باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
الأديب فاضل متولي
قال الله –عز وجل-: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}، "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}، وقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وقال: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}، وقال: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}، وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
و عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }.. صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ
يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى
اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ
رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ
أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ
تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا
عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا قَالَ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ
شَدِيدٍ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا
جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ
{ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}
تستبق إلى الخاطر فكرتان من مطالعة هذه الرواية هما:
1 هل يفرق غير المسلمين بين حرية الاعتقاد وبين الدعوة.
2 الحرب على الإسلام بدأت من اللحظة الأولى للدعوة ولكن الإسلام –بحمد الله- صامد في وجه كل التيارات.
عندما نقرأ عن التاريخ السابق على بعثة كل نبي نتبين –بجلاء- أنه ما من واحد من الرسل الأكرمين إلا وكان مقربا محببا إلى ربه قبل بعثته، فلم نسمع عن نبي قط أنه كان قبل بعثته على خلق وأنه كان في أثنائها على خلق غيره. (بعض الناس يدعون أن إبراهيم –صلى الله عليه وسلم- كان متحيرا متشككا بين الكوكب والقمر والشمس، وأنه عن طريق التأمل وصل إلى بطلان عبادتها. لكن الله –عز وجل- برأه –عليه السلام- من هذه التهمة بقوله –تعالى-:
{قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
وقوله: {قل صدق الله، فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}، وقوله: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}
وإنما كان كلامه –عليه السلام- مع قومه من باب المناقشة والتنزل ولم يكن من باب النظر والتحير
قال العلامة ابن كثير:
وكيف يجوز أن يكون إبراهيم [الخليل] ناظرا في
هذا المقام، وهو الذي قال الله في حقه: { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ
مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ
التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } الآيات [الأنبياء: 51، 52]،
وقال تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ
يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي
الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [النحل: 120
-123]، وقال تعالى: { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
[الأنعام: 161].
وقد ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"كل مولود يولد على الفطرة")
ورغم ذلك لم نسمع أن أحدهم قد عودي قبل أن يبعث وقبل أن يحمل عبء تبليغ قومه بما أمر.
ثم نظرنا في أحوال الأمم المعاصرة التي لا تدين بالإسلام، فإذا هي تطلق –في كنفها- أيدي من يريدون أن يدعوا إلى أي دين مصنوع أو مختلط أو حق، فنرى من يجدون هناك في نشر الدعوة دون أن يعارضهم في ذلك أحد من قادتهم.
ثم نجد هؤلاء أنفسهم يختلقون الحجج في ضرب هذه الدعوة في معقلها: -وأعني بالمعقل بلاد المشرق- وهو ما يفتح علينا أبوابا لامتناهية من الأسئلة:
هل يرون أن ضرب الدعوة في معاقلها أنفع لهم من كبت فئة قليلة هنا أو هناك؟ فإذا قضي عليها في موطنها –لا قدر الله- كان أمر غيره يسيرا؟
هل هناك حد أقصى غير معلن من المعتنقين لهذا الدين في بلادهم، بحيث يبدأ لون الضوء يتغير إذا جاوزوا هذا العدد وصاروا يشكلون خطرا على الدولة في تصور قادة هذه البلاد وصائغي قوانينها؟
هل يرون أن السماح لهم بالبقاء في مواطنهم أهون عليهم من هجرتهم إلى بلاد الإسلام؟؛ حيث إن هذه الهجرات تشكل تكتلات أكثر خطورة؟
والذي أثار في خاطري هذه الأسئلة هو ملاحظة ثبتت عندي من تتبع سيرة المعادين لهذا الدين: إن الخلف منهم يقلدون أسلافهم في مناهجهم، فما بال هؤلاء مختلفين؟ أم أنه كما أن هناك شبها ظاهرا يخدع، هناك اختلافا ظاهرا يخدع؟
وكذلك ينتبه المتتبع لهذه الرواية إلى أن الحرب على هذا الدين قد بدأت منذ اللحظة الأولى للدعوة. ولا شك أنها مستمرة إلى يومنا هذا.
