رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

فاضل متولي يكتب: رواية اعترافات جثة.. «شكرا للكاتب».. ملاحظات (7)

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 10 مايو 2021, 12:00 مساءً
  • 1278
الأديب فاضل متولي

الأديب فاضل متولي

جاء في التقرير الذي قرأه طارق على محمود أن التشريح المبدئي يثبت أن الجثة قتلت في نفس وقت العرض، وأنها دفنت تحت الأرض ومعها الكفن! ومعنى أنها دفنت تحت الأرض في شقة الجريمة شيئان: أولهما أن الشقة ظلت تحت تصرف عامر أو أحد أفراد عصابته، والثاني أنها كانت في الطابق السفلي؛ فلا يمكن الحفر والدفن إلا في الطابق السفلي.

فأما النتيجة الأولى: فإذا كانت الشقة ظلت تحت تصرف عامر فأين عبد التواب البواب وامرأته؟ لم لم يبلغا أن عامرا لا يزال في البيت؟ وإذا كانت تحت تصرف أحد أفراد عصابته فلم لم يبلغنا الكاتب؟ لا بد أن نفهم أن الجثة سرقت من القبر بعد دفنها لتدفن في الشقة؛ فقبل دفنها كانت في يد الشرطة والطب الشرعي، وإذا كانت دفنت أولا في مقابر آل المندراوي فليس صعبا أن يسرقها عامر. لكن المشكلة أن يمارس عامر أو عصابته أي نشاط إجرامي في نفس المكان السابق ويعرضوا أنفسهم للضياع.

وأما النتيجة الثانية: فقد أخبرنا الكاتب في أول الجزء الأول أن عفاف لما رأت أن المسافة بعيدة لا تستطيع بسبب بعدها أن تقفز رجعت لتبحث عن مخرج آخر، وأخبرنا أن حازما تمكن من القفز بسبب طول قامته. وأساعد الكاتب بإضافة سببين آخرين: شبابه وكونه في الشرطة. فإذا كان المكان بعيدا، فهذا دليل على أن الشقة ليست في الطابق السفلي، وإذا كان ممكنا الدفن في الشقة فهذا دليل على أنها في الطابق السفلي، وإذا كانت في الطابق السفلي فكان يمكن عفاف أن تقفز. وقد أخبرتنا امرأة البواب عن الساكنين الذين يسكنان في الطابق السفلي، فتحت أية أرض دفن عامر الجثة؟

في تتبعي لهذه القصة تجاوزت عن أمور كثيرة لم أعلق عليها تاركا ذلك لكم لتقرأوا القصة مرة أخرى وتستخرجوها، من هذه الأشياء السؤال عن صفية؛ فقد ظننت أنه لن يستفيض في الكلام عنها، ولكن الكاتب يلح علي أن أتعرض لها: ما قصة لقاء صفية بالرائد محمود؟ أخبرته أنها تريد جثة ابنها البكر –وأظنه زكريا- وها هو محمود يقول إنها أخته! إذن عندنا لغز: هو ابنها وهي أخته!

قال الرائد محمود إن عامرا هو الذي ظهر في البث الأول وفي البث الثاني. والسؤال: هل الذي ظهر مطعونا بالسكاكين هو عامر؟

أصر الكاتب على أن عامرا لم يكن يقيم في الطابق السفلي؛ فهو يخبرنا هنا أنه وضع سلما لينزل من الشرفة، وفي نفس الحوار كان زكريا مدفونا بالشقة!

في الفصل السادس: عرفنا أن جد زياد اسمه الحاج مكي. وعندما عرف الضابط محمودا باسمه في أول لقاء قال: زياد جبر أحمد. عثر الرائد محمود في شقة الموسكي على جثة منتفخة تفوح منها رائحة كريهة، أي أنه مر عليها فترة، في نفس الوقت الذي كان في يد الجثة هاتف يستقبل المكالمات، ومعنى ذلك أنه وضع في هذه اليد قريبا، ولكننا نفاجأ بعجيبتين –وقد تعودنا في هذه الرواية العجائب-: أولاهما أن الشرطة لم تبحث في هذه المفارقة، ثانيهما أن الشرطة لم تنظر على الهاتف لعل أحدا اتصل به، ولعل هذا الاتصال يكون كاشفا جديدا للغز هذه القضية!

