أبطال محمد صفوت يتمردون في "الواحدة بتوقيت العاصفة"!

  • شيماء عيسى
  • الأحد 21 يوليو 2019, 06:35 صباحا
  • 2235
منصة الندوة الأدبية

منصة الندوة الأدبية

"تعلمت فن الطهي أثناء محاولاتي العديدة لكتابة حكاية ناضجة" مقولة تصدرت رواية "الواحدة بتوقيت العاصفة" والتي أهداها مؤلفها إلى شهرزاد منبع الحكايات في عالمنا، صانعًا لعبة تتحدى كل قوانين الروايات، حين تصبح أنت القاريء مدعوًا لمشاركة رجل في ملء فراغ العالم بالحكايات واستنبات شخصيات لصنع الضجيج في سكون العاصفة التي اجتاحت كل شيء، وبدلا من أن تحتسي قهوة سريعة مستلقيا في استمتاع بالقراءة، ستنهض لإزاحة الحيرة عن الأبطال وتحريكهم فوق الرقعة العجيبة من الحياة وعبر بلدان شتى، إلى مصائر تشبههم.. يحدث أن يتمردوا عليك وعلى كاتبهم.. هنا يتركك الراوي حائرا وحدك ويذهب لكشك خشبي، يعيد فيه رسمهم، كما أحبوا أن يكونوا لا كما تبدو صورتهم على الطبيعة!

وبحضور مبدعين ونقاد بارزين، شهد ملتقى السرد العربي، مساء أمس، ندوة لمناقشة الرواية الصادرة عن دار "غراب" وحائزة جائزة "أخبار الأدب".

يتساءل بطل الحكاية، وهو راوٍ يشعر بالخواء فقرر أن يصنع أبطالا ويشاركهم حكايتهم: "ماذا يفعل إبليس منذ هبط؟ يختلق حكايات كاذبة ينسجها بصدق ثم يرمي طرفها لأول عابر، كيما يلتقطها بشغف متوهما أنها حكايته الخاصة" ويكشف لك الكاتب أوراق لعبته قائلا: "حين انتهى سأزرع في طريق كل منهم بذرة حكايته الخاصة والتي عليه أن يرعاها ويتعهدها بالسقاية لتنمو رويدا رويدا تحت عنايته وعينه دوحة وارفة تظلل قامته.."

أما متى تبدأ اللعبة، فنعرف حين يقول: "في المساء تبدو لي البيوت ككتاب حواديت مغلق، وأنا صياد يدلي حبال صبره الطويلة، يقبع بين جنبات السكون في انتظار أن تفقس حكاية جديدة ناضجة لهذا العالم الخالي من الحكايات"

المهرج، سائق عربة الإسعاف، سيدة الغسيل، الفتاة صاحبة الصدر بحجم الليمونة، عامل المصنع والدكتور شادي وسلمى الثورية وشاكر اليساري ونزار السوري، وغيرهم سيكونون أبطال تلك الرواية العجيبة والتي رشحها الدكتور حسام عقل، الناقد الأكاديمي ورئيس ملتقى السرد العربي، لأن تتصدر قوائم الجوائز العربية الكبرى، لما فيها من حنكة وسرد مغاير يتحدى السرد التقليدي ليضيف لمصداقيته وحداثته..

أصول اللعبة

يقر محمد صفوت بأن روايته فرضت نفسها بشخوصها على الورق، وقد كانت قبلها مجرد قصص قديمة متناثرة هنا وهناك على ملفات خفيفة بحاسوبه؛ تماما كحال سيدة إيطالية جمعت بقايا الطعام في منزلها وقت الحرب، وصنعت للمرة الأولى البيتزا التي يعرفها العالم كله الآن، قائلا: "لا تتخلصوا من فضلات الكتابة لديكم، لأن وقتا سيحين وترونها وقد نضجت وأنبتت ما لا تتوقعونه!"

ويرى الكاتب أن نشر تلك الرواية جرأة تحسب لناشرها الذي راهن على كتابة مغامرة لاقتناعه بقيمتها الأدبية.

وأشار صفوت لكون روايته تبحث عن حاجة العالم للخيال والحكايات فهي طوق النجاة الوحيد لدى بني البشر.

ويختلف الكاتب مع من يرون أن روايته تناقش تبعات ثورات الربيع العربي ومعظمها مرير، مؤكدا أن فكرة الثورة تحتاج لسنوات طويلة كي يكون لدى الكاتب أرض صلبة ينطلق منها؛ تماما كما فعل نجيب محفوظ مع ثورة يوليو، ويؤكد أن خيط الثورة كان يصب في نهر الحدث الرئيسي وهو حاجة العالم للحكاية وكل ما هو إنساني.

