رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

د شريف شعبان يكتب: هذا هو الموكب وهذه هي مصر

  • د. شيماء عمارة
  • الأحد 04 أبريل 2021, 11:20 مساءً
  • 1288
د.شريف شعبان

د.شريف شعبان

لعل العالم كله قد شاهد هذا الحدث الاستثنائي والفريد من نوعه ألا وهو موكب نقل 22 مومياء ملكية لملوك مصر في عصرها الذهبي والذين بنوا الإمبراطورية المصرية خلال الأسرة ١٨.

ومن المثير في الأمر أن البعض قد ربط لما حدث لمصر من كوارث حيث جنوح سفينة الشحن البنمية داخل قناة السويس وتصادم قطاري الصعيد وغيرها بما يعرف بلعنة الفراعنة، حتى أن بعض أصوات المثقفين قد طالبت بتأجيل أو منع الموكب من الأساس اعتقاداً في تلك الخرافة، والبعض الآخر منهم من اعترض على حرمة عرض جثامين الموتى.

 

وإذا ما تحدثنا عن لعنة الفراعنة سنجد أن هذا المصطلح قد ظهر بين عامة مع اكتشاف مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون، حيث منح اللورد كارنرفون ممول الكشف حقوق نشره حصرياً لصالح جريدة لندن تايمز. وبعد وفاة اللورد بعد خمسة أشهر من الكشف، انتشرت الشائعات حول وجود لعنة نقشت على واجهة مدخل المقبرة وخاصة بعد حدوث حالات وفاة غامضة لعدد من زوار المقبرة.

 

ولم تكن هذه هي أول مرة يتم فيها نقل تلك المومياوات، فيأتي اكتشاف تلك المجموعة الفريدة من مومياوات ملوك مصر بالصدفة البحتة على يد أسرة عبد الرسول في الأقصر مع أواخر القرن ١٩، حيث عرف عن تلك الأسرة الاتجار في الآثار، وما أن اكتشفوا خبيئة الدير البحري حتى وجدوا أنفسهم أمام كنز لا يقدر بثمن، وظل أفراد الأسرة يهربون ما بداخل الخبيئة للخارج رغم أنهم لم يدخلوها سوى 3 مرات طيلة ثلاث سنوات بسبب الحرص الشديد.

وما إن تم اكتشاف أمر تلك السرقة حتى لفتـت انتبـاه أوجسـت ماريـت باشـا مؤسـس ورئيـس مصلحـة الآثـار المصريـة آنـذاك- فبـدأ بالتحقيـق فيهـذا الأمر، وأرسـل فريقـا إلى الأقصر لمحاولـة معرفة مصدرتلـك القطـع الأثريـة، لكنـه توفي قبـل أن يتمكن من كشـفاللغـز، وكان الأمـر متـروكا لجاسـتون ماسـبيرو الـذي خلفـه كرئيـس للمصلحـة ليحل محلـه ويواصـل التحقيق، وقامت قوة من شرطة قنا بالقبض على أحمد وحسين عبد الرسول للتحقيق معهما، وبعد شهر من التعذيب تم إطلاق سراحهما لعدم وجود أدلة.

 وما إن تقابل الأخوة حتى دب بينهم الخلاف وذهب محمد عبد الرسول سراً ليبلغ مركز الشرطة عن مكان الخبيئة، حينها خرج للعالم واحدة من أروع كنوز مصر القديمة ومجموعة من مومياوات ملوكها العظام تم نقلهم من الأقصر إلى القاهرة في موكب مهيب نجح المخرج العبقري شادي عبد السلام في تجسيدها في عمله الخالد فيلم المومياء.

ومن السخرية، هو أنه مع وصول المومياوات إلى القاهرة رفض موظف الجمارك استقبالها لأنه لم يجد ضمن سجلاته أي بند يمكن أن تدخل تحته، حينها تم التوصل إلى إدخال المومياوات تحت مسمى "سمك مملح".

وتم عرض المومياوات داخل متحف بولاق ثم في قصر إسماعيل باشا وأخيراً بالمتحف المصري بالتحرير ١٩٠٢، إلا أنها لم تعرض على الجمهور إلا في عام ١٩٥٢.

 وأثناء زيارته للمتحف، جاء اعتراض الرئيس السادات على فكرة عرض المومياوات على الجمهور فتم حجبها.

والآن تعرض المومياوات بشكل علمي يليق بهيبة وعظمة ملوك مصر وبشكل يحفظ لهم حرمتهم وكرامتهم داخل المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط في رد حاسم على من يدعون إهانة جثامين الموتى، فقد تم تجهيز صالة كاملة مخصصة لهذا الغرض بحيث يتمدد ملك مصر وبجواره مجموعة من آثاره ونتائج تحاليل الأشعة المقطعية والحمض النووي والتي من خلالها استطعنا معرفة أسباب وفاة هؤلاء الملوك وأعمارهم عند الوفاة والأمراض التي عانوا منها.

 

تابع العالم عن كثب الاستعدادات الزمنية والفنية والتنظيم الرائع والذي تم كله بأيد مصرية ١٠٠٪، ولعل الإبهار الحقيقي هو في الإخلاص والدقة التي تمت من أصغر عامل وحتى قيادات وزارة السياحة والآثار.

 ويأتي المشهد الأكبر هو استقبل رئيس الجمهورية للملوك استقبال رسمي تم خلاله ضرب ٢١ طلقة مدفع تحية لهم، وافتتاحه للقاعة المركزية بالمتحف والتي تعرض كنوز مصر في كافة عصورها التاريخية، وهي رسالة للعالم كله بأن مصر ورئيسها تهتم أيما اهتمام بآثار وتراث مصر دون تفرقة لأي من مراحل تاريخها العريق والذي يضرب بجذوره في قلب التاريخ.

 

أدعو الجميع لزيارة متحف الحضارة المصرية بالفسطاط، ذلك المتحف الذي يعد أحد درر تاج مصر في المتاحف والذي يعرض آثار مصر منذ عصر مصر القديمة مرورا بكل الحضارات المتعاقبة من يونانية رومانية وقبطية وإسلامية وحتى العصر الحديث.

 

تحية لكل يد مصرية اشتركت لإنجاح هذا الموكب العظيم بداية من المرممين الذين قاموا بحفظ أجساد ملوك مصر العظام والأثريين الذين أشرفوا على عملية النقل والعمال الذين اشتركوا في صناعة العربات المخصصة لنقل المومياوات وطابور المتطوعين الذين انضموا للعروض المصاحبة للموكب ورجال الأمن الذين نظموا الطرقات ورتبوا خطوات الموكب بتنظيم بالغ الدقة، تحية لكل ترس دار في مجاله داخل المنظومة الكبيرة حتى خرجت الصورة في أبهى بريق لها، تلك الصورة التي جعلت اسم مصر يدوي عالمياً وجعل أنظار العالم كله تنصب تجاه المحروسة.

 

فخور بأني جزء من هذا الحدث وفخور أني شاركت  في عمل كتالوج يوثق ويخلد معلومات هامة عن الملوك مثل رمسيس الثاني وسقنن رع وتحتمس الثالث وحتشبسوت وغيرهم بالكلمة والصورة وعرض معلومات هامة حول حياتهم وظروف وفاتهم في ضوء التكنولوجيا الحديثة، وأدعو الجميع بأن يفخروا بمثل هذا الإنجاز العظيم.

 

تعليقات