في اعتراف زياد: كيف اعترف وترك اعترافه ولم يزل حيا كما سنتبين بعد قليل؟ لماذا لم يذكر شيئا عن الصفحة التي هو مديرها والتي أنشأها على أحد مواقع التواصل؟ إذا كان فعل ما فعل مع قمر وفعل ما فعل بعمه فهذا لسبب، ولا أقصد أنه عذر. فما دافعه لما فعل بعد ذلك؟

مكتوب في ملف زياد أن عامرا كان على اتصال بقمر، ورغم ذلك لم تستجوب الشرطة قمر بهذا الخصوص رغم أن طارقا، أقصد المقدم طارقا طلب من محمود أن يتركه على انفراد ليعيد قراءة الملف. ورغم تبرير طارق بأنه لا يثبت نسبة ما فيه إلى زياد، فإن المفروض أن يترك باب احتمال مفتوحا، ثم أن محمودا كان يعرف قصة حضور زياد لأول مرة، والشجار الذي دار بينهما، وما أسر به إليه، وقد قرأ الملف، ولكن ربما فقد الذاكرة مؤقتا كما حدث للمتهمات الثلاث!

وكذلك قالت ديجا في اعترافها أن عبير كانت على اتصال بعامر، ولكن أيضا لم يلتفت أحد إلى ذلك!

في الملف الذي كتبته ديجا عن عبير: قالت إن ما بينهما كان يتجاوز حدود الأخوة والصداقة بأميال، ولم تذكر موقفا واحدا يدل على ذلك، بل كل ما ذكرته يبين العكس!

وأخبرت عن حديث عبير عن يحيى أنه ليس من أسرة عالية الثراء رغم أنه جاء في أكثر من موضع من الرواية أنه ابن أكبر طبيب تجميل في مصر!

جئنا إلى فصل الفضائح:

واضح أن المتهمين الستة لم يحملوا في وقت واحد إلى مكان الجريمة، بل كانوا يحملون إليه تباعا. وواضح أن كل واحد يحمل إلى هذا المكان كان يخدر قبل حمله، ومعنى ذلك أن أوقات تخديرهم مختلفة، فكيف أفاقوا جميعا في وقت واحد؟

كيف كان عامر يعمل في دهان الشقق وقد ورث كل هذا المال عن عمه؟

لماذا أراد عامر أن يكون شبه زكريا والمذكور في الرواية أن زكريا هو الذي سيظهر في البث المباشر؟ كان المنطقي هو العكس!

لماذا اهتم طارق بالكلام الذي في ملف ديجا وفكر في أن يستدعي وليدا للتحقيق معه بينما استهان بملف زياد ولم يفكر في التحقيق مع قمر رغم أن ملف زياد فيه مواضع يمكن إثباتها؟

لماذا اجتهد محمود في إقناع طارق بالسعي وراء إثبات أو نفي ما في هذا الملف ولم يفعل ذلك بعد قراءة ملف زياد؟

ستلاحظ أن الضابطين فقط هما الذان يذهبان إلى مواضع الجثث إما معا وإما كل منهما على حدة ويستدعي الآخر وإما بصحبة فريق من الشرطة، في نفس الوقت الذي توقفا فيه تقريبا عن البحث عن عامر الذي هو موضوع القضية الأساسي، فلا هما انشغلا بالبحث عنه وتكليف غيرهما بالذهاب إلى مواضع الجثث ولا هما جريا وراء الجثث وكلفا غيرهما بالبحث عن عامر!

قال الدكتور عبد العظيم إنه أراد هو وأخته عندما كانا طفلين أن يريا ملك الموت! فهل هذه فكرة تناسب الأطفال؟

كل الذين قتلوا خنقا في الرواية لم يعرضوا على طبيب قبل الحصول على تصريح الدفن. لم يفحص طبيا أي قتيل إلا في المرة التي تخدم رغبات عامر!

في حكاية عبد العظيم رجعنا إلى الصداع الذي يستخدمه الرومنسيون بأن المجرم نتيجة ملابسات نفسية واجتماعية كيت وكيت: فها هو عبد العظيم يبرر قتله لأبيه بأنه لم يعطف عليه ولم يضمه إلى صدره، وهكذا.

مصادفة كان زياد وعبد العظيم وعامر يعرفون الطبيب المسمى بالملاك، وعندما ذهب زياد إلى الملاك قابله عامر، وعندما ذهب عبد العظيم إلى الملاك قابله عامر، وعندما ذهبت ديجا إلى الملهى قابلها عامر!

