دراسة جيرفيه: هل الإلحاد مرض نفسي؟

  • د. شيماء عمارة
  • الأحد 16 مايو 2021, 11:00 صباحا
  • 1345
الإلحاد

الإلحاد

رغم استقرار المعتقدات الدينية عالميًا. لكن الاتجاه إلى الإلحاد يتصاعد، فيما تقدر دراسة جيرفيه المنشورة حديثًا عدد الملحدين في العالم بأكثر من ملياري شخص.

يعتقد العديد من علماء النفس أن لدى البشر ميلًا فطريًا أو شبه فطري نحو الإيمان. لكن التحدي الأول كان العلمنة التي توسعت في أوروبا بين جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت ترسيخ مؤسسات الدولة العلمانية التي أمنت الاحتياجات الوجودية لمواطنيها بأكثر مما فعلت الكنيسة طوال تاريخها.

لماذا الدين؟ ولماذا الإلحاد؟ هل الإلحاد مرض نفسي؟ كيف يراه علماء النفس


أحدث تقدير بارز حول الإلحاد (عدم الإيمان بوجود إله مطلقًا) يعود إلى 2007، وقدر عدد الملحدين حينها بـ 500-700 مليون ملحد على مستوى العالم.

لكن دراسة أعدها عالم النفس البريطاني ويل جيرفيه وزملاؤه، ونشرتها مجلة علم النفس الاجتماعي وعلوم الشخصية، تقول إن التقدير أقل كثيرًا من الواقع حاليًا؛ إذ يميل المؤمنون للمبالغة في الإبلاغ عن ممارستهم الدينية، بينما يخشى الملحدون تعريف أنفسهم في الاستطلاعات بهذا الوصف تخوفًا من الازدراء، مؤكدًا أن الملحدين باتوا يشكلون نسبة كبيرة وربما متزايدة من سكان الأرض.

وبينما يكشف القياس غير المباشر للإلحاد في الولايات المتحدة عن فجوة كبيرة محتملة بين بعض التقديرات غير المباشرة (26%) والمباشرة (3%)، يدمج جيرفيه التقديرات، ليتوقع أن ما يزيد عن ملياري شخص على وجه الأرض قد يكونون في الواقع ملحدين.

ووفق الدراسة التي أعدها عالم النفس البريطاني ويل جيرفيه وزملاؤه، ونشرتها مجلة علم النفس الاجتماعي وعلوم الشخصية، تشرح 3 نظريات رئيسية عالمية التدين:

1- نظرية العلمنة:

تقترح نظرية العلمنة، الناشئة عن علم اجتماع الدين وعلم النفس الاجتماعي، أن الدين نتاج للممارسات الثقافية ونقلها. وفق هذا التصور، نشأ الدين بالأساس لخدمة الاحتياجات الاجتماعية الجديدة مع تطور الحضارة البشرية على 3 جوانب:

أ- للحاكم: كان الدين مطلوبًا لإضفاء شرعية أعلى مصدرها التفويض الإلهى.

ب- للفرد: وفر وسيلة لتهدئة المخاوف الوجودية للأفراد (المخاوف بشأن صحة وسعادة الفرد وأحبائه) عبر تعريفهم بأن هناك قوى إلهية أعلى تعتني بمصالحهم.

ج- للمجتمع: ساعد الدين في فرض الأخلاق في المجتمعات الناشئة حديثًا من خلال الإيمان بوجود آلهة تراقب باستمرار، وتعاقب المخطئين على سوء السلوك في الحياة الآخرة.

2- نظرية المنتج الثانوي المعرفي:

تقول النظرية، المنبثقة عن علم النفس التطوري وعلم الدين المعرفي، إن الإدراك الديني نشأ كنتيجة ثانوية للتكيفات الفطرية التي ظهرت لوظائف أخرى “تفسير العوامل الخارقة للطبيعة مثلًا”.

بالتالي، يجب ألا تفهم المعتقدات والممارسات الدينية على أنها وظيفية (نشأت لخدمة وظيفة). وإنما نشأت كنتيجة ثانوية للنشاط المعرفي، ونشاط مفرط في الإنسان، يسعى به إلى تفسير كل شيء من حوله. في سعيه هذا انتظمت المعارف الدينية في نسق يساعده في مهمته.

