فاضل متولي يكتب: رواية اعترافات جثة.. ملاحظات (2).. «لا جثة ولا يحزنون»

  • د. شيماء عمارة
  • الجمعة 05 مارس 2021, 9:53 مساءً
  • 1037
الأديب فاضل متولي

الأديب فاضل متولي

تحاول الرواية الإجابة عن هذا السؤال: ماذا يمكن أن يفعل السادي بمن حوله؟ وقد أجاب الكاتب بحسب منطقه طبعا بأن السادي إضافة إلى ما يعرفه الناس من أنه يتلذذ بتعذيب الآخرين، يمكنه كذلك أن يقتل. وقد استفاض الكاتب في تفصيل ذلك خلال روايته من أول مشهد إلى آخر مشهد، فأظهر لنا أن البطل السادي لروايته قتل بكل ما استطاع من طريقة للقتل: قتل بالحرق، وقتل بتسليم بعض الضحايا إلى من يقتل، وقتل بالصدمة العصبية، وقتل بالدواء. بل على حسب محمد حياة استطاع هذا العامر أن يسخر أجهزة الدولة المعنية بالجريمة لتكون خاتما في إصبعه وخادما غير مباشر ليقتل من يشاء، بل من يشاء الكاتب.

وقد يتفرع عن هذا الموضوع موضوع آخر يتمحور في هذا السؤال: هل السادية مرض نفسي أم انحطاط خلقي؟ هل هي سلوك إرادي أم لا إرادي؟

وتحكي الرواية عن عصابة تتكون من ستة أفراد: مهندس ورجل أعمال اسمه عامر سمير المندراوي وهو رئيس العصابة، طبيب اسمه عبد العظيم، وهو طبيب تشريح، طبيب آخر لا يعرف اسمه ولكن يسمونه الملاك، يمارس جريمة تجارة الأعضاء، شاب خريج كلية التجارة ولا يعمل، فتاة تعمل في تزيين النساء. ماكيير، أحد لصوص الشوارع.

وسيأتي الكلام عن ملابسات اللقاء بين أفراد هذه العصابة.

تشترك هذه العصابة في الإيقاع بستة أفراد بوضعهم في ظروف تخيل للسلطات أنهم مرتكبون لجريمة قتل المسمى عامر سمير المندراوي، وتحكم العصابة نسج الشرك بإرسال واحد منها إلى الشرطة ليوجهها إلى الطريق الذي يوصلها إلى ما يؤكد هذا الافتراض، ويؤدي ذلك بحسب رأي الكاتب إلى الحكم على الستة بالإعدام. ثم يبدأ زعيم العصابة عامر سمير في إرباك السلطات بالظهور أمام المجتمع مرة أخرى لإثبات غباء كل من تناولوا هذه القضية بلا استثناء؛ حيث إنهم قتلوا أبرياء وأنه لم يزل حيا، وهو في أثناء إعلانه يسب الشرطة وينتقص من قدرها على مرأى ومسمع من الناس جميعا. إذن فليست هناك جثة ولا يحزنون.

ثم توقع العصابة بثلاث أخريات، ولكنهن في هذه المرة صواحب ماض في الجريمة استتر عن العيون، فأفلحت العصابة –لا رجال الشرطة المعنيون- في كشف المكنون وسوقهن إلى المنون!

ثم تبدأ العصابة في أكل بعضها بعضا، فيقتل بعضهم بعضا ولا يحرم القاتل الأخير من قاتل يقضي عليه.

وأنا أفضل أن أتتبع معك الرواية بحسب ترتيب الكاتب ولن أقفز إلى الأمام أو أرجع إلى الخلف إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

ويدور الصراع غير المتكافئ في هذه الرواية بين الغبي والذكي والأذكى، وسيتبين لنا من المتابعة من هو الأذكى ومن هو الأغبى في نظر الكاتب.

لغة الرواية مضطربة أشد الاضطراب لو توقفنا عند ما تمتلئ به الرواية من الأخطاء اللغوية لكان علينا أن نعد دراسة تستغرق ضعف أو ضعفي هذا الوقت، لكنني سأكتفي بذكر نموذج واحد هو كلمة (حتى) التي يكثر إيرادها في أواخر الجمل مع أن حتى لا يمكن أن توضع في آخر جملة عربية أبدا. وتكفي هذه الصدمة التي تصيب أي قارئ عندما يقرأ الجزء الأول بالفصحى ثم يجد الجزء الثاني بالعامية.

تبدأ الرواية بمقدمتين: إحداهما نقل من كتاب لسيجموند فرويد ينتقد الذين يعتمدون على الطرق القديمة في العلاج النفسي، ويبين الفرق بين العلاج النفسي والعلاج البدني ويشير إلى أهمية الدافع الجنسي في المرض النفسي. ولم ينتبه الكاتب إلى أن نظريات فرويد أصبحت الآن من النظريات القديمة التي ثبت خطأ معظمها إن لم يكن كلها.

ولعل الكاتب أراد بهذا النقل أن يشير إلى القارئ إشارة خفية ليحذر الفخ الذي يريد أن يوقعه فيه عن طريق المتحدث في المقدمة الثانية. ولعله أراد أن يلبس القارئ معطف الطبيب النفسي ليوجهه من البداية إلى التعامل مع الأحداث على أنها نتيجة مرض نفسي لا انحطاط خلقي.