انظر كيف لفق الكاتب خطة لخطف الرائد محمود: تجول حتى منتصف الليل، لم يجد صديقه المقرب لأول مرة، ذهب إلى الدكتور شريف الذي لا يعجبه رأيه في دافع الجريمة، تشاجر مع رئيسه المقدم طارق حتى ينشغل عن خطفه.

انظر كيف لفق ليكون الكلب هو المدافع الوحيد: لأول مرة يداعبه، يخرج محمود من بيت الدكتور شريف في نفس الوقت الذي يقع فيه طارق ويكون الكلب خارج البيت! وعلى أية حال هذه هي المهمة الوحيدة التي أنجزها الدكتور شريف في مصر: أن كلبه عض من يحاول خطف محمود.

في الفصل الأخير من الجزء الأول يقول عامر ليحيى إنه اختار بيتا قريبا من القسم. وفي الفصل الأخير من الجزء الثاني يقول الدكتور شريف إن الاختيار وقع على الضابط لا المسكن!

خرج طارق يزعم أن الرائد هو من قتل عامرا، والذي كان ينتظره الكاتب أن يفاجئ القارئ حتى ينجذب إلى هذا المنعطف الجديد. ولكن الكاتب أفسد علينا هذا التصور والتفاعل بمشهدين سابقين: أولهما محاولة محمود الانتحار وتعليله ذلك لابنته بأنه فشل في الوصول إلى عامر. والثاني انفعاله على طارق لأنه طوى ملف القضية وأحال المتهمات إلى النيابة دون إخباره وحضوره، ولو كان هو القاتل لسره ذلك حيث ابتعدت عنه الشبهة!

أخبرنا الكاتب أن طارقا كان يجلس مع الدكتور شريف يوميا لدراسة القضية. ولكنه لم يتحفنا بشيء من ثمرات هذه الدراسة! وهل أدت هذه الدراسة إلى الوصول إلى شيء؟

يبدو أن الكاتب معجب بمشهد اتهام الضباط بعضهم بعضا!

أخبر المقدم تابعه الرائد أنهما متجهان إلى المديرية، أخبره بذلك خارج قسم الشرطة حيث كانت القدرة عليه مجرد احتمال، ورغم ذلك لا هو استحضر معه قوة تساعده على اقتياد محمود إلى المديرية، ولا انتظر حتى يستطيع التحكم فيه أكثر بوجوده في المديرية! أتدري لماذا؟ حتى يتمكن زياد من خطفه!

عندما سأل محمود المقدم عن الحقائق التي تثبت كلامه عرض الثاني عليه صورا سرقت من بيته، وكلاما مكتوبا بقلم من نوع قلمه وبحبر من نوع حبره، فأين الحقيقة؟ وعندما جئنا إلى أهم نقطة (وهي الخط) وجدنا الخط مختلفا، فأين الحقيقة؟ وعندئذ وضع المقدم طارق الاحتمالات بأن الرائد ربما يكون كتب باليسرى. فهذا احتمال فأين الحقيقة؟ والغريب أنه علق بقوله: هي دي الحقايق يا محمود!

انظر كيف دبر لانشغال الدكتور شريف بطارق حتى يوفر الوقت لزياد!

أنا الأدمن الحقيقي يا محمود والبث كان فكرتي. هذا كلام زياد. فارجع إلى المشهد الأول من الجزء الأول وقارن بينه وبين هذا الكلام.

يخبر زياد أن العصابة أمرت بأن تتصل بعبير وقمر ونادية ويهددوهن بفضحهن إذا لم يحضرن ويقابلنهم. والسؤال: ما الذي كان يصيب الدكتورة نادية المقيمة في أمريكا إذا قال عنها عبد العظيم شيئا. الكلام يحتاج إلى تشريح الجثث التي قتلتها، وكما تفضل الكاتب إن الأجهزة اللازمة لذلك لا توجد، والملف المكتوب على الحاسوب ملف ضعيف لا يعتمد عليه ويمكن جحوده بسهولة، وهي نفسها ليست في متناول أيدي الشرطة، ولو استطاعوا إثبات أن هؤلاء ماتوا مختنقين، فكيف سيتبين أن نادية هي القاتلة؟ هل البصما لا تزال على أعناقهم أم على الوسائد؟

انظر كيف وصل الضابط إلى الحقيقة، انظر إلى سخرية الكاتب من الشرطة: عرف الحقيقة من المجرم وليس نتيجة بحثه، عرف الحقيقة وهو في يد المجرمين لا والمجرمون في يده، عرف الحقيقة في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن يفعل أي شيء!

