مصطفى فتحي صقر يكتب: تحولات "ناجي وراضي" في "بير سكران"

  • جداريات 2
  • الخميس 13 أغسطس 2020, 2:38 مساءً
  • 1576
غلاف الرواية

غلاف الرواية

للمرة الثانية، يطلّ علينا الكاتب أحمد عبدالعزيز، مدير تصوير بالتليفزيون المصري، من شُرفته الثقافية الخاصة، مُهديًا إلينا روايته الجديدة «بير سكران»، بعد مجموعته القصصية الأولى «ديك سعاد»، التى نشرها منذ بضع سنوات. يُقرأ الكتابُ من عُنوانه، وعنوان روايتنا «بير سكران» ينطوي على كلمتين، «بير»: وتوحي بالعمق والتعمق، وسبر أغوار الشخصيات، وكشف أسرارها وتحولاتها، وصفاتها، ومشكلاتها، وكل ما يتعلق بها، عن طريق الوصف الدقيق لكل شخصية من شخصيات الرواية، ما يشعرك بأنك تشاهد فيلمًا أمامك، وليس قراءة رواية مكتوبة بين دفتى كتاب، كما أن كل شخصية تتشابه مع شخص قابلته في حياتك، ربما جارك، أو صديقك، أو قريبك.. و«سكران»: توحي بالسلبية والغياب عن الواقع.. والتخبط في التيه والضلال. وفي الحقيقة، هذا العنوان ينطبق تمامًا على فكرة الرواية التى بين أيدينا، والتي تصل صفحاتها إلى مائتين وثلاث عشرة صفحة، حيث تتمحور فكرتها حول ناجي، الشباب السكير السلبي، وتحوله فجأة من حياة السكر والدعارة والغانيات، إلى الهجرة والجهاد، ضد الإنجليز في أقاصي مطروح. اختار كاتبنا فترة زمنية مهمة، أثير الجدل كثيرًا حولها، وهي فترة ثورة ١٩١٩. التي وُصفت بأنها أعظم الثورات، وقدحها آخرون بأنها أخذت أكثر من حقها، بل كانت ثورة على الدين، لنشر التبرج، حتى قائدها نفسه «سعد زغلول» رفعه آخرون لمرتبة الشيوخ والمفكرين والمصلحين، مثل الدكتور محمد عمارة، الذي نشر له- لسعد باشا- كتابًا في الفقه.. وهبط به آخرون لسابع أرض، متهمين إياه بالقمار وغير ذلك، استنادًا لمذكراته. التحول من حال إلى حال، وسخرية الحياة، ربما تكون هذه هي الفكرة الرئيسية التي دارت حولها الرواية، ونُسجت منها خيوطها، فناجي، الشاب السلبي، السكير، زير النساء، يتحول فجأة لشاب يحمل قضية، ومجاهد يحمل سيفه، يضرب معسكرت الإنجليز في كل مكان، وقبل ذلك يعيش قصة حب عفيف، مع هند، بنت الشيخ راضي، قائمة على الإخلاص والاحترام والتقدير، بعد أن كان زبونًا دائمًا على شقق الدعارة وبيوت الغانيات، التي كانت سائدة في هذا الوقت، ثم ألغيت بعد ذلك، بفضل النائب الشهير، سيد جلال، صاحب مستشفى سيد جلال.

وكما عوّدنا الكاتب في مجموعته القصصية الأولي «ديك سعاد» من دقته في اختيار الألفاظ المناسبة لكل موقف حواري بين الشخصيات، نجح هنا أيضًا في اختيار الألفاظ التي تناسب أهالي مطروح المجاهدين، وكذلك الألفاظ المستخدمة في شقق الدعارة وبيوت الغانيات. اتسمت الجُمل الحوارية بالعمق والخفة والرشاقة، سواء بين ناجي وسعيد صديقه، أو بين ناجي والشيخ راضي الذي تحول أيضًا من زير نساء، لرجل محب ومخلص لزوجته، وصاحب قضية في الدفاع عن وطنه.

من الأمور المهمة، التي يجب لفت الانتباه لها، أن البطل حينما وجد قضية تحوّل من شخص لآخر، وهذا هو الدرس المستفاد- في رأيي- من الرواية.. فالفرق بين الناجح والفاشل، هو وجود قضية يؤمن بها، ويسعى حثيثًا لخدمتها بكل ما أوتي من قوة. كما يلفت انتباهنا الكاتب إلى الخصال الحميدة، الموجودة في بعض السكارى، فقد يفعل السكير ما يعجز عنه أهل الصلاح، فناجي السكير هنا يعطف على اليتامى والأرامل. أيضًا تم تسليط الضوء على الأغنياء الذين يدهسون الفقراء فى طرقاتهم، دون شفقة أو رحمة، كأن روح الإنسان لديهم، تساوي عَشوة حلوة، في مركب علي النيل. ومن أجواء الرواية نقرأ: «الحكومة لا تبحث عن المُعدمين لتعطيهم، بل تبحث عن المُخطئين لتعاقبهم». يُذكر أن أحمد عبدالعزيز، كاتب مصري، ومدير تصوير بالتليفزيون المصري، صدرت له قبل ذلك مجموعة قصصية «ديك سعاد»، وله روايتان وديوان شعر تحت الطبع.

تعليقات