أي أن القدرة على الإدراك الديني نتيجة ثانوية للتكيفات التي ظهرت لوظائف أخرى

3- نظرية الميراث المزدوج:

تعتبر النظرية أن المعتقد الديني إرث من التأثيرات الجينية والثقافية. وفقًا لهذا الرأي، تميل النظرية إلى ترجيح نوع الميل الفطري نحو الاعتقاد الديني. لكن يجب غرس المعتقدات خلال مرحلة الطفولة المبكرة.

تفسر النظرية عالمية الدين وكذلك التنوع الكبير في المعتقدات الدينية التي تتغير عبر الثقافات.

تصوغ نظرية العلمنة تنبؤًا حول تحول المؤمنين بمعتقد ما إلى ملحدين من خلال فحص “الاتجاه ما بعد المسيحي” في أوروبا الغربية منذ النصف الأخير من القرن العشرين.

فنظرًا لأن هذه البلدان طورت شبكات أمان اجتماعي قوية، ورعاية صحية شاملة، وطبقة وسطى مستقرة، فقد انخفض الانتماء الديني بشكل كبير.

وبحسب هذا الرأي، فإن الحكومة التي ترعى مصلحة الشعب لم تعد بحاجة إلى تفويض إلهي، بل تنال تفويضا شعبيا بالأصوات الانتخابية. ولأن الناس لم يعد لديهم مخاوف وجودية، تراجعت الحاجة إلى الدين.

بدورها، تنبأت نظرية المنتج الثانوي المعرفي بأن بعض الناس يتحولون إلى الإلحاد لأن لديهم مهارات تفكير، ربما تكون محدودة لكنها تحليلية، يستخدمونها في إجراء تقييم نقدي لمعتقداتهم الدينية.

ولأن النظرية تفترض أن التدين فطري، تقول إن غير المؤمنين يكونون في حاجة إلى قمع مشاعرهم الدينية الفطرية في جميع الأوقات.

وبينما تعترف نظرية الميراث المزدوج بوجود حدس ديني فطري، فإنها تؤكد أيضًا أن هذه البديهيات تحتاج إلى تنميتها من خلال التجارب الدينية الفعلية. وبالتالي، ترجح أن الناس يلحدون عندما لا يتعرضون للمعتقدات أو الممارسات الدينية كأطفال.

حددت مسارات البحث في دراسة جيرفيه 4 شروط لاستمرار الإيمان:

– القدرة على تمثيل الإله عقليًا.

– وجود دافع ظاهري للإيمان بإله.

– تلقي إشارات ثقافية موثوقة بأن وجود الإله حقيقي.

– الحفاظ على هذا الاعتقاد الحدسي بمرور الوقت.

وتوقعت الدراسة أن إجراء تعديلات على أي من هذه المكونات الأربعة قد يؤدي إلى عدم الإيمان بالآلهة.

ولاختبار النظريات الثلاثة، جمع جيرفيه وزملاؤه بيانات أكثر من 1,400 بالغ كانوا يشكلون عينة تمثيلية من الأمريكيين.

أجاب المشاركون على أسئلة تهدف لقياس درجة معتقدهم الديني بالإضافة إلى المسارات المختلفة المقترحة للخروج عن الدين.

شملت الدراسة الشعور بالأمن الوجودي (نظرية العلمنة)، والقدرة على التفكير التحليلي (نظرية النتائج المعرفية)، والتعرض للممارسات الدينية في مرحلة الطفولة (نظرية الميراث المزدوج).

أظهرت النتائج أن واحدًا من المسارات الثلاثة المقترحة مرتبط بالإلحاد أكثر من غيره، حيث أشار جميع الملحدين تقريبًا في هذه العينة إلى أنهم نشأوا في منزل لم يكن متهمًا بالممارسات الدينية.

مهارات التحليل المنطقي، على سبيل المثال، موجودة بين الفريقين. رغم أن أولئك الذين تخلوا عن دينهم لاحقًا في الحياة أظهروا دائمًا مهارات تفكير تحليلي قوية. فإن كثيرا من المتدينين لديهم هذه القدرة أيضًا. بعبارة أخرى، لمجرد أنك جيد في التفكير المنطقي، فهذا لا يعني بالضرورة أنك ستتخلى عن معتقداتك الدينية.

ولم يجد الباحثون أي دعم لنظرية العلمنة رغم الميراث الطول من اعتبار الاتجاه ما بعد المسيحي في أوروبا الغربية نموذجًا لكيفية تحول المجتمعات بأكملها إلى الإلحاد. لكن بيانات الدراسة تشير إلى أن عملية العلمنة قد تكون أكثر تعقيدًا مما كان يعتقد في الأصل.

تعليقات