باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
عبد الفتاح العواري
ابتليت الأمة بشرذمة
في القديم والحديث ؛ حيث فهمت الإسلام فهمًا خاطئًا ، وحمَّلت آيات القرآن الكريم
ما لا تحتمل ؛ حيث تعسَّفت في تأويلها تأويلًا فاسدًا لا يدل عليه السياق القرآني
، ولا يستند إلى قاعدة شرعية صحيحة ، ولا يعتمد على قانون لغةٍ سديد ؛ فتقولت على
الله تعالى زورًا وبهتانًا ، وحكمت على مراد الله من كلامه حكمًا أبعد ما يكون عن
الصواب ظانين بهذا الفهم السقيم وهذا التمحل أنهم يملكون ناصية الدين ، وأنهم
حُماته والأوصياء على الشرع ، ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه
الصحيح الذي بيَّن فيه أنهم : أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يحقرون صلاتكم مع
صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ، يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم ، مفتونةٌ قلوبهم
وقلوب من يعجبهم شأنهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وهؤلاء هم
الخوارج في القديم ، ولقد نبتت نابتة سوء في العصر الحديث وهم خوارج هذا العصر ،
سلكوا مسلك القدماء ورفعوا راية الإسلام زورًا وبهتانًا وعاثوا في الأرض فسادًا ،
ووصفوا المجتمعات بالجاهلية ، وحكموا على شعوبها وحكامها بالكفر ؛ فشوهوا صورة
الإسلام السمحة واستغلهم أعداء الأوطان فجندوهم لتخريب الأوطان ، فقاموا بتكفير
المجتمع واستحلال أمواله وأعراضه واستباحة دماء من فيه ولم تسلم منهم المجتمعات
العربية والإسلامية فضلًا عن الإنسانية ؛ حيث اكتوى جميع العالم بنيران تطرفهم
وغلوهم وتشددهم .
والذي يقرأ أدبياتهم
أو يستمع إلى خطبهم ودروسهم أو يطلع على مقالاتهم التي ينشرونها في سائر مواقع
التواصل الاجتماعي قاصدين من وراء ذلك تجنيد الشباب والشابات باسم الدين ، والدين
من أفعالهم براء .
والمتأمل في كل ما ورد
عنهم لو عُرِضَ على ضوابط التأويل الصحيح وقواعد الشرع ومقاصده وقوانين اللغة
وأساليبها لوجد كلامهم ساقطًا عن درجة الاعتبار بالكلية ، لكنه قد ينطلي على صغار
السن وأنصاف المثقفين لكونهم يستغلون عند هؤلاء وهؤلاء العاطفة الدينية .
ألا ترى معي أنهم
يزعمون أن جميع آيات الموادعة والصفح والعفو والأمن والسلام منسوخةٌ بآية السيف ،
وهذا زعمٌ باطل ودعوة لا برهان عليها ، بل الذي أجمع عليه العلماء سلفًا وخلفًا من
لدن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا أن آيات العفو والصفح
والسلام محكمة لا نسخ فيها ، وأن السلام هو القاعدة الكلية ، وأما الحرب فهو
استثناء شرعه الله لعباده من أجل دفع عدوان المعتدي وحماية الأوطان والمواطنين
وتأمين طريق الدعوة إلى الله ؛ كي يكون الداعي والمدعو في أمن وسلام .
وحق الدفاع عن النفس
والأوطان أقرته جميع القوانين الدولية ، فهؤلاء تراهم لجهلهم لا يفرقون بين آيات
القتال وآيات الجهاد مثلا ، بل يخلطون المفاهيم ، إنما التأويل الصحيح أن آيات
الجهاد أعم من آيات القتال ؛ لأن الجهاد يكون بالقول ويكون بالحجة والبرهان لا
بالسلاح ، كما يفهم هؤلاء الطغام ، فقول الله تعالى : ﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ
جاهِدِ الكُفّارَ وَالمُنافِقينَ وَاغلُظ عَلَيهِم وَمَأواهُم جَهَنَّمُ وَبِئسَ
المَصيرُ ﴾ [التوبة: ٧٣] ، إنما هو أمر بمجاهدة من كفر برسالته من مشركي مكة
والمنافين الذين أظهروا الإيمان به وأبطنوا الكفر في قلوبهم من منافقي المدينة ،
ولم ينقل التاريخ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حارب أو قاتل منافقا قط ، وفي
هذا دلالة على أن المراد بالجهاد في الآية هو المجاهدة بالحجة والبرهان لا بالسيف
والسلاح .
