أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
التسامح
أكد ملتقى الفكر
الإسلامي أن الإسلام جاء ليقيم أركان المجتمع على مكارم الأخلاق والتسامح لما له
من قيمة عظيمة تملأ حياة الإنسان بالمحبة والسعادة، وهو مبدأ إسلامي أصيل ودعوة
إلهيَة تحتاجها المجتمعات الإنسانية.
جاء ذلك في الحلقة
الخامسة عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،
وجاءت بعنوان: “التسامح”، حاضر فيها الواعظة وفاء عبد السلام، والواعظة ميرفت عزت
من واعظات وزارة الأوقاف، وفي إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية
والهيئة الوطنية للإعلام، لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف،
وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
وفي بداية
كلمتها أكدت الواعظة وفاء عبد السلام أن الإسلام جاء ليقيم أركان المجتمع على
مكارم الأخلاق والصفات النبيلة التي منها الصفح ، والعفو عن الإساءة والأذى ،
والحلم وترك الغضب، فالإنسان مطالب بأن يكون واسع الصدر يسارع إلى الحلم قبل أن
يسارع إلى الانتقام، وأن يستبدل الإساءة إحسانًا ومكان الغضب عفوا وحلما، وأن
يتذكر قول الله تعالى : “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيم”، مشيرةً إلى أن رمضان يعمل على دعم الإيمان وتقوية مكارم الأخلاق
في نفوسنا ، ومن هذه الأخلاق خلق التسامح والغفران الذي يعمل على تطهير القلب من
المشاعر السلبية من بغضاء وأحقاد لتحل محلها المشاعر الإيجابية من محبة ورحمة
وأمان، وهذا لمن شأنه أن يسهم في تحقيق الراحة النفسية والصحة الجيدة ؛ لذلك حثنا
المولى (عز وجل) ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) على استثمار شهر رمضان بالتسامح
والعفو والصفح ، فالتسامح من أجمل أخلاق هذا الشهر ومن أسمى الصفات التي أمرنا بها
رب العزة سبحانه وتعالى ، حيث يقول: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ”، موضحة أن التسامح يُشجع الفرد على أن يتصف بأخلاقٍ أخرى مرتبطة
بهذا الخلق الرفيع، فمنظومة الأخلاق الحميدة ترتبط كلها معا بخيطٍ رفيع وشديد، فمن
يكن متسامحا يتصف بالتواضع والصدق وطيبة القلب، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة بل
ويجعل منه قدوةً حسنةً للآخرين .
كما بينت أن
التسامح فطري أودعه الله تعالى في عباده بنسب وأقدار متفاوتة ، ومكتسب يكتسبه
الإنسان من البيئة أفضلها التعاليم السماوية التي تحث الإنسان على العفو والتسامح
، مشيرة إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ضرب أروع الأمثلة في التسامح والرحمة،
والحلم والرأفة، حيث لَقي من أذى الناس، ومشاقِّ الدعوة، والصبر على الجهاد في
سبيل الله، واحتمال الآلام والمتاعب لإسعاد العالم ما يجبُ أن يكون نبراسًا لكل
مؤمن، وهدايةً لكلِّ من يتشرف بالانتساب إلى هذا الدين الحنيف ، قال تعالى :”خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” ، وقال تعالى : ”
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”.
وفي ختام حديثها
أكدت أن التسامح قيمة إنسانية جميلة تجعل حياة الإنسان مليئة بالمحبة والسعادة،
وتطهر القلب والروح وتبعد عنهما الكراهية والحقد والحسد ، لذا أمرنا رب العزة
سبحانه وتعالى بالمسارعة إلى مغفرته (عز وجل) عن طريق العفو عن الناس فقال تعالى :
“وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”. فالتسامح بين أفراد المجتمع مفتاح يمكن من خلاله لكلّ
فردٍ أن يستغل طاقاته ومواهبه بشكلٍ فاعل لرفع المستوى المعيشي الخاص به، فيكون
المواطن مخلصا لوطنه، قادرًا على التضحية من أجله ، فلا يمكنُ للسلام أن يتحقق إلا
عندما نتخلص من ثوب الكراهية، ونبدأ بالسعي لفهم بعضنا البعض، بعيدا عن التمييز أو
العنف، فالتسامح يكسر كل الحواجز ، ويُعطي المجتمعْ قدرةً على التفكير بنطاقٍ أوسع .