فوضى السرد الخلّاقة 

أشاد الناقد الدكتور حسام عقل بمستوى الرواية، وصاحبها الذي أبدع من قبل "القتلة لا يحتفلون بالفلانتين" وفاز عنها بجائزة ربيع مفتاح، كما أشاد بمستوى التجريب الذي يمارسه هنا في رواية تطلق السرد الكلاسيكي طلاقا بائنا، مؤكدا أن ناشر الرواية هذه المرة "جواهرجي" معروف بنشر الكتابات الطليعية المبدعة.

تبدت مغامرة السرد هنا في أبطال تمردوا على المصائر التي صنعها المؤلف،  ولكن العربة كانت قد أفلتت وأسرعت بلا كوابح.

وبحسب الناقد، يعيدنا أسلوب محمد صفوت لما فعله المؤلف الإيطالي الشهير بيرانديللو والذي هاجمه نقاد بلاده الكلاسيكيون، ووصفوه بالفاشل، في ذروة مجده وحصوله على جائزة نوبل 1934 عن مسرحيته "ست شخصيات تبحث عن مؤلف"، حيث يغيب المؤلف تدريجيا لصالح إعمال خيال القاريء ومشاركته في صنع مصائر الأبطال، وهو ما فعله صمويل بيكيت في رائعته "في انتظار جودو" والتي هاجمه بسببها القراء والنقاد، فكان المؤلف يرد بأن الانتظار هو بطل مسرحيته الحقيقي، وأنها تعبر عن فوضوية واقعنا.

وبرغم كبر حجم الرواية بين أيدينا والتي تقع في 344 صفحة، يرى "عقل" أن سلاسة أسلوب الكاتب وتدفق الأحداث  أو "مائية السرد" جعل مجرى السرد لا يتكلس، وهو ذات الأسلوب الحيوي الذي تميزت به روائع ماركيز كبيرة الحجم.

والرواية مهداة للأنثى مصدر الحكاية في هذا الكون، فلا أحد ينكر أن حكايات الجدات للأحفاد، لا يصمد لفعلها رجل، ولهذا قيل بأن الحكاية في أصلها أنثى.

وتنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام، يختلف فيها استخدام المؤلف لشبكة الضمائر بين الراوي العليم والمخاطب والمتكلم، ثم نتحول لفوضى شاملة ولكن خلاقة في الجزء الثالث، ولكن في كل ذلك عليك أن تتوخى الحذر لأن الكاتب سيستدرجك في سرد الحكاية ويتخلى عنك فجأة في منتصف الطريق؛ مثل أنه جعل البطل يطلق النار على محبوبته الخائنة وعشيقها ثم يظهر أنهما لم يقتلا بالفعل.

وألفاظ الرواية تتراوح بين اللغة الأدبية الشاعرية، وصولا للغة البسطاء والدهماء في الشوارع، بما يذكرنا بما فعله نجيب سرور، ومن ذلك الوصف المصاحب للدكتور شاكر اليساري الذي تعرض للتعذيب، أو ذلك المقطع الذي يأتي على لسان سلمى: "يسمع برنامج الشهير مع لميس اراك تضحك يا شادي اسمع وانت تجلجل بشخرة عريضة سخرية من حديث هيكل"

وقد مارس المؤلف لأجل متعته أولا ، التجريب المفتوح ، ولأجل ذلك رضى بأن تطوحه الحكاية من فوق ظهرها.ورأى "عقل" أن المسار الثاني من الرواية أسقط أحيانا ارتباطه بالمسار الأول الموسوم بمكان وزمان وأحداث وشخصيات، وأوشك أن ينفلت لولا محاولات إنقاذ الكاتب.

أحلام مجهضة بعد الثورات


أبطال الرواية يعانون السقوط والاغتراب بأشكال مختلفة؛ وهي تيمة سائدة، فقد لفظ الوطن العالم الدكتور شادي، فظل في ألمانيا سنوات طويلة، وأبرزت جهات أمنية شرائط لابتزاز طالبة بحركة كفاية فاضطرتها للهرب، خاصة وأن زوجها مدرس كلية الفنون لديه نزعات شبق متوحشة، وهو ما جعلها ترتمي في أحضان من تجد عنده تفهم مشاعرها!

وتجسد الرواية -بحسب حسام عقل- شخصيات متحولة بفعل الواقع الطاحن، ومنها المهرج الحزين الذي يواجه الجمهور بجريمتهم حين يسرقون ضحكاته فيما يبيت ليلته يلمم أحزانهم، حتى إنه حين يبكي بشدة بينهم يمتعضون بسبب القروش التي دفعوها لأجل المتعة وينسون آلامه! كما تبدو شخصية "يوسف" الصحفي الحربائي المتلون؛ فقلمه جاهز للمديح والهجاء بحسب ما تقتضيه المصلحة.