وتبدأ المقدمة الثانية باتهام ينسبه الكاتب إلى القارئ عن طريق البطل: فكل من يقرر قراءة هذه الرواية هو قاتل. ويواصل الكاتب إهانته للقارئ، فيتهمه بأنه يستر حقيقته بشرشف خادع يوهم البراءة، ويتوعد القارئ بأن ينزع عنه هذا الشرشف بيد القارئ نفسه، ويواصل تحديه للقارئ وإهانته له بأنه سيطوع تفكيره وانفعاله لإرادته فيجعله يحكم عليه بالقتل. وهاهو الكاتب يضيف إلى معطف الطبيب ثوب القاضي الذي تعهد بأن يلبسه إياه.

ولا شك أن الكاتب قد أساء الأدب مع القارئ وارتكب معه سلوكا غير لائق؛ نعم ليس من اللياقة أن يتهم الكاتب قارئه ولا أن يهينه، إن باعة الأحذية لا يهينون زبائنهم، وزبون الكاتب هو القارئ، فكيف ينسب الكاتب الذي هو معدود في قائمة الدائرة الثقافية قراءه بهذه الفجاجة.

وتبدأ الأحداث بإجراء بث مباشر على صفحة فيسبوك يشاهده آلاف المتابعين، ولكن الكاتب يسلط الضوء على واحد من هؤلاء المشاهدين لسبب ستبينه الرواية فيما بعد:

هذا البث عبارة عن صورة رجل طعين بخمس سكاكين لم تنزع من جسمه، وصوت يقول إنه هو هذا الطعين، دون أن يذكر اسمه، ولكنه يذكر أسماء خمسة أشخاص يرميها بقتله، واسما سادسا لا يكمله. ويقول إنه ترك على هاتفه ملفات مكتوبة مغلقة بشفرة، بداخلها ذكر علاقته بهم والدوافع المحتملة التي أدت بهم إلى قتله.

أخبرنا الكاتب في هذه الفقرة أن اسم هذا المتابع للبث زياد، وأنه يتابع صفحة ألغاز رقمية. وأنه لا يعرف صاحب هذه الصفحة ولا من يديرها. ولو قال زياد هذا بنفسه لكان احتمال الصدق والكذب قائما، ولو اكتشفنا أنه صاحب هذه الصفحة الأصلي لقلنا إنه كان يكذب. ولكن الكاتب هو الذي أخبرنا بأن زيادا لا يعرف صاحبها ولا مديرها.

ويخبرنا الكاتب أنه لما رأى المنظر على الشاشة أصابه الفزع ورجع إلى الوراء، ومعنى ذلك أن المشهد مفاجئ بالنسبة له. والغريب أننا نفاجأ بأن زيادا نفسه في الفصل السابع من الجزء الثاني يخبر محمودا –بعد اختطافه- أنه هو صاحب صفحة الألغاز، وأنه صاحب فكرة البث المباشر.

كيف كان الصوت والصورة في البث؟

الذي يعنينا الآن أمران: أولا أن الكاتب قال إن السكاكين كانت تعلو وتهبط مع أنفاس الطعين، ومعنى ذلك أنه كان حيا يتنفس. وثانيهما: أن المتحدث تحدث أولا عن فضله على مشاهديه، وعن الاعتداء عليه، وعن شعوره بدنو أجله، وسبب إبقائه على السكاكين في جسمه دون نزعها، وأخيرا عن قتلته! والسؤال الذي يلح على من يقرأ؟ كيف لم يبدأ بذكر القتلة وهو في هذه الحالة؟ عرضة للموت في أية لحظة؟ كيف لم تنتبه الشرطة إلى ذلك؟ وفي الفصل السابع من الجزء الثاني يخبرنا الكاتب أن الطعين قد فارق الحياة قبل البث، فكيف كانت السكاكين تعلو وتهبط مع أنفاسه؟

وطبعا لم يخبرنا أحد: لا الكاتب ولا عصابته عن سبب ذكر اسم جمال ناقصا، ولا كيف نطق المجني عليه حرف الجيم بدلا من الكاف، ولا عن سبب نطقه هذا الاسم بالذات ناقصا، ولا عن السبب الذي جعله يذكر اسم كل القتلة إلا اسم حازم الذي أراد بطريقة غير مقنعة أن يفهمنا أنه ذكر الحروف الأولى من اسم أبيه؟ ويخبرنا الكاتب أن من مشاهدي البث من لم يصدق. وأن منهم من بلغ الشرطة، ولكن من أعاجيب هذه القصة أنه رغم كثرة المتابعين للبث لا نجد منهم من أبلغ الإسعاف لعلهم ينقذون المسكين! ولم نسمع ذكرا للإسعاف إلا عندما كانت الشرطة هناك!

مما قالت عفاف عندما أفاقت: اللعنة على شيخوختي. ومما قالته للضابط في التحقيق إنها طاعنة في السن. ثم نكتشف أن هذه الشيخة الطاعنة في السن هي –بحسب بياناتها في التحقيق- في الحادية والخمسين من العمر. ولكن للكاتب رأي في فروق الأعمار: فلعله يرى أن فرق السن بين اثنين يختلف من فترة إلى فترة، ولننظر: في التحقيق عفاف في الحادية والخمسين، وفي الفصل السابع من الجزء الثاني تقع الجريمة في الرابع والعشرين من يناير 2019، وفي الفصل الثاني من الجزء الثاني يحتفل عامر بعيد ميلاده العاشر في الثالث عشر من أكتوبر 1970 أي أنه ولد في الثالث عشر من أكتوبر 1960 أي أن الجريمة وقعت وهو في الثامنة والخمسين، وفي الفصل الأول من الجزء الثاني كانت عفاف رضيعة في الشهر الثالث في السادس من ديسمبر 1964، ويفهم من ذلك أنها تصغر عامرا بثلاث سنوات، ومعنى ذلك أنها كانت في الخامسة والخمسين وقت وقوع الجريمة!

 

تعليقات