ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
رمضان جانا
اتقوا
ربكم ، فإنه عفو غفور ، جواد شكور ، وهو وحده سبحانه مصرف الشهور ، ومقدر المقدور
، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، وهو عليم بذات الصدور ، وقد جعل
لكل شيء سبباً، ولكل أجل كتاباً، ولكل عمل حساباً، وما ربك بغافل عما تعملون.
عباد الله:
اتقوا الله وتفكروا في أحوالكم وسرعة زوالكم .
بالأمس القريب كنا ننتظر شهر رمضان المبارك ، انتظار الضيف الغالي ،
والوافد الكريم ، طمعاً فيما أعده الله فيه من الخيرات ، ورغبة في التنافس في
الطاعات ، فهو موسم تعرض فيه أغلى السلع بأرخص الأسعار ، تعرض فيه الجنة الغالية :
فتفتح فيه أبوابها ، وتيسر أسبابها ، وتعرض فيه المرابح العظيمة حيث الحسنة بعشر
أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، والله يضاعف لمن يشاء ، موسم تسد فيه
طرق الهلاك : فتغلق فيه أبواب النيران ، وتصفد فيه مردة الشياطين ، فتهجر فيه
المحرمات ، ويسهل فيه فعل الخيرات .
فما ينتهي رمضان إلا والمؤمن الحق قد ألف الخير، ونفر عن الشر، مما
يكون سبباً لاستمراره على الاستقامة في بقية السنة .
لقد كانت أيام هذا الشهر معمورة بالصيام والذكر والقرآن ، ولياليه
منيرة بالصلاة والقيام ، وأحوال المتقين فيه على ما ينبغي ويرام . فمضت تلك الأيام
الغرر ، وانتهت تلك الليالي الدرر ، كأنما هي ساعة من نهار ، فنسأل الله الكريم أن
يخلف علينا ما مضى منها بالبركة فيما بقي ، وأن يختم لنا شهرنا بالرحمة والغفران
والعتق من النيران ، والفوز بدار السلام ، وأن يعيد أمثاله علينا ونحن نتمتع بنعمة
الدين والدنيا ، والأمن والرخاء إنه جواد كريم .
إن ربكم الكريم شرع لكم في ختام شهركم عبادات جليلة يزداد بها إيمانكم وتكمل بها طاعاتكم وتتم بها نعمة ربكم ، منها :زكاة الفطر والتكبير وصلاة العيد .فأما زكاة الفطر : فقد فرضها نبيكم صاعاً من طعام ، ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر قال :« فرض رسول الله زكاة الفطر: صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى »وفيه من حديث أبي سعيد الخدري قال :« كنا نخرج في عهد رسول الله يوم الفطر صاعا من طعام ، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر او كما افتي العلماء في مصر بان زكاة الفرد في هذه الأيام 10 جنيهات والله يضاعف لمن يشاء .
فأخرجوا عباد الله زكاة الفطر مخلصين لله جل وعلا ، ممتثلين لأمر رسوله ، فقد فرضها على جميع المسلمين حتى من في المهد ، وأما الحمل في البطن فلا يجب الإخراج عنه إلا تطوعا .
أخرجوها مما تطعمون من البر أو الأرز أو التمر أو غيرها ، أخرجوها
طيبة بها نفوسكم ، واختاروا الأطيب والأنفع ؛ فإنها صاع واحد في الحول مرة فلا
تبخلوا على أنفسكم بما تستطيعون .
يوم العيد قبل الصلاة أفضل إن تيسر لكم ولابأس أن تخرجوها قبل العيد
بيوم أو يومين، ولا يجوز تقديمها على ذلك ، كما لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد .
وأما التكبير : فإنه لما كانت المغفرة والعتق كل منهما مرتب على صيام
رمضان وقيامه أمر سبحانه وتعالى عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال جل وعلا
:" ولتكملوا العدة …
فكبروا الله عباد الله من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد ،
كبروا الله في البيوت والمساجد والطرقات والأسواق، قائلين :الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله
الحمد .
