د. زينب أبو سنة تكتب: رؤيةٌ نقديةٌ للقصةِ القصيرةِ «الحافلةُ»

  • جداريات 2
  • الجمعة 29 مايو 2020, 5:28 مساءً
  • 1729
د. زينب أبو سنة

د. زينب أبو سنة

بدأت الكاتبةُ القصةَ بفقرةٍ جذّابةٍ؛ لشدِّ انتباه القرّاء ودفعِهم إلى متابعةِ القراءةِ بعيدًا عن المللِ، كابتداءِ النصِّ بحدثٍ غير متوقعٍ أو مفاجئ، أو بنزاعٍ يثير اهتمامَهم؛ لمعرفةِ النهايةِ، فاستهلَّت القصةَ بفقرةٍ تثير الانتباهَ والدهشةَ قائلةً: "امتطى صهوةَ قلبِه، لبى نداءَ العادة، شرعَ في ارتداءِ ملابسِه، وانتقى البدلةَ التي أعدها للمناسباتِ". 

وقد حَدَّدت الكاتبةُ الشخصيةَ الرئيسيةَ في النَّصِّ وسَرَدت الأحداثَ من خلالِ تأثُّرِ الشخصيةِ وتفاعلها بالأحداثِ التي حولها، وكمّ المعلوماتِ التي تفصِحُ عنها خلال قصتها، وقد حددت الكاتبةُ معالمَ الشخصيةِ التي لعبتْ الدورَ في القصةِ من خلالِ أبرزِ المعالمِ ، بأنه رجل  متقدمٌ في العمرِ على ما يبدو عليه، فهو مثقل الخطى، كما جاء في النص "رغم المعاناة في الترجل، حسّ الخطى للوصول إلى المحطة".

كان من اهتماماتِه المعتادةِ كأبٍ حنونٍ الحرص على زيارة ابنتِه قبل حلولِ شهر رمضان حاملاً لها كلَّ احتياجاتِها للشهرِ الكريمِ من ياميش، وحلوى وشراء الفوانيس لأحفاده؛ لإدخال البهجة والسرور عليهم، وهي من العادات الموروثة للآباء عن الأجداد تجاه أبنائهم في المناسبات المختلفة، كالمناسبات الدينية والأعياد وغيرها. 

أثارت الكاتبة التشويق في القصة، وجنبت الإفصاح عن كافة التفاصيل والأحداث، حيث  جعلت حالة من التشويق والحيرة بما سوف يحدث، وذلك من خلالِ طرحِ عدة أسئلةٍ  دراماتيكية مشوقّة تستدعي القارئ إلى التفكير، وذلك عندما اكتشف سرقةَ محفظتِه في الحافلةِ، صرخَ قائلاً: المحفظة ..  المحفظة .. لا حول ولاقوة إلا بالله .. ماذا أفعل؟ أأقوم بزيارة ابنتي هكذا؟ تُرى ماذا يقولُ زوجُها؟ ألهذا الحد أصابني العوز؟ أهكذا تؤول الأمور؟ هل أظل صامتًا؟ ها أنا ذا أصل إلى المنزل، ربما كان الرجوعُ أجدر، وأكرم لي ولابنتي.

وهنا يرفض الأب فكرة أن يظهر  بمظهر غير لائقٍ أمامَ زوجِ ابنتِه، كما أنه لا يريد كسر خاطِرِها وفرْحتِها وكرامتِها أمامَ زوجِها، بعدما أصبح الأمرُ محرجًا بالنسبة له ولابنته.

كتبت المؤلفة الحوار بالشكل المناسب، وأدرجت الصراع خلال الأحداث؛ لتقودَ القصةَ إلى لحظة التأزم، عندما اكتشفَ الأبُ سرقةَ محفظتِه في الحافلةِ، قبل أن يقومَ بشراءِ ما اعتادَ على شرائِه في زيارتِه لابنته.

وبعد أن وصل الصراع إلى  ذروتِه، توصلت المؤلفةُ  للحلِّ وأنهتْ الصراعَ بالاعتمادِ على عنصرِ المُفاجأةِ والتشويقِ.

لم تتركْ الكاتبةُ النهايةَ مفتوحة؛ بحيث يتسنى للقارئ أن يُخمِّنَ النهايةُ المناسبةُ للنصِ من خلالِ حصرِ النتائجِ الأخيرةِ. فعندما استسلم الأبُ للأقدارِ وهمَّ بوضعِ يده على الجرسِ، إذا بالباب يُفْتَح، استقبلَته ابنتُه بالأحضانِ في فرحٍ شديدٍ مما أثار دهشته التي ازدادت عندما أشارتْ إلى أكياسِ الياميشِ في أحَدِ الأركانِ قائلةً له: "كل سنة وانت طيب يا بابا ..ليه كل ده..كتييير قوي؟!.. ربنا مايحرمنيش منك؟ " فنظر إليها حائرَ العقلِ فاغرًا فاه... غير أنها بددتْ حيرَتَه حينما قالت: لقد أرسلَ اليومَ ( عم كريم ) صاحب محل الياميش ما أوصيتَه به منذ أيام. 

كما أوضحت الكاتبة من بين سطورِها عن مدى اهتمامِ الآباء بأبنائهم -تحتَ أيِّ ظروفٍ صحيةٍ أو ماديةٍ- في أيٍّ من المناسباتِ وفقًا للعاداتِ والتقاليدِ الموروثةِ منذ القدمِ لدى المصريين.

تحيةٌ طيبةٌ مني للكاتبةِ «وفاء عبد الحفيظ»

تعليقات