وإذا نظرت وراء قليلا أو كثيرا فإنك توقن أن هذه الحرب لم تكف عن المسلمين أن ترميهم بكل ما ملكت يدها من السلاح سواء كان الحرب المباشرة أم الحرب الكلامية أو الكتابية أو تجنيد بعض المنسوبين إلى هذا الدين لوضعهم في الخطوط التي يكون قيام الوجوه المكشوفة فيها خطرا عليها وكشفا لحقيقة هذا التخطيط المتصل لضرب هذه الدعوة المباركة.
اطمئن أيها المسلم؛ دينك باق:
إذن فالدين يحارب منذ أول يوم لظهوره، وتشتد الشراسة في محاربته بقدر شدة شوكته أو الخوف من أن تشتد، ولكن كما أن هذه الهجمة المتصلة متنوعة الطرائق دالة على اختيار آخر غير اختيار الحكمة والرأي السديد الذي يقضي باتباعه ونصرته بدلا من محاربته ومناصبته العداء نكرانا لجميله ولفضل من أمر به العباد، وحرمانا من آثاره وخيراته التي تعم كل أتباعه المتمسكين به جملة وتفصيلا.
فإنها تدل أيضا على قوة هذا الدين وصموده في مواجهة كل ما يتحداه من صنوف العداء.
ومما هو أدل على قوة هذا الدين أن المنسوبين إليه في العالم اليوم هم المهزومون سياسيا وعسكريا، والمتأخرون علما وتكنولوجيا، ورغم ضعف أتباعه في جملتهم إلا أن الدين باق، لم يضره –في ذاته- ضعف المنتسبين إليه، وتفرق المتحدثين باسمه والمتمسحين فيه. ويفهمك ذلك أمرا ذا خطر: إن بقاء هذا الدين لا يركن إلى قوة الشعوب أو ضعفها، وإنما تكمن قوة هذا الدين في أنه في يد الله: فالله هو الذي شرعه، وهو الذي تعهد بحفظه.
إن قول الله تعالى
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
لا يمكن أن يفهم منه أن الله سيحفظ القرآن مكتوبا في المصاحف، أو مخزونا في المتاحف، وإنما حفظ القرآن يقتضي حفظ كل ما ينبع منه وكل ما يوصل إليه؛ إذ لا معنى لبقاء النص القرآني دون بقاء ما يمكن أن نفهمه به وهو السنة وما هدى الله إليه علماء هذه الأمة من صحابة وتابعين وأئمة أعلام من تفسيره، وما يمكن أن نفهم به هذا التفسير سواء من التراث الاعتقادي الصحيح والتراث الفقهي الزاخر والسنة النبوية الصحيحة، ولا يمكن حفظ كل ذلك دون حفظ كل الوسائل التي توصل إليه من علماء أجلاء وآثار مكتوبة، وكل ما يعد ضياعه نقطا مظلما في شمس هذا الدين الوهاجة.
فالدين إذن سامق فوق كل مكيدة، بعيد عن كل حيلة، وأهله إن كانوا قد بلغوا ما بلغوا من هذه الوهدة السحيقة فإنما أصابهم ذلك من جراء تركهم إياه وإعراضهم عنه، ولكنه رغم ذلك باق لم يندثر ولن يخبو نوره، قد قيض الله له في كل عصر أعلاما يحملون لواءه، ولا يقضون حتى يتحمله غيرهم. نعم قتل من أهل الحق من قتل، ولكن الحق لم ولن يقتل.
وإنما مثل هذه الأمة من أعدائها كمثل أسد عظيم استلقى نائما فظنت الجرذان أنه هلك، فصعدت فوق رأسه وبطنه وظهره. ثم إنه قام وانتفض فإذا هي تتساقط حوله وتفر من الذعر.
ولهذين السببين أو هاتين الظاهرتين: أعني بهما بقاء الدين رغم ضعف الأمة المتدينة به، وارتباط قوة الأمة بالتمسك به والضعف بالبعد عنه أو التراخي في أخذه، لا أبالغ إذا قلت إن ما يحدث في هذا العصر مع قراءة ما حدث في العصور السابقة من هجوم على هذا الدين لا يزيدنا فيه إلا يقينا، هو الحق الذي تثبت قوته بقوة آخذيه وتثبت قوته بضعفهم إذا تركوه، هو الحق الذي لا يضره انهيار أمته وتداعي الأمم عليها. هو الحق الذي لو أراد أحد أن يجد منه ما وجد الأولون فإنه يعطيه ما أعطاهم.