محمد المصطفى الطلبة يكتب: ظاهرة الإلحاد.. الأسباب وسبل المواجهة

  • د. شيماء عمارة
  • الإثنين 29 مارس 2021, 01:37 صباحا
  • 1431
الكاتب محمد المصطفى الطلبة

الكاتب محمد المصطفى الطلبة

بعدَ كلِّ نقاشٍ فكريٍّ جادٍّ ، وتحتَ كلِّ صوتٍ له تأثيرُه في عالم الفكر أو له صدىً في الساحة ، تظهرُ أصواتٌ كانتْ تحت الطاولة، ويطفو على السطح ما كان خافياً ، ومن ذلك الإلحاد وما يؤدِّي إلى طريقه من أفكارٍ ومناهجَ وشخصياتٍ .

هذا وإنَّه لا يُمكنُ التَّعاملُ مع الظواهر الكبرى بنماذجَ تفسيريةٍ اختزالية ، بل لابدَّ من النماذج المركَّبة التى تجمعُ عدداً من الأسباب ووافراً من المؤثرات .
والإلحادُ بمعناه في المعاجم الفلسفية من قبيل هذه الظواهر التى ليستْ وليدةَ اللحظة والصدفة .
بل هو نتيجةٌ لمتراكماتٍ مختفلة ومسبَّباتٍ مُتباينةٍ ووليدَ ظرفٍ زمانيٍّ وبيئة مكانية مختلفة عن بيئة المسلمين .
وظهورُ الإلحاد بمفهوميْه العامِّ والخاصِّ في بلادنا وتغيُّر المفاهيم الأساسية لكثيرٍ من الشباب شيءٌ يقتضي ضرورةَ الإسراع في قراءة الظواهر الفكرية ووجوبَ تحليل المعطيات حتى نسلمَ من زيادة الشَّرخ واتِّساع الرَّتْق واسْتفْحالِ الدَّاء

ولا يمكنُ دائما وأبداً أن نقفَ مع هذه الظواهر بشيئٍ من السطحية ومستوىً من الإنكار دون أن نغوصَ في أعماق الفكرة ونبحرَ في معرفة الأسباب والدَّوافع وطرائق العلاج .
خصوصا أنَّنا في بلادٍ غلبَ عليها طابعُ البداوة إلى حدٍّ قريبٍ واتَّسمتْ في مجموعها بالتديُّن العام الذي غلبَ على أهلها
فما الذي حصلَ حتَّى تغيَّرت المفاهيم ؟ وما المصائبُ التى حلَّتْ فكريَّا حتى صرْنا نسمعُ بين الفينة والأخرى من يُنكرُ حكماً شرعيَّا ثابتا أو يستهزئُ بشعيرة دينية أو يخرجُ من ملَّةٍ إلى أُخرى أو مَن يتضامنُ مع مُلحدٍ مستهزئٍ بأحكام الله وشريعتِه
فماذا جرى للأرض حتَّى تلوَّثتْ
إلى حدِّ في الأرحام ضجَّتْ نطافُها ؟

ومن هنا ، فسأُحاولُ ذكرَ أهمِّ الأسباب التى ساهمتْ في انتشار فكرة الإلحاد وزادتْ من وتيرة الاستخفاف بالشريعة وتعاليم الدِّين ومقدَّسات الإسلام والمسلمين لعلَّها تكونُ سبباً فى المشاركة فى الدفاع عن الإسلام وموعظةً لأصحابها وتبياناً لهم في الرجوع إلى فطرتِهم الأصلية ومحاولةً في استبْيان طرُق علاج هذه الظاهرة المؤلمة .
الحديثُ عن الإلحاد وظهورِه في بلادنا الإسلامية لا يُمكن أن يمُرَّ دون التَّعريج على أسباب ظهور الإلحاد في الغرب باعتباره المصدِّر الوحيد لفكرة اللاَّدينِ إلى العالم .
يُختزل الحديثُ عن أسباب الإلحاد في العالم الغربيِّ في ثلاثة أسبابٍ هي الدواعي المباشرةُ لانتشاره في تلك الديار
●1 ) إشكالات معرفية : سواءً منها ما تعلَّق بالشُّبُهات الفلسفية أو تعلَّق بالشبهات العلمية المرتبطة ببعض نظريَّات العلم الحديث .
●2 ) إشكالاتٌ حضارية : مدارُها على التطوُّر الحضاريِّ الغربي الذي ارتبط بتاريخٍ طويل من الصراع بين الكنيسة والعلم خصوصاً والصراع مع الدِّين عموما .
●3 ) إشكالاتٌ غير علمية : وتشملُ الأزماتِ النفسيةَ والتخبُّط الروحيَّ والجفاف المعنويَّ الذي يُعاني منه الإنسان الغربيُّ بسبب غياب الإيمان وعدم إدراك الحكمة من الابتلاء .
هذه الأسباب الثلاثةُ في انتشار فكرة الإلحاد الغربيِّ كان لها بعضُ الانعكاس على البلاد الإسلامية وما ظهرَ فيها من اعوجاجٍ في الفكر وانحرافٍ في العقيدة والمنهج .
وبناءً على هذه المعطيات التى كانتْ سبباً في إلحاد العالم الغربي نُدلِفُ إلى ذكر أسباب الإلحاد في البلاد الإسلامية
● 1 ) حالةُ التبعية للغرب : وذلك أننا لم نعرفْ شيئا من الصراع بين الكنيسة والعلم ولم نشهدْ إهمالَ الكنيسة للعلماء وتحريض الملوك عليهم وقتلهم
ولا نشأتْ فينا النظريات العلمية والأفكار الفلسفية
وإنما تلقَّينا ذالك كلَّه من الغرب وهو العامل الذي استقرَّ في أذهان النُّخب وعقول الشباب أنه السببُ فى تأخر المسلمين .
●2 ) الظلمُ السياسيُّ والاجتماعى الذي لا تزال أمَّتُنا ترزحُ تحته وتعيشُ في ظلالِه والذي يُسوِّغُه البعضُ باسم الدين انطلاقا من بعض الفهوم المتكلِّسة لنصوص الوحي .
● 3 ) الضعفُ المعرفيُّ الناتجُ خصوصا عن إشكالات التعليم وضعف الكادر العلمي .
وهذا الضعفُ يُكرِّسُ السطحيةَ الفكرية ويصنعُ العجزَ عن الفهم العميق للإشكاليات الإلحادية الخطيرة .
● 4 ) الخللُ النَّفسيُّ المُتمثل في العجز عن الملائمة بين ممارسة التَّدين في مراتبه السامية والتعامل مع مخرَجات الحضارة المادية الشهوانية .
فإن كثيرين ضحَّوا بالتديُّن على حساب الإيغال في الشهوات
● 5 ) التعرُّضُ لشبهات المستشرقين وأهل الإلحاد دون أن يكون المتلقِّي قد حصل على مناعةٍ فكرية تقيه شرورَ الشبهات
● 6 ) القصورُ في نظام الوعظ والدعوة وعجز التَّيار الإسلاميِّ عن الاحتضان الروحي والعملي للشباب
والاكتفاء بدروسٍ علمية جافَّة أو مواعظَ ينقصُها الابداعُ والتجديد والتركيز على خطاب العاطفة دون العقل
● 7 ) جمودُ الدرس العقديِّ واجترارُه لنفس المواضيع التقليدية المتكررة دون القدرة على تجديد في الخطاب والتناول
وعدم تحديث الرسائل العقدية لتُواكبَ المستجدات العقدية المتسارعة والشبهات الإلحادية التى تتساقطُ بشكل سريع على رؤوس الشباب ولا حيلة له في دفعها .

