باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
نعيش على هذه الأرض بأحلامنا
وآمالنا؛ الكبيرة والصغيرة، الشريفة والوضيعة، ونظل نحلم ونأمل ونخطط ونرسم ونتوقع
المستقبل. وتُغرقنا الحياة في أمواج مشاكلها ومتاعبها أو مباهجها ولذائذها، أو غُصَصها
وأتراحها، أو أفراحها ومُتعِها.
وفي زحمة اهتمام الإنسان بشؤونه
الخاصة أو العائلية أو الشأن العام للمجتمع، وبين ضجيج المعارك مع النفس أو
الآخرين ، وفي أثناء طِيب الليالي بقضاء اللّذّات، ونعيم الأيام بتحقيق الآمال
والأهداف والغايات، أو في أثناء تَنغُّص الحياة بمشاكل المعاش، ومعاناة النفس مع
الآم الإخفاق والحرمان= قد يهجم علينا الزائر غير المرغوب فيه، الذي يصفع وجه
الدنيا؛ فيحيل صحوَها الذي كنا نعيشه إلى منامٍ، وصدقَها إلى كذبٍ، ومعاركها إلى أوهامٍ،
ونجاحاتها إلى سرابٍ، وآلامها ومصائبها، ولذّاتها ومُتَعها، وكل ما فيها إلى أضغاثِ
أحلامٍ.
في عالم اليوم، تُبرهنا الاختراعات العلمية والثورة المتفجرة في دنيا التكنولوجيا
والاتصالات، التي قرّبت البعيد، وذلّلت الصعبَ، ووفّرت الوقتَ، ومنحت الراحةَ،
ونادتْ بأعلى صوتها: قد أمسكَ الإنسانُ بزمام الكون، وأخذَ بناصية الأرض؛ فيزيدُ
ذلك الإنسان َغروراً بمنجزاته، وحُباً في دنياه، وانسياقاً وراء آماله وأمانيه
الشخصية التي يعمل على تحقيقها، ولكن في خضم هذه الغفلة يهجم وحشُ الموت على
الواحد منّا بغتةً، وهو في قمة إقباله على
شهواته، أو احتفائِه بتحقيق أُمنياته، أو في معاناته لهمومه التي كان يُعدها مأساةً
لا مثيل لها...فماذا يحدث؟!
إننا نخرج من كل ما سبق إلى عالمٍ
آخر، وتنقطع صلتنا في لحظةٍ واحدةٍ بما كنّا فيه من لذّاتٍ وآلامٍ وأمنياتٍ
وإحباطاتٍ، وكأن شيئاً من كل ذلك لم يكن؛ لقد انقضت الدنيا وغادرنا الحياة الصاخبة
بالأماني والآلام، بالاهتمامات الشريفة أو الوضيعة، لقد صار ذلك كله في غمضة عينٍ
حديثاً من الماضي، مرَّ تماما كما تمرُّ أحلامُ النوم في سرعتها وانعدام أثرها بعد
اليقظة من النوم.
وإذا كان تمتعُنا أو ألمُنا أثناء
أحلام النوم ينقطع باستيقاظنا وغسل وجوهنا= فكذلك الحال عند الموت؛ تذهب معه كل
لذةٍ ومتعةٍ دنيويةٍ، وكل معاناةٍ وحسرةٍ حياتيةٍ، ويستقبل الإنسانُ عالماً جديداً
لا قيمة فيه ولا معنى لتلك الاعتبارات الدنيوية من متعة ولذة أو ألم وحسرة، بل
هناك حياة جديدة بملذات جديدة وآلام جديدةٍ وكذلك بحسابات ومعايير جديدة للنجاح
والفشل والسعادة والشقاء والشرف والوضاعة.
يرتفع بعد الموت وينال أعظم الرتب
والتشريفات والمقامات والمنازل= أولئك الذين أطاعوا الله واستقاموا على دينه
وحققوا مراد الله تعالى بالقيام بالوظيفة التي خلقهم لأجلها وهي عبادته وتوحيده.
يرتفع هؤلاء ويشرق مستقبلهم الأخروي
الأبدي مهما كان واقعهم الدنيوي تعيساً أو مؤلماً أو وضيعاً، فإن ذلك الواقع
الدنيوي بمراراته والآمه ومعاناته= قد صار ماضياً بالنسبة لهم، لن يعود ولا حتى
ذكرياته.
وينخفض بعد الموت ويعاين العذاب
والحسرات والخيبات= أولئك الذين عصوا الله وحادوا عن طريقه وتنكروا للغاية التي
خلقهم لأجلها، وغرتهم الحياة الدنيا ونسوا الموت وما بعده.
ينخفض هؤلاء وينهار مستقبلهم الأبدي
الأخروي مهما كان واقعهم الدنيوي سعيداً أو منعَّماً أو شريفاً؛ فإن ذلك الواقع
الدنيوي بلذاته ومناصبه وتشريفاته ورياساته= قد صار ماضياً بالنسبة لهم، لا قيمة
له ولا معنى لما كان فيه، قد صارت شهواته ونجاحاته مجرد ذكريات تجلب الحسرات.
إن الفريقين الآن يعاينون سنوات
العمر الذي عاشوه في الدنيا فيظهر لهم وكأنه يوم واحد، بل وكأنه جزء من يوم، لا
شهور وأعوام، ولم يعد لكل ما كان فيه من نعيم ونجاح أو عذاب وفشل أي قيمة وتأثير،
فالقيمة والنعيم والنجاح والعذاب والفشل= هو في ذلك العالَم، عالم ما بعد الموت،
هنالك مستقبل الجميع، إما مستقبل مشرق للمؤمنين والطائعين وإما مستقبل مظلم
للكافرين والعاصين.
والعاقل حقاً والحازم صدقاً= هو من
عمل لمستقبله الحقيقي الذي يبدأ بعد الموت، ولم يشغله مستقبله الدنيوي القصير جداً
جداً عن العمل لذلك المستقبل الأبدي، حيث سعادة الأبد أو شقاء الأبد!
وكتبه:
د/ علي حسن الروبي