيقي الكامل استخدام الرمز أعان على التكثيف اللغوي الذي أضاف قوة لوصف الحال وإنتظام لإيقاع السرد دون رتابة أو ملل ليتابع القاريء النص في شغف متتبعا لدوافع السرد المنثورة في جنبات النص سواء وصفية أو مشهدية أو من حيث تقلبات الأحوال أو المعادلات الموضوعية أو أزمة البطل التي تنتظر الانفراج.

كما تطل علينا الواقعية السحرية متجلية من جنبات النص الذي يقع في منطقة البين بين الأرض والسماءوالحقيقة والخيال والخلم والواقع والتي لم يحسمها النص تكريسا لمفهوم اكتمال الحياة واستوائها إذا ماتوازنت فيها المادية بالروحانية والتعلق بالله وذكره.

الإستغفار الذي نطق به البطل والذي سيكون سببا في الفرج اتساقا مع الآية القرآنية الشريفة في سورة نوح بسم الله الرحمن الرحيم " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " صدق الله العظيم.

كان بمثابة تناص إتفاق مع فحوى الدعاء الذي يحمل الإستغفار والذي يحيلنا لإستدعاء الآية الكريمة مسلطا الضوء على سبيل قد تناساه الناس وهم يلهثون خلف عرض الدنيا الزائل وهم غير مدركين أن حل أزماتهم وتفريج كروبهم عائد لسبب وجودهم الأصلي وهو وماخلقت الإنس والجن إلا ليعبدون وبعد ذلك يكفيهم الله مؤنة تلك الحياة فسبحان الرزاق ذي القوة المتين.

أيضا التناص مع السيارة في قصة يوسف عليه السلام سبب النجاة للنبي الكريم في قدوم القافلة وكذلك رمزية اسم الإمام الجنيد الذي جمع الحسنيين فهو علم من أعلام علماء السنة وأهل الجماعة والفقه وهو سيد من سادات الصوفية القائم بين العلم الشرعي وروحانية حب الله الخالص،ذلك التوازن الذي به تسير الحياة وتحلو والذي يتسق مع قوله رحمة الله عليه ورضى عنه وأرضاه وألحقنا به ومن سبقه ومن تبعه بإحسان "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول"صلى الله عليه وسلم.

إن حالة التشظي المكاني في تحديد مكان الواحة أفادت العموم بمعنى أن ذكر الله في أي محل يخلق واحة الإنسان الخاصة وهي دعوة لأبناء الإسلام والعروبة للعودة إلى الله بالذكر والشكر والإستغفار كسبيل يسكن فيه الفرج لا ريب.

التصوير البديع النوراني بداية من "وسطع في الواحة حتى... المريدون" استوقفني كثيرا وقد لمس في نفسي شيء ما وكأنه تعبير خارج عن نطاق الزمن آتيا من دنيا الخوارق وكرامات الأولياء وهو ما اتسق مع أحداث النص وزاد لغته السردية بهاءا وجمالا.

لتأتي النهاية مكللة بالأنوار بسداد ثروت للدين ولا يخفى على ذهن آريب رمزية الإسم التركي والذي يترادف في العربية مع كلمة ثروة وكأنما النهاية تأكيد على فحوى النص وأن الثروة الحقيقية في الوجود في معية الله التي تكفيك مؤنة كل الأشياء في الدنيا.

نص غني يقال فيه الكثير ويحتاج لقراءة متأنية مرات ومرات سعدت بقرءاته جدا وهذا الإبداع ليس غريبا على أستاذنا د.حسام عقل خالص تمنياتي بالتوفيق الدائم والإبداع الفائض الشفيف.

تعليقات