وفي بداية
كلمتها أكدت الواعظة ميرفت عزت أن ديننا الإسلامي أوصى بالتَّسَامح ورغَّب فيه،
ودعا إليه، وبيَّن معانِيه وأرشَد إلى هديِه في جميع مجالات الدّين والدُّنيا، فلم
يقتصر في دعوتِه وترغيبِه على أمور الدين المرتبطة بالعبادات أو العقائد أو
المعاملات، بل جعل الدعوة عامَّة، شاملة للعلاقات الاجتماعية ولأحوال الناسِ
كلّها، في علاقة القرابة والجِوار والصداقة والمعاشرة عموما حتَّى مع غير
المسلمين، تأسِيسا منه لمنهج سليم وواضح يقوم على فكرة التعايش السِّلمي بين
الناس، مشيرة إلى أن التَّسَامح دعوة إلهيَة تحتاجها المجتمعات الإنسانية ، دعوة
رسَخت في الدِّيانات السابقة، وظهرت بشكل روحي ضمن الأحكام التشريعية المؤسسة
للبِنَات الشريعة الإسلامية، لأنهَّا شريعة تقوم على رعاية مقاصد وروح الأحكام
التي تنبثق من أسس أخلاقية، فلا دينَ بدون أخلاق، ولا أخلاقَ بدون دين .
كما أوضحت أن
(النبي صلى الله عليه وسلم) بيَّن فكرة التَّسَامح، وأهميَّته وضرورته المجتمعية
وغاياته الروحية للإنسان، في الحديث الذي رواه عبادة بن الصَّامت (رضي الله تعالى
عنه) أنّ “رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فقال: يا نبيَّ الله، أيُّ العمل
أفضل؟ قال: “ الإيمان بالله، وتصديق به، وجهاد في سبيله، قال: أريد أهون من ذلك يا
رسول الله، قال: السَّماحة والصبر …”، وفي حديث آخر ، قرن (صلى الله عليه وسلم)
التَّسَامح بالإيمان تعبيرا عن أهمِّيته للمؤمن، وحاجته له، وذلك حين جَاء رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ) فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
الْإِسْلَام؟ قَالَ: إِطْعَام الطَّعَام، وَلِينُ الكَلام، قَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ مَا الْإِيمَان؟ قَالَ: السَّمَاحَة وَالصَّبْر” .
كما بينت أن روح السَّماحة تتجلَّى في حُسن المعاشرة، ولطفها، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية والبرّ والرحمة والإحسان، وهي من الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية، إذ يقوم الدين على التَّسَامح في أساسِه وجوهرِه، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يتحدث عن مقاصد البعثَة المحمدية: “بُعثت بالحنيفية السَّمحة”، أي الملَّة السهلة، المبنية على المساهلة، مؤكدة أن التَّسَامح قيمة اجتماعية وإنسانية كبيرة، تتمثَّل في الحرية بجميع أسُسها ومقوِّماتها: حرية الاعتقاد، وحرية الفكر والنظر، والمساواة من غير تمييز عنصري أو طائفي أو قبلي، وحرية التعايش الإنساني بالوطن الواحد، أو بالمجتمع الدولي مع اختلاف الثقافات والأعراف والتقاليد والعادات، وهو يعني أوَّلا احترام النَّفس، ثمَّ الاعتراف بالآخر واحترام حقوقه، وإنسانيته، وبناء أسس التوافق، بقصد الوصول إلى التقدم والرقي الذي تنشده البشرية ، بعيدا عن النزاعات والخلافات والحروب التي تهدم ولا تبني، وإن واقع اليوم بما يعكِسه من صراعات قبلية، طائفية، عرقية ودينية، يفرض على أمّة الإسلام على وجه الخصوص الرجوع إلى هذا الخُلق الإسلامي، واقتباس الهدي الشرعي الذي جاءت به النصوص القرآنية والحديثية، مختتمة حديثها أن الخطاب الإلهي الكريم حرِص على تأسيس لبنات التَّسَامح الاجتماعي من خلال القدوة وهو النبّي (صلى الله عليه وسلم)، حيث خاطبه ربه سبحانه وتعالى طالبا منه مقابلة إساءة المشركين بالإحسان إليهم في موطن المتمكِّن منهم ، قال تعالى : “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ “، فالعفو يتضمَّن معنى عظيما في تجاوز الذنب، والتَّسَامح مبدأ إسلامي أصيل ، ما أحوجنا إلى التحلي به في جميع أحوالنا.