واجهروا بها تعظيماً لله وإظهاراً للشعائر ، إلا النساء فيكبرن سراً وأما صلاة العيد : فقد أمر نبيكم بها الرجال والنساء ، ففي
الصحيحين من حديث أم عطية قالت « أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر والأضحى :
العواتق والحيض وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة وفي رواية المصلى ويشهدن
الخير ودعوة المسلمين فقلت يا رسول الله : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال
:لتلبسها أختها من جلبابها » فاخرجوا عباد الله إلى صلاة العيد رجالاً
ونساءً صغاراً وكباراً ، تعبدا لله جل وعلا وامتثالاً لأمر رسوله وابتغاءً للخير
ودعوت المسلمين ، فكم في ذلك المصلى من خيرات تنزل ، وجوائز من الرب الكريم تحصل ،
ودعوات طيبات تقبل ، واعلموا أن السنة في الفطر أن يأكل قبل الخروج إلى
الصلاة تمرات وتراً ثلاثاً أو خمسا أو أكثر إن أحب يقطعهن على وتر، دل على ذلك قول
أنس « كان رسول الله لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويكلهن وتراً »وقد قال ربكم
جل وعلا :﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة﴾
اعلموا أن الأعمال بالخواتيم ، فمن كان محسناً في شهره فعليه
بالإتمام ومن كان مسيئاً فعليه بالتوبة والعمل الصالح فيما بقي ، فربما لا يعود
عليه رمضان بعد هذا العام .
فاختموه بخير ، واستمروا على مواصلة الأعمال الصالحة التي كنتم
تؤدونها فيه في بقية الشهور ، فإن رب الشهور واحد ، وهو مطلع عليكم وشاهد ، ومن
كان يعبد رمضان فإنه قد انقضى وفات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ،
فليستمر على عبادته في جميع أيام الحياة ، وليداوم عليها فإن عمل نبيكم كان ديمة .
وقد سئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان فإن انقضى ضيعوا
وأساءوا ؟ فقال : بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان ، وكان السلف الصالح
يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم يهتمون بعد بقبوله، ويخافون ألا يتقبل
منهم وهؤلاء ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ ﴾ وقال بعض السلف : كانوا يدعمن الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان
ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم .
واعلموا عباد الله : أن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها ، فيختم
به الصلاة والحج والصيام والقيام وغيرها .
قال عمر بن عبد العزيز فيما كتبه إلى أهل الأمصار : " قولوا كما
قال أبوكم آدم :" ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكو نن من
الخاسرين" وقولوا كما قال نوح عليه السلام :" وإلا تغفر لي وترحمني أكن
من الخاسرين " وقولوا كما قال موسى عليه السلام :" رب إني ظلمت نفسي
فاغفر لي " وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام :"سبحانك إني كنت من
الظالمين "فصيامنا عباد الله يحتاج إلى استغفار نافع وعمل صالح له شافع ، وقريب
من هذا أمر نبيكم لعائشة في ليلة القدر بسؤال العفو : اللهم إنك عفو تحب العفو
فاعف عني فإن المؤمن يجتهد في شهر رمضان في صيامه وقيامه فإذا قرب فراغه وصادف
ليلة القدر لم يسأل الله تعالى إلا العفو ، كالمسيء المقصر.
واعلموا أن أنفع الاستغفار ما قارنته التوبة الصادقة ، فمن استغفر
بلسانه وقلبه على المعصية معقود ، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بهد الشهر ويعود ،
فصومه عليه مردود ، وباب القبول عبه مسدود ؛ لأن ذلك فعل من بدل نعمة الله كفراً .
عباد الله إن شهركم قد عزم على الرحيل ، ولم يبق منه إلا القليل فم
أحسن فيه فعليه بالتمام ، ومن فرط فليختمه بالحسنى ، والعمل بالختام . فاغتنموا
منه ما بقي واستودعوه عملاً صالحاً يشهد لكم عند الملك العلام ، وودعوه عند فراقه
بأزكى تحية وسلام .