أما آيات القتال التي
يحملونها على إطلاقها دون مراعاة للقيود التي اعتبرها الشرع فقد ركبوا متن الشطط
وأخروجها من سياقها وجعلوها مطلقة في قتال كل من خالف فكرهم ، ولو تدبروا حق
التدبر لوجدوا أن الأمر بالقتال في آيات القتال إنما هو تشريعٌ لمن أراد أن
يقاتلنا أو يعاون من يقاتلنا أو يريد أن يخرجنا من ديارنا أو يظاهر على إخراجنا ،
ونقرأ في ذلك قوله تعالى : ﴿ وَقاتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم وَلا
تَعتَدوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ ﴾ [البقرة: ١٩٠] . تأمل كم قيدًا
في الآية التي شرع الله لنا فيها الأمر بمقاتلة من قاتلنا !
واقرأ قوله تعالى : ﴿
فَمَنِ اعتَدى عَلَيكُم فَاعتَدوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدى عَلَيكُم وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقينَ ﴾ [البقرة: ١٩٤] ، وهكذا سائر
الآيات في تشريع القتال إنما أتت من أجل الدفاع عن النفس وحماية الوطن وحفظ الدين
، فالإطلاق هنا مقيد بمثل قوله تعالى : ﴿ لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم
يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أَن تَبَرّوهُم
وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ ﴾ [الممتحنة: ٨] ، وبمثل
قوله تعالى في حق مشركي مكة : ﴿ إِلَّا الَّذينَ عاهَدتُم عِندَ المَسجِدِ
الحَرامِ فَمَا استَقاموا لَكُم فَاستَقيموا لَهُم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقينَ
﴾[التوبة: ٧] ، وبمثل قوله تعالى : ﴿ وَإِمّا تَخافَنَّ مِن قَومٍ خِيانَةً
فَانبِذ إِلَيهِم عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ ﴾ [الأنفال:
٥٨] ، وبمثل قوله : ﴿ وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى
اللَّهِ ﴾ [الأنفال: ٦١] ، وبمثل قوله : ﴿ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا ادخُلوا
فِي السِّلمِ كافَّةً ﴾ [البقرة: ٢٠٨] ، وليس هناك آية في القرآن تدعو المسلمين
إلى قتال أو قتل الإنسان لمجرد مخالفته لهم في العقيدة ؛ لأن الإسلام يؤمن بأن سنة
الله في الخلق إنما هي التنوع والتعدد في العرق والجنس واللون والعقيدة ، كما قال
سبحانه : ﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعًا
أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ ﴾ [يونس: ٩٩] ، وقوله سبحانه :
﴿ وَلَو شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالونَ
مُختَلِفينَ إِلّا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُم ﴾ [هود: ١١٨ - ١١٩] ،
وما كانت علة القتال في الشرع هي كفر الكافر ؛ لأن الكافر الأصلي معصوم الدم لا
يجوز قتله ، إنما علة القتال هي الاعتداء علينا ودفع عدوان المعتدي .
ألا فليحذر الشباب
المسلم في شتى بقاع الأرض من تأويل المتطرفين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ،
وليعلم أن العفو والصفح في الإسلام حكمٌ باقٍ إلى يوم القيامة وأن تشريع القتال
حكم باقٍ إلى يوم القيامة شرعه الله ؛ لحماية الأوطان والدفاع عن النفس وحماية
المقدسات الإسلامية وغير الإسلامية ، تحقيق ذلك قوله تعالى : ﴿ وَلَولا دَفعُ
اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ
وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن
يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ ﴾ [الحج: ٤٠] .
فليتمسك الشباب بصحيح
الإسلام وسماحة تشريعاته ، وليأخذوا علومهم ومعارفهم من علماء الأمة الثقات الذين
انزوت أعينهم في التعلم والتعليم والتمحيص والتدقيق ، وليبتعدوا عن فكر هذه
الجماعات التي تريد بفكرها تدمير الأوطان ، وتفتيت وحدة الوطن ، وخدمة أجندات
الأعداء .
حفظ الله بلادنا وسائر
بلاد المسلمين ، وهدى شبابنا إلى ما فيه الخير ، وزرع في قلوبهم الحب والإخلاص
لدينهم وأوطانهم . إنه سميع قريب
.
الأستاذ الدكتور : عبد
الفتاح عبد الغني العواري
عميد كلية أصول الدين
بالقاهرة جامعة الأزهر - عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف .