رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

م. أسامة إبراهيم يكتب: العرف والشريعة والقانون

  • سلطان إبراهيم
  • الجمعة 15 يناير 2021, 10:17 مساءً
  • 552
المهندس أسامة إبراهيم

المهندس أسامة إبراهيم


كنا مرة فى حضرة المستشار البشرى –حفظه الله- فسألته  مستغربا "كيف للمشرع المصرى عند كتابة الدستور المصرى عام 1923 أن قدم فى مصادر التشريع العرف على الشريعة الاسلامية رغم أن البلاد فى ذلك الوقت لم تكن بعيدة عن حكم الشريعة إذ لم يعلن عن سقوط الخلافة الا عام 1924 "؟

 فقال لى :-  إن العرف المصرى أكثره من الشريعة"

عدت أتأمل كلامه فوجدت أن المشرع المصرى لم يبعد عن الشريعة عند حديثه هذا عن مصادر التشريع فالأعراف فى بلادنا أكثرها له أصول شرعية من اختيارات الفقهاء المصريين شاعت وانتشرت عند الناس حتى صارت أعرافا تداولوها وإن لم يعرفوا أصلها٠٠٠٠

وتعامل الناس مع تلك الأعراف تدينا ٠٠٠

وكثيرا ما اصطدمنا مع بعضها لقلة علمنا لنكتشف فى النهاية أنها موجودة فى تراثنا الفقهى الواسع ولم ننتبه له وربما دخلها بعض التعديل أو الاضافة نتيجة عوامل الزمن والحاجة ولكن أصولها تستطيع أن تدركها ببعض البحث والتدقيق ..

ولقد  حاولت بعض المجالس التشريعية المختلفة  أن تقحم على قوانينا بعضا من القواعد القانونية المخالفة للشرع مثل تقنين الربويات والملاهى الليلية وأمثالها ولكنها فشلت فى أن تقحمها فى أعراف الناس ولازال المجتمع يستبشعها وإن مارسها البعض وأكثر المجتمع لازال يرفضها ولم تقتحم علينا أعرافنا

ولذلك فتطبيق الشريعة ينبغى أن يبدأ بما ألفه الناس من أحكامها وأدرجوه فى أعرافهم ليسهل عليهم العمل بها ٠٠٠٠

فإن لم يجد فإنه ينتقل الى الاجتهاد فى رحاب الشريعة الواسع ٠٠٠٠٠٠

والتطلع إلى تنقية القوانين من القواعد التى تتعارض مع الشريعة ومع أعراف الناس إنما هو دعوة للتماهى مع ما ألفة المجتمع من دينه وشريعته وأعرافه التى استمدها من شريعته التى لايمكن لأى قانون أن ينتزعه منها

ولعلك تلحظ أن مجالس التقنين عندما قننت مايتداوله الناس فى معاملاتهم مع بعضهم البعض مثل قوانين الأحوال الشخصية والقانون المدنى لم تستطع أن تقحم عليها شيئا يخالف القواعد الشرعيةالمعروفة لدى الناس حفاظا على قابلية القانون للتطبيق وعدم انصراف الناس عنه حتى ولو خالف كل قوانين العالم غير الاسلامى مثل قواعد الشفعة مثلا وترتيب الميراث والوصية بل إنهم لما أقحموا الوصية الواجبة على قواعد الميراث لازالت تلك القاعدة تلقى مشقة فى التطبيق عند كثير من ابناء المجتمع ولم يفلح  واضعوا القانون فى اقحامه على أعراف الناس رغم مرور السنين الطوال عليه وفتوى هيئة كبار العلماء بمشروعيته ساعتئذ على غير الحقيقة

ولما بدأت الانتباه لهذه القاعدة أصبحت أتحسس كلامى إذا تعلق الأمر بالاعتراض على عرف سرى فى الناس مخافة الوقوع فى التصادم مع قاعدة فقهية غفلت عنها أو قصر عنها علمى المحدود ٠٠٠٠

