ليلى إبراهيم تكتب: اللقطة!

  • أحمد عبد الله
  • السبت 19 سبتمبر 2020, 02:49 صباحا
  • 837

مؤخرًا شاهدنا وسمعنا عن واقعة القطار التي استحوذتْ علىٰ قدرٍ كبيرٍ وعجيبٍ من اهتمامِ الإعلام.

فتعالَوا بنا ننظر إلىٰ تلك الواقعة عن كثَب.

الكمساري يحَصِّل ثمن التذاكر، نظر إلىٰ مجنَّد مسكين كغالبية مجندي الجيش الذين هم من أصحاب الطبقة الفقيرة.

طلب الكمساري من المجند ثمن تذكرة الركوب، لكن الأخير يبدو أنه لم يكن يملك ثمنها، وما ثمنها؟! 22 جنيهًا.. تخيلوا؟!

الذي وقع من الكمساري أنه تنمَّر علىٰ المجند المسكين، وتمادىٰ في سخريته منه علىٰ مرأىٰ ومسمع من الركاب، وللأسف أظهر التصوير أن هؤلاء لم يحرِّكوا ساكنًا تجاه ما يقع، وهذا أمرٌ غير مفهوم حقًا. وفجأةً تظهر سيدةٌ ذات مروءةٍ وشهامة، وتبدي تعاطفها مع الشاب، فتدفع له ثمن التذكرة، وقالت له: اقعد مش هتنزل، وأقسمَتْ عليه ألا يفعل، ودفعت هي المبلغ المطلوب تحصيله.

حتىٰ هنا والأمر يسير بشكل طبيعي؛ فكثيرًا ما يتردد هذا الموقف في قطاراتنا بل وفي جميع وسائل المواصلات.

المهم يقرر الشاب أن يجمع كل معه من مال ليدفع المبلغ، ويقسم علىٰ السيدة ألا تفعل.

هنا تكمن الغرابة في الأمر؛ حيث بدأ موقف السيدة يستحوذ على اهتمام إعلامي غير عادي –وهو موقف مكرر يقع كثيرًا كما ذكرنا– وتجاهلنا البطل الحقيقي للواقعة وهو الشاب المجند بجيش جمهورية مصر العربية أم الدنيا، شاب ريفي من محدودي الدخل لم يملك ثمن تذكرة قطار.

أيُّ عيب!!!

من الوزير وغيره من المسؤولين الكبار الذين أخذوا اللقطة مع تلك السيدة التي نحترمها علىٰ أية حال؟!

لِمَ لَمْ يقصدوا الشابَ ويكرِّموه كذلك؟! لِمَ لَمْ يكرِّموا والديه علىٰ حُسن تربيتهم لابنهم، ويقدموا لهما أية مساعدة؟!

ولِمَ لَمْ يفكروا في نفسية الشاب بعد انتشار الواقعة علىٰ كافة وسائل التواصل الاجتماعي؟!

هل المهم في الأمر هو أن نأخذ اللقطة وحسب؟؟!! هل المهم الاهتمام بالدعاية والشو الإعلامي؟؟!! من وجهة نظري أن الواجب أن يُحاسَب كل من تسبب في إهانة ذلك الشاب المجند المسكين بدءًا من الوزير وانتهاءً بالكمساري.

لا تهليل ولا تطبيل لموقف عادي يقع من أي رجل أو أية امرأة بهما قدر من الإنسانية والمروءة، تواصلَتِ جهاتٌ سياديةٌ مع السيدة، وأرسلت الهدايا الثمينة، وكأن الرحمة صارت أمرًا غريبًا علىٰ المجتمع المصري بحيث صارت تُثَمَّن بالهدايا والمادة، كلا وألف كلا. أرىٰ أن من يستحق التكريم هو ذلك الشاب المسلوبة إرادته وكرامته أمام الناس، لابد من تعديل القوانين كي نطَّلع علىٰ ظروف كل مجند؛ لأن الدولة مسؤولة عنه، وهو يعطي لها وقته وجهده، وقد يضحي بحياته كلها دفاعًا عن أرضه.

أقَلُّ ما يمكن أن نفعله أن نُغنيَه كي لا يقع في أمثال تلك المواقف.

انظروا له ولأمثاله، وعوِّضوهم عما فقدوه، عوِّضوا الشاب عن عواقب تلك الواقعة التي أشك أن يعوِّضها شيء.

دعكم من التطبيل لمواقف من المفترض أنها طبيعية؛ لأن الرحمة طبيعة في فطرة الإنسان. هذه تصرفات طبيعية جدًا لا تستحق كل تلك البروباجندا المستفزة، فاعقلوها يا أُولي الألباب.

ملاحظة: بدَهيٌّ أني لم أقلل أو أهَوِّن مطلقًا من تصرف السيدة، بالعكس فكل حر كريم لابد أن يشكرها عليه، لكن أنا أعجب فقط أن الموضوع تصاعد ونال أكبرَ من حجمه بشكل قد يكون مستفزًا.

تعليقات