لا سيَّما أن هذه الشُّبهات كثرتْ بشكلٍ كبير بسببِ المواقع الإلكترونية وانتشار المنتديات التى تبُثُّ سمومَها في ثياب الرحمة والفكاهة .
هذه أسبابٌ مادية تُمليها الدراسة ويُسعفُ بها الاستقراء وليستْ كلَّ شيء
بل هناكَ سببٌ أعظم من هذا كلِّه وهو عدم التوفيق وصرفُ الله تبارك الله قلوبَ بعض الناس عن الإيمان به ” سأصرفُ عن آياتيَ الذين يتكبَّرون في الأرض بغير الحقِّ ” ” يُؤفكُ عنه من أُفكَ “

إن معرفة الأسباب تؤدِّي ضمنيًّا إلى معرفة الحلول ” فبضدِّها تتميَّزُ الأشياء ”
ولكن لا بأسَ من التَّركيز على أهمٍّ موارد الحلول في النقاط التالية :
● 1 ) مراجعةُ المشروع الإسلاميِّ والوقوفُ على ما فيه من إخفاقاتٍ وأسباب الفشل والعملُ على التغيير والنهوض من جديد والبناءُ على ما فاتَ من الجهود مع التصويب والتصحيح
والأهمُّ مصارحةُ الشباب بالاخفاق وإشراكُهم في المراجعة وفتح الباب أمامهم ليُبصروا أنفسهم في صناعة القرار وعملية التغيير
● 2 ) ضرورةُ مبادرة العلماء والدعاة والمفكِّرين والمثقفين إلى التواصل الإيجابيِّ مع الشباب ومعايشة
همومهم والإجابة عن إشكالاتهم وشبهاتهم وليس ذلك عن طريق المنابر فحسب ، بل عبر الانترنت والبث المباشر الذي أضحى قِبلة الشباب
● 3 ) إقرارُ تدريس موادَّ تقي العقل من الانحراف وتمنعُه من الانجراف لدعوات التغريب والإلحاد وتحمي الطالب من الانصياع للأقوال المشبوهة مع الرَّفع من ضارب مادة التربية الإسلامية بل واعتبارها مادَّةً أساسية في جميع الشُّعَب ومختلف المراحل الدراسية .

بمعرفة الدواء يُقضى على المرض وبوصف النفسية يُقدرُ على التعامل معها .
وهذه محاولةٌ متواضعة في التعامل مع هذه الظاهرة ومسلتزماتها وطرُق علاجها ، والأمر جللٌ يحتاجُ لأكثر من هذا بلا شك
فينبغي الحرصُ على المواجهة بدلَ الاكتفاء بالتَّقريع والسَّبِّ والدخولُ إلى ساحة الواقع والميدان بعد الاطلاع على تشخيص المرض والتسلّح بالأدوات اللازمة لعلاجه .

وأرجو أن تكون هذه النقاطُ سبباً فى علاج مرض الإلحاد وعلَّةً في إيضاح داء الاختلالات الفكرية العميقة التى يُصابُ بها شبابُنا من وقتٍ لآخرَ !

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

تعليقات