رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

نهال القويسني تكتب: دوكين ومارينغو

  • أحمد عبد الله
  • الخميس 15 أكتوبر 2020, 01:04 صباحا
  • 868
الكاتبة نهال القويسني

الكاتبة نهال القويسني

دوكين ومارينغو


أكثر من مفاجأة أحدثها هذا العمل الأدبي الاستثنائي، "دوكين ومارينغو"، للأديبة الجزائرية الشابة، الموهوبة زهرة كشاوي.


كان العنوان اول هذه المفاجآت، فهو يحمل بين دفتيه أسرار تاريخ لا تشي به تلك الأسماء والحروف من النظرة الأولي. تاريخ الخزي والعار للاستعمار الفرنسي في الجزائر، ونهب ثروات البلاد لتنقل إلي بلد المحتل عن طريق هاتين السفينتين اللتين تحملا اسماء دوكين ومارينغو.


والمفاجأة الثانية كانت الإطار الأدبي الغير تقليدي الذي اختارته واستخدمته الكاتبة لطرح الأفكار وشرح الاحاسيس وتداخلها مع الأحداث، ووصفها باقتدار بالغ وعمق ملفت للأنظار. 


اما المفاجأة الثالثة فهي الأديبة ذاتها، التي كتبت هذه الرواية وهي في الرابعة والعشرين من عمرها. قد أذهلتني هذه المعلومة بعد أن أتممت قراءة النص الأدبي. فكون الأديبة الشابة قادرة علي التأمل والغوص في الأفكار والمشاعر والشخصيات والأحداث بهذه الصورة، هو بكل تأكيد أمر استثنائي يستحق التأمل والتوقف أمامه.


الروائية الشابة تبحث وتتأمل وتغوص بعمق في فكرة الموت. تحاول سبر أغوار تلك الحقيقة الوحيدة المؤكدة، واكتشاف كنهها وماهيتها، عن طريق تتبع سيرة حياة واستشهاد أحد أبطال المقاومة الجزائرية، الذي فقد حياته بطريقة وحشية درامية علي يد المستعمر. فتتتبع خطاه، وتحاول اقتفاء أثره، وتاريخه وأحلامه ومشواره وفكره واستشهاده. 


هنا تكمن قدرتها العقلية المتميزة، رغم حداثة سنها، فهي تمعن النظر في مكونات الشخصية وتحاول تحليل الفكر والمشاعر والقيم التي كانت تحركها. وقد اختارت الطريق الصعب لتصل الي غايتها. فهي لم تلجأ الي التحليل العقلي أو المنطقي قدر لجوئها الي استحضار المشاعر الإنسانية، واستبطان الاحاسيس الوجدانية لشخصية المناضل الشجاع، الذي استبسل في الدفاع عن استقلال وطنه بجسارة، ولم يثنيه خطر الموت عن غايته. حاولت الكاتبة بكل ما تملك من قدرة تحليلية، استخدمت فيها الحس الأنثوي، الوصول الي أعماق وجدان بطلها في تجربة أدبية فريدة من نوعها، سواء من ناحية الإطار أو المفردات اللغوية والصياغة الأدبية.


والمدهش حقا ان تجد في متن الكتاب مناقشة فلسفية عميقة لأفكار وجودية مثل فكرة الوجود والعدم، أو أن شئت فقل الحياة والموت. فليس تقليديا ان يتم تناول هذه الفكرة الغامضة التي حيرت الفلاسفة علي مر التاريخ في إطار أدبي روائي. والملفت للنظر أن تتمكن الأديبة الشابة من مناقشة هذه الفكرة بأسلوب يعكس قدرتها العقلية علي التجريد. وهي قدرة لا تتأتي إلا للعقول الراقية.


في ظل هذا الإطار العام، تتداخل خيوط أخري لقصة عاطفية عصرية بين شخصية الراوية وشاب مصري يعاني ما يعانيه من تحديات وجدانية ونفسية، لتتشابك الخطوط وتقترب وتتماس، ثم تبتعد وتزداد الهوة في موجات من الاقتراب والابتعاد ومحاولات لفهم وتفسير النوازع الإنسانية بصورة تكاد تتماهي مع البحث عن حقيقة قصة موت البطل الشهيد.


الرواية تحتاج الي صفحات وصفحات من البحث والقراءة المتعمقة والتحليل الأدبي والنفسي والفكري والفلسفي. لكن كل ذلك لا يمكن أن يطغي علي الاحتفاء بالقدرة الأدبية واللغوية للكاتبة، وهي قدرة استثنائية صعب ان تجدها بين أبناء جيلها. فالكاتبة تمتلك معجم مفردات لغوي لا تخطئه العين، وقدرة علي الصياغة اللغوية الغير نمطية، والتي تتجلي فيها موهبتها الأدبية. 


غير أنه قد يؤخذ عليها الإفراط والاسترسال في وصف المشاعر وتداعي الأفكار بصورة قد تسبب ربكة للقارئ العربي، الذي لم يعتاد علي هذه النوعية من الكتابات الأدبية. كما قد يتسبب في فقدان الكاتب للسيطرة علي الأحداث والحبكة الروائية. فهناك مقاطع طويلة تمتد لعشرات الصفحات تتناول الأفكار والمشاعر ببلاغة فائقة وإسهاب لامتناهي في استرساله ورشاقته. ربما كان يصلح لوضعه في كتاب منفرد من النثر الشعري، من فرط تميزه، لكنه أثر علي الحبكة المطلوبة  لربط أحداث الرواية.


ومن ناحية اخري، تناولت الكاتبة في مقاطع مستفيضة، ببلاغة متميزة، معاناة الإبداع والكاتب في اقتناص الأفكار والوصول إلي الأعماق، ثم العثور علي المفردات المناسبة والصياغة الأدبية لتلك الأفكار التي تنقل للقارئ عمق التأثير الوجداني لها.


وفي النهاية، نحن أمام عمل أدبي متميز شكلا وموضوعا، إطارا ومتنا، وإن ظل شاهدا علي موهبة أدبية متميزة وأديبة واعدة ذات مذاق خاص.

تعليقات