ومن بين تلك الشخصيات المشوهة، سنجد "سلطان" ابن المهرج، والذي يغاير شخصية أبيه المهمشة، ويصبح جبارا في الأرض، ويعبر عن فئة البلطجية، ولكن الراوي يجعله يفتتن بامرأة ويركع أمامها فتنتهي سطوته! ومن المصائر التي تتبدل أيضا شخصية حازم الشناوي رجل الأمن الذي يهرب ليلة اقتحام مقر الأمن في ربيع الثورة ثم يعود محمولا على الأكتاف.

 ونرى قلة الحيلة في علاقة عامل المصنع بزوجته سيدة الحمام، وغيرها من الحكايات المشوهة والمبتورة، ولكنها مفتوحة بالدلالة والرمز على أفق تأويلات كثيرة،ومن ذلك جنين سلمى الذي أجهض بعد الثورة!

و الراوي العليم هنا متطفل؛ وهو نمط لا يتركها في حالها، ولكنه يتحاور مع قارئه بلغة المسامرة بين صديقين؛ كما يشير الناقد الأدبي، وستجد ذلك حين يسألك الراوي هل من المقبول أن ينتحر المهرج صانع البهجة؟! بل ومن المدهش أن تستدير الشخوص في الرواية لتسائل الراوي عن مصيرها، ولهذا فنحن أمام كاتب يدرك أن الحكايات لا تكتمل إلا عند عتبة القاريء، وما دور المؤلف إلا نثر خيوطها الأولى فحسب.

أبطال الحكاية.. مصائر مجهولة 

يرى القاص والناقد زكريا صبح في كلمته أننا أمام نص راوغ مؤلفه فأقنعنا بأن الحكاية غير مكتملة، ولكن ذلك جزء من بنية الحكاية، وبرغم عدم إعجابه بالتتابع العشوائي في بداية الرواية والذي يفقد الحكاية تماسكها، ولكن الناقد يؤكد أن تلك القصاقيص تصنع فستانا جميلا ببراعة.

والرواية يدلو فيها المؤلف بدلوه في واقع الثورات عبر نحو 72 مشهدا يعبر عن فترة زمنية تمتد لـ6 سنوات، ويبدو سرده متحاملا عليها في مآلاتها، ويرى الناقد أن سلمى رمز للوطن، وشادي رمز للعلماء، والمهرج رمز للمهمشين والذين يفتقدون أدنى حقوقهم في وطنهم ويكون أبناؤهم نبتة مناسبة جدا لتلقي أفكار التطرف أو البلطجة بسبب الشعور بالظلم.

ومن جانبها، تشير الكاتبة عبير عبدالله أن الرواية فانتازية دائرية، بدأت وانتهت بعالم متخيل، من عاصفة تطيح بكل شيء إلى الأبطال وقد تحولوا لتماثيل من الشمع، وقد شبهت الكاتبة الراوي العليم بذلك الذي أوجده صنع الله إبراهيم في رائعته "التلصص"

أما الروائية الدكتورة علياء شاهين، فرأت أن غياب الحكاية الأم عن هذه الرواية مفهوم لأنها تروي ما نعيشه فعليا ونعرفه، فلا داعي لصنع حكاية عن واقعنا في الثورات والحروب، عن أشياء نعرفها منذ سجون عبدالناصر ومرورا بأكاذيب عصر مبارك وكل شيء بما يشبه الحمم البركانية الثائرة التي فجرها بداخلنا.

لقد حكم "نزار" السوري، على نفسه بالتيه في البلدان، لأنه ضيع كنزه، وهو زوجته "بنت العم"، التي لم يكن يحبها ولكنها تمثل أمانته والأهل.

يتساءل أحد الأبطال: "من قال انه ممكن نثور على حكامنا؟" وأحيانا تتأمل حالتنا بشكل أقرب للشاعرية كحال الفراشة التي تحلق نحو النار وكلها شوق وأمل في مزيد من النور!



.. بعيدًا عن أحداث الرواية شهد الملتقى أمس حضور الكاتبة والروائية السعودية نبيلة محجوب، والتي يستعد الملتقى لمناقشة أحدث أعمالها قريبا، كما أعلن عن شراكة تجمعها بالملتقى قريبا باعتبارها المشرف على أنشطة القسم النسائي في نادي جدة الأدبي وغيرها من المراكز السعودية الأدبية.

كما شهد الملتقى توقيع اتفاقية توأمة مع مؤسسة "متون" الليبية، برئاسة الشاعرة غادة البشاري؛ بهدف تبادل القراءة للمبدعين الشباب من البلدين، وقد قرأت إحدى قصائد ديوانها، كما أعلن حسام عقل عن شراكة أخرى تمت مع فلسطين، وأخرى مرتقبة مع العراق والسعودية وغيرها من البلدان العربية، مؤكدا أن نهر السرد جرت فيه مياه كثيرة، ولا يجوز أن يتوقف القاريء عن جيل الستينات من المبدعين العرب من أمثال الطيب صالح أو الطاهر وطار .







تعليقات