من المضحكات في هذه الرواية: هذا الطبيب المدعو الملاك يخدم الرائد محمودا خاصة: يحذره زيادا بأكثر من طريقة كلها لغز، فلماذا إذا لم يحذره تحذيرا مباشرا؟

يصف الطبيب الرائد بالغباء، والحقيقة تبينت وعرفنا من الغبي الحقيقي؟ ليست الشرطة بالتأكيد.

كيف ضمن الملاك أن يترك الضابط بعد كل هذا، أو من غير هذا؟ ألم يكن من الأسلم له أن يقتله؟

يحرص المدعو الملاك على توصيل محمود إلى ما يثبت براءته! ما شاء الله!

وجدوا حاسوب زياد في شقته، وها هو مرة أخرى في حقيبته، سبحان الله!

يدعي هذا الطبيب أن عامرا لم يقتل بيده، لو توقف الكلام ههنا لقلنا لم يعرف شيئا عن سم عامر لأمه، ومحاولة حرق إلهام، وحرق يحيى، ولكنه قال إن عامرا كان يخاف أن يقتل.

سوسن وقدري هما الآخران شريكان في الجريمة، متستران على مجرم، حتى ترتاب في كل نتائج الفحص والبحث.

كنت أسأل نفسي: من أين كان عامر يعطي عصابته أجرتهم رغم حالته المادية المتدهورة؟ فأقنعت نفسي أنه ورث ثروة ضخمة عن عمه ولعله يعطيهم منها. لكن هذا الطبيب شريكه في الجرائم أخبرنا أن ما أنفقه من هذه التركة إنما ضيعه على يحيى. وهنا يعود السؤال: من أين كان ينفق على عصابته؟ أم أنهم كانوا يفعلون هذا تطوعا؟

بمشرط طبي قتل قدري سوسن والطبيب فسقطا دون مقاومة، دون صراخ، دون ركلة واحدة، دون لكمة واحدة، دون خمشة واحدة!

انتهت الرواية على أن القضية المهمة فيها قضية براءة محمود، انتهت دون مواصلة البحث عن أسرار الجريمة، انتهت ومن العصابة أفراد لا يزالون مجهولين عند الشرطة وإن لم يكونوا مجهولين عند القارئ، انتهت ونحن لا نعرف أجوبة عن أسئلة كثيرة كثيرة يتركها الكاتب مفتوحة ثم يزعم أن قارئه غبي ويزعم أن الشرطة غبية.

انتصر عامر حتى بعد موته، انتصرت الجريمة على المجتمع، ولكن هل تظن أن الأحداث مضت بتلقائية وإقناع أم بتكلف وتلفيق الكاتب؟

الشرطة في نظر الكاتب أغبياء عاجزون يحتاجون إلى الجماهير ولا تحتاج إليهم الجماهير، ضعفاء في أيدي المجرمين، بل من الشرطة مجرمون أيضا، يتهم بعضهم بعضا، تضيع كل جهودهم هباء. ولا يغيب عليك أن أمة هذه شرطتها يسهل فيها على كل أصحاب النفوس الضعيفة أن يطلقوا العنان لغرائزهم المكبوتة وأهوائهم المحرمة، ما دامت الشرطة لن تصل إليهم حتى ولو اعترفوا بأنفسهم لها.

شكرا للكاتب، شكرا على أنه كتب رواية إما وهو لا يدري كيف تكتب أو يدري ويريد أن يستخف بعقول قرائه.

صدقني إنني لم أخبرك بكل ما لاحظت عن هذه الرواية، وستصدق ذلك إذا حاولت أن تقرأها فستكتشف فيها هنات لم أخبرك بها، فإذا لم تصل فتواصل معي أخبرك بالمزيد، وهذا وعد.

لماذا لم أتحدث بالتفصيل عن لغة الرواية؟ لأن الكلام عن العيوب اللغوية يحتاج إلى ثلاثة أضعاف هذا الذي قلته عن الرواية  كلها، وأعدك في هذا الصدد بما وعدتك به منذ قليل.

******************* نهاية المقال***********************

تعليقات