خطاب معوض خطاب يكتب: الساقطة إنشراح على مرسي.. الحلقة الرابعة

  • جداريات 2
  • السبت 15 أغسطس 2020, 01:53 صباحا
  • 1312
الجاسوسة إنشراح

الجاسوسة إنشراح



وانطلقت إنشراح وحدها مسافرة إلى روما، وهي تنوي تسليم ما معها من نيجاتيف الصور _التي التقطتها هي وزوجها للمواقع العسكرية المصرية_ لرجال الموساد، وأيضا إخبارهم بالقرار الذي اتخذوه وهو اعتزالهم العمل بالجاسوسية، وبالفعل التقت إنشراح الضابط الداهية "أبو يعقوب"، والذي استمع إليها بتركيز واهتمام بالغين وهي تقص عليه ما سمعته بأذنيها وشاهدته بعينيها على شاشة التليفزيون المصري، عن ذلك الجاسوس الذي ألقت السلطات المصرية القبض عليه وما زالت تواصل التحقيق معه حتى الآن.

وبعدما فرغت إنشراح من حديثها، نظر إليها الداهية "أبو يعقوب" نظرة تحمل معاني كثيرة، ثم توجه لها بالسؤال: "وهل صدقتم ما ادعاه المصريون عن ضبط ذلك الجاسوس؟! هل أنتم سذج لهذه الدرجة؟!".

ثم قال لها بلهجة الواثق: "إن هذا الإعلان المصري عن ضبط جاسوس، ما هو إلا دعاية فجة يزهو بها النظام المصري أمام شعبه، لكي يثبت لهم أنه موجود وقوي ويحكم، وفي نفس الوقت لكي يواري ضعفه"، وصمت قليلا ليشعل سيجارة ثم قال لها وهو ينفث دخان سيجارته: "لقد شعر النظام المصري بالحرج لعدم استطاعته قتالنا، وأمام الضغوط الداخلية الواقعة عليه لم يجد هذا النظام امامه إلا اختراع هذه القصة الوهمية، ليواري بها خيبته أمام الشعب المصري".

وهكذا وبهذه الكلمات طمأن "أبو يعقوب" ضابط الموساد الداهية عميلته الجاسوسة "إنشراح علي مرسي"، وبعدما اطمأنت نفسها وهدأت روحها دعاها الداهية للسهر معه في أحد ملاهي روما الليلية احتفالا واحتفاءا بمقدمها.

وهناك في الملهى الليلي، وبينما تنساب نغمات موسيقية حالمة وسط أضواء خافتة وجو رومانسي، دعاها "أبو يعقوب" للرقص، فاستجابت له ورقصا معا على أنغام الموسيقى الحالمة، ووقتها بدأت إنشراح تشعر وكأنها تهيم وسط السحاب ولم تشعر بنفسها إلا وهي تضمه إليها، وبعدها دعاها للشراب فشربا معا حتى ثملت وترنحت ولم تعد قدماها تقويان على حملها.

وفي آخر الليل بعدما سهرا ورقصا وشربا معا حتى الثمالة، اصطحب الداهية "أبو يعقوب" عميلته المترنحة إنشراح معه إلى منزله، وهناك قضت إنشراح ليلتها على سريره وبين أحضانه، حيث أذاقها من فنون الحب ما لم تعرفه أو تجربه من قبل، وكانت كلما مضى بهما الوقت تزداد شغفا وهياما بهذا الضابط الإسرائيلي، الذي أحيا أنوثتها التي كادت تموت، وأشعل فيها الرغبة ومنحها جرعات من ألوان الحب عوضتها عن ما حرمها منه زوجها، بانشغاله عنها تارة وبسبب مرضه اللي طال تارة أخرى.

وبعد هذه الليلة لم تنس "إنشراح علي مرسي" أن تؤكد على الداهية "أبو يعقوب" أن يرسل في طلبها وحدها دون زوجها بعد ذلك، وذلك لكي يخلو لهما الجو معا في روما، ويستعيدا ذكريات وأحداث تلك الليلة الجميلة التي أنستها كل لياليها بل وحياتها السابقة.

