د. علي حسن الروبي يكتب: شبهة تقديس البخاري

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 24 مايو 2021, 5:24 مساءً
  • 1166

شبهة تقديس البخاري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:

فالشبهات التي تثيرها الأقلام العلمانية حول صحيح البخاري كثيرة، وفي الأسطر القادمة ردٌّ مختصر على واحدة من تلك الشبهات.

يقول العلمانيّون: إننا نقدس البحاري ونعتقد عصمته عمليا ًوإن أنكرنا ذلك باللسان؛ بدليل أننا لا نقبل أي نقدٍ يتوجه لشيءٍ مما جاء في كتابه.

وقد وجدتُ امرأةً منهم تستدل على التقديس المزعوم= بما شاع عند العامة من قولهم:" احنا غلطنا في البخاري"، واستدلتْ كذلك بما أورده الجبرتي في تاريخه من أنه لما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر لاحتلالها= كان الناس يقرأون القرآن وصحيح البخاري في المسجد؛ كنوع من التبرك ودفع البلاء.

ولهذه القصة نظائر في أزمنة سالفة.

وجواباً عن هذه الشبهة= أقول:  

تكون هذه الشبهة وجيهة= لو كان البخاري قد كتب كتابا في أي فرع من فروع المعرفة أو العلم ووضع فيه آراؤه واجتهاداته الشخصية؛ ثم عظّمه الناس ورفضوا أي ردّ لما جاء في هذا الكتاب من أفكار وآراء= ساعتها بالفعل يكونون معظمين للبخاري ومقدسين له وقائلين بعصمته.

لكن الواقع يقول إن الإمام البخاري خصص كتابه لجمع كلام النبي – صلى الله عليه وسلم -وأحاديثه، وسلك في سبيل الجمع طريقة غاية في الاحتياط والتثبت والتحرز؛ ليتحقق من ثبوت نسبة هذا الكلام وهذه الأحاديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد تلقى أهل الاختصاص- والأمة من ورائهم- هذه الطريقة بالإشادة، ورأوا أنها –بالفعل- تجعلنا مطمئنين إلى أن تلك الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم= قد قالها بالفعل، ليست مكذوبة عليه، أو توجد نسبة للشك في صحة نسبتها إليه.

إذن، التقديس المشار إليه لصحيح البخاري أو (التبرك بقراءته)= ليس هو لشخص الإمام البخاري–رحمه الله-  وذاكرته الخارقة، ولا حتى لشروطه وطريقته في جمع الأحاديث؛ بل هو متوجه لما اشتمل عليه كتابه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن المعلوم أن كلامه صلوات الله عليه = وحيٌّ من الله تعالى؛ إذْ أن الوحي قسمان: قرآن، وسنة.

فإن قال قائل: إذا كان الأمر كذلك، والتعظيم هو لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لشخص البخاري= فلماذا لا نجد مثل هذا التعظيم لباقي كتب السنة التي فيها كلام النبي صلى الله عليه وسلم؟!

والجواب: أن التعظيم والتوقير لكتب السنة= موجود ومطلوب؛ لكن الفرق الرئيس هو أن كتاب البخاري اشترط جامعه شروطا شاقة؛ للتحقق من صحة نسبة الأحاديث التي في كتابه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- وقد تمّ له ما أراد؛ وأقر العلماء من أهل الاختصاص بصحة نسبة أحاديث كتاب البخاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتلقت الأمة ذلك بالقبول وأجمعت عليه؛ وهي لا تُجمع على ضلالةٍ، كما أخبر الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم.

وكتب السنة الأخرى= لم تبلغ هذه المنزلة التي بلغها كتاب البخاري ( الطمأنينة إلى أن كل ما جاء فيها صحيح النسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، وأقرب كتاب إلى منزلة كتاب البخاري= هو كتاب الإمام مسلم، ولهذا حظي بالتعظيم والتقدير أيضاً، وتلقاه العلماء بالقبول، وأطلقوا على كتابه وكتاب البخاري " الصحيحان"، وإنْ انتقدوا بعض أحاديث في صحيح مسلم.

فالحاصل أننا عندما نرفض الاعتراض على حديث في صحيح البخاري= ليس مرد ذلك إلى أننا نرفض الاعتراض على البخاري، ولكننا نرفض الاعتراض على كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكون الحديث موجوداً في صحيح البخاري= هو دليل على صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا باختصار هو السبب في تعظيم الناس لكتاب البخاري أو التبرك به؛ لكونه يضم كلام النبي صلى الله عليه وسلم، مع اطمئنان النفس إلى صحة ثبوت نسبة هذا الكلام إليه صلى الله عليه وسلم.

تعليقات