وكثيرا ما انتبهت إلى أشياء كثيرة تعجلت فى استنكارها لأتفاجأ بأن هناك من فقهائنا من قال بها وأخذها عنه الناس وغاصت فى أعرافهم ولم انتبه لوجودها فى تراثنا الفقهى الواسع  لقصور علمى أو محدوديته فيما درسنا من مذاهب

وأسوق على ذلك بعض الأمثلة

- قراءة الفاتحة على الأموات وعند الزواج افتت بمشروعيته دار الافتاء أكثر من مرة واستندوا الى قول الفقهاء الحنابلة بوصول ثواب القراءة للميت ولم يجدوا اقرب من الفاتحة ليوصوا الناس بها لانتشار حفظها وسهولة ادائها وفضلها العظيم

- الاحتفال بالمولد أفتى به كثير من العلماء منهم ابن حجر والسيوطى وهما من العلماء المصريين المشهورين

- ارتفاع الاصوات بأذكار مابعد الصلاة قال به الطبرى وابن حزم وابن تيمية وذكره الشافعية لمن كان يقتدى به من العلماء ليقتدى الناس به

- قراءة القرآن عند المقابر أفتى به كثير من علماء الأزهر وافتت به دار الافتاء ونقلوا فى ذلك آثار كثيرة واستدلوا بعموم الأمر بتلاوة القرآن واستحباب قراءة ياسين على الميت وانهم لم يجدوا منعا منه الا اثناء قضاء الحاجة مع وجود المصلحة فى انشغال الناس عند زيارة القبور بالاعتبار والذكر وأفضل الذكر القرآن الكريم

- توزيع الصدقات عند المقابر أفتت به دار الافتاء استنادا الى مشروعية التصدق ووهبة ثواب الصدقة للميت وان اللفظ عام لم يستثن المقابر ولاغيرها ولم يرد حظر للصدقة عند المقابر

- الجلوس لتلقى العزاء أفتى به كثير من الفقهاء وهو منتشر عند علماء المالكية وكثير من الاحناف استندوا فيه لنصوص مختلفة مع اشتراط الالتزام بآداب العزاء وعدم ارتكاب المخالفات الشرعية من تبذير المال وارتكاب المحرمات كالندب وتدخين التبغ وغيرها

- والمجالس العرفية لحل المنازعات بين المسلمين دون حاجة للرجوع للقضاء موجودة فى كتب الفقه بشروطها فى باب القضاء وكانت منتشرة فى المجتمع المسلم وقت فتوته ولازالت موجودة فى اجزاء بلادنا ولها فاعلية كبيرة فى حل تلك المنازعات.

- وعليه فأعراف الناس التى ترسخت على مر السنين لم تكن بعيدة عن الاسلام الذى عاشوه وتشربته ارواحهم .. قد تكون بمرور الأيام اصابها بعض التشويه أو بعض الاضافات أو الحذف ولكن أصولها بقيت مسلمة تنهل من نبع فقه الشريعة الواسع .. حتى من انحرف عنها فإنه يبقى فى عرف الناس بل وأمام ضميره منحرفا يحتاج الى التقويم والتزام الناس بذلك إذا تهيأت ظروفه لن يكون شاقا عليهم لأنهم ألفوه فى أعرافهم وعادت الى جانب كونه شريعة واجبة الطاعة فلا ينبغى أن نعاجل الناس برفض أعرافهم قبل أن نبحث حولها جيدا فقل من تلك الأعراف ما خالف الشرع

- ملحوظة هامة : طبيعى أن تكون تلك الأعراف فى المسائل الظنية التى لايحسمها نص جزئى قطعى الثبوت والدلالة والتى لاحرج أن تختلف فيها الأفهام وتتنوع الاجتهادات وعرضنا لتلك النماذج لايعنى بالضرورة الزام الناس بها وانما نسوقها لنتفهم وجهة النظر الاخرى وان اختلفنا معها  ولنبين أن تطبيق الشريعة فى بلادنا ليس صعبا ولاشاقا فقط إذا صلحت النيات٠

تعليقات