وبرغم أن ما فعله ضابط الموساد الداهية "أبو يعقوب" يخالف ما يتبعه جميع ضباط المخابرات في العالم، حيث أنه من المعروف أن أي ضابط مخابرات ممنوع عليه إقامة علاقة عاطفية مع أي عميلة لديه، وهذا من أبسط وأهم قواعد الجاسوسية المتعارف عليها، إلا أن هذا الداهية فعل ما فعله عامدا متعمدا، وذلك لرغبته أولا في السيطرة على عميلته واحتوائها، لأنها كانت تريد اعتزال العمل بالجاسوسية، وثانيا لكي يضمن ولاءها التام له ولجهاز الموساد، بعدما عشقته بكل جوارحها وأصبحت أسيرة له، بعدما منحها وأذاقها جرعات لا تنسى من الحب، وهكذا سقطت إنشراح علي مرسي في مستنقع الرذيلة بعدما سقطت من قبل في مستنقع الجاسوسية.

وعادت "إنشراح علي مرسي" من روما وهي تحمل لعائلتها الكثير من الهدايا التي جعلتهم يطيرون فرحا، وازدادت فرحتهم أكثر وأكثر بعدما طمأنتهم وأخبرتهم أن كل ما يحذروه ويخشونه ما هو إلا دعايات كاذبة ليس إلا، كما بشرت إنشراح زوجها إبراهيم شاهين بأن الإسرائيليين قد ضاعفوا لهم رواتبهم ومكافآتهم بعد هذه الزيارة الأخيرة.

وبعدما اطمأنوا مرت الأيام والشهور على عائلة الجواسيس، وهم يعملون بكل اجتهاد وإخلاص في تقصي وجمع المعلومات،  والقيام بإرسالها في خطابات مشفرة لرجال الموساد في روما، واستمروا على ذلك حتى وقعت الواقعة.

فقد قامت قوات الجيش المصري بعبور قناة السويس في يوم 6 أكتوبر سنة 1973، كما قامت هذه القوات بتحطيم خط بارليف الحصين، وحطمت معه أسطورة العدو الإسرائيلي الذي لا يقهر، وهكذا انتصرت مصر على إسرائيل في مفاجأة لم يتوقعها أحد لا في مصر ولا في إسرائيل نفسها، وبهذا النصر أكدت مصر تفوقها على إسرائيل عسكريا ومخابراتيا، لدرجة أن حكومة إسرائيل قد قامت بعد هزيمتها في الحرب بتغيير جميع قيادات جهاز الموساد.

وبادر رجال جهاز الموساد الجدد باستدعاء عائلة الجواسيس، وبالفعل سافرت العائلة كلها أولا إلى تركيا، ومن هناك سافر إبراهيم شاهين إلى أثينا بعدما ترك جميع أفراد عائلته بتركيا، وهناك التقى "أبو يعقوب" ثم سافر باصطحابه إلى إسرائيل ليعرفه بالقيادات الجديدة.

وفي إسرائيل اجتمع قادة جهاز الموساد الجدد بالجاسوس إبراهيم شاهين، حيث فوجئ بهم يستجوبونه وشعر كأنه في محاكمة وهم يسألونه لماذا لم يخبرهم بموعد قيام حرب أكتوبر التي فوجئوا بها؟ ولماذا لم يؤد عمله المطلوب كما يجب؟.

وبعدما عدد لهم خدماته الكثيرة التي قام بها من أجل إسرائيل، قال لهم إبراهيم شاهين إن موعد الحرب كان سريا، وإن المصريين قد قاموا بالتمويه حينما قاموا بمنح الضباط أجازات، وأيضا حينما أرسلوا بعض الضباط لأداء العمرة، وأخيرا قال لهم إنه حتى لو علم بموعد قيام الحرب قبلها بأسبوع وأراد أن يرسل لهم خطابا بالموعد، لقامت الحرب قبل أن يصل لهم هذا الخطاب.

وبعد انتهاء استجواب رجال الموساد لرجلهم وعميلهم الجاسوس إبراهيم شاهين، تشاور رجال الموساد في أمر عائلة الجواسيس ومصيرهم بعد الحرب، وأخيرا اتخذ رجال الموساد بالإجماع قرارا خطيرا، فما هو هذا القرار يا ترى؟ هذا ما سوف نعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، فانتظرونا.


المصادر:

كتاب "أشهر وأخطر الجواسيس عبر العصور" محمود عبد الله.

كتاب "كل شيء هادئ في تل أبيب" حسني أبو اليزيد.

برنامج النادي الدولي، حوار سمير صبري مع الجاسوسة.

كتاب "جواسيس الموساد العرب" فريد الفالوجي.

جريدة الأهرام الصادرة يوم 5 أكتوبر 1974.

فيديو للجاسوس "رافي بن ديفيد".


*نشر للمرة الأولى في يوم 9 سبتمير 2019.

تعليقات