عزة عز الدين تكتب: خارج النصّ!

  • أحمد عبد الله
  • السبت 12 سبتمبر 2020, 02:33 صباحا
  • 1216
الكاتبة عزة عز الدين

الكاتبة عزة عز الدين

خارج النص


ثمة قضايا شائكة لا تتقادم ولا ينتهي فيها الجدل،  قضية تحرير المرأة التي أشعل فيها قاسم أمين شرارة البدء وأحدثت حِراكاً واختلافاً في كل ما يتعلق بشئون المرأة  أحد هذه القضايا.

ففي مطلع القرن العشرين دارت أطول المعارك الفكرية ضمن كتاب " تحرير المرأة"  للكاتب قاسم أمين.


وعلى غِرار الأفلام الوثائقية دارت الحلقة الجديدة من برنامج " خارج النص" فسلّطت الضوء من جديد على هذه القضية الشائكة والتي لم يُحسم فيها الجدل بعد رغم كل التطورات والمنعطفات التي شملت  مناحي الحياة المختلفة للمرأة.


وقد استوقفني في بداية الحديث جملة عن المرأة " عالة لا تعيش إلا بعمل غيرها"، ربما جاء في توظيف هذه الجملة شيئ من الغبن في حق المرأة،

 أولاً لأن المكلف أصلاً بالإنفاق هو الرجل،

 وثانياً لأن الواقع أصبح مخالفاً تماماً لهذه الجملة، حيث تعمل الآن أغلبية النساء، بل والأكثر أحياناً تتبدل الأوضاع في شكل درامي بائس فنجد المرأة هي من تنفق على الرجل وتتحمل أعباء الأسرة من كل النواحي.


كان الحديث في الحلقة أشبه بالشد والجذب بدايةً بإصدار الكتاب، مروراً بتفاصيله في أحقية المرأة في التعليم والثقافة والاختلاط والعمل واختيار الزوج بل والتخفف من الزي السائد وقتها، فيما شبههه المعارضون  بالسفور، ثم انتهاءً لما أصبح عليه المجتمع من أنماط مختلفة تماماً لما كانت عليه المرأة من قبل.

ولم يكن كتاب قاسم أمين " "تحرير المرأة"  هو أول ما  سلّط الضوء على الأوضاع الاجتماعية الظالمة التي كانت تعيشها المرأة، بل سبقه محاولات تناولت بعض أفكار الكتاب إلا أنها لم تحظ بجدل وتأثير مماثل.


تتابعت خلال الحلقة الرؤى والأفكار، قال د. حاتم عبد العظيم :  كتاب قاسم أمين كتاب اختلط فيه خيرُ كثير بشرٍ كثير والتبس فيه كثير من الأفكار الصحيحة بأخرى من المشوهة الزائفة.


وقالت د. فاطمة حافظ باحثة في التراث : كتاب قاسم أمين لا يمس ثابتاً من ثوابت الدين.


ثم تحدث د. حسام عقل باستفاضة أكثر موضحاً موقفه ورؤيته للكتاب في عدة نقاط جوهرية 

قاسم أمين لم يدع صراحة إلى أن تخلع المرأة حجابها فتتصف بالسفور،  ربما الذين يتأولون نص قاسم أمين هم الذين فسروه بذلك ومضوا به إلى ذلك الشاطئ 

واستكمل قائلاً أن قاسم أمين لم تشغله مسألة الزي أصلاً إلا في جزء محدود من الكتاب ولكن كانت تشغله القضية النسائية بشكلٍ عام، وقضية الحرية لأنه ربط في انعطافة واسعة بين الحرية العامة وحرية المرأة.


وأضاف د. حسام أن قاسم أمين انطلق من مجموعة من المشتركات حيث دعا مثلاً إلى تعليم المرأة وتسلحها بالثقافة والعلوم وهذا لا يختلف عليه اثنان مهما كانت توجهاتهم الفكرية، بل و يتطابق تماماً مع الفكر الإسلامي، وأضاف أن طلعت حرب في " تربية المرأة والحجاب" اتفق و قاسم أمين في هذه النقطة، وكذلك العلّامة فريد وجدي.


كما أشار د. حسام عقل إلى أن المرأة المصرية والعربية أفادت من هذا السجال الذي أحدثه الكتاب فبدأت تطرح الفكرة في أروقة البرلمان والصحف والكتب وبدأ الناس يتحدثون حتى التحم المشهد الفكري العربي بالمشهد الفكري الأوروبي والإنساني فأصبح الحديث عن حقوق المرأة في كافة المجالات قضية رأي عام.


وجدير جداً بالذكر أن الزعيم مصطفى كامل كتب مقالا ً في يناير ١٩٠١، بعنوان " ضد السفور"  عارض فيه قاسم أمين في دعوته للسفور كما رأى، وجاء في المقال أنه سافر أوروبا مرات عديدة، وشاهد المرأة الغربية فرأى أن الحرية المطلقة أفسدت من علومها ومحت الكثير من الأخلاق الفاضلة، وأن دول الغرب التي اتخذها قاسم أمين نموذجاً تخالف بلادنا من حيث الدين والأعراف مخالفة تامة. وهكذا اختلف معه الزعيم مصطفى كامل، ولكن أيده في ذات الوقت الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني.


ولا شك أن قاسم أمين قد حافظ على الخط الفكري الذي رسمه لنفسه  معلناً التزامه التام بالأخلاق وإن دعا لتحرير المرأة فليس بينهما تعارض.


توفي قاسم أمين عن عمر يناهز ٤٥ عاماً تاركاً وراءه قضية شائكة لم تحسم حتى اليوم رغم كل هذا الحراك والتغيرات.


ويبقى السؤال مطروحاً للنقاش ما أثر تلك الطفرة الناتجة عن الكتاب في حياة المرأة؟  هل سعة ورغد أم  ضيق وشقاء؟ وهل أنصف قاسم أمين المرأة فعلاً بهذه الطفرة أم قالت إحداهن ليته ما كان؟

تعليقات