«سيدي محب».. قصة قصيرة للكاتب شعبان القاص

  • جداريات 2
  • السبت 23 مايو 2020, 1:37 مساءً
  • 1921

جاءتني هذه المرة كما أحب، جاءت في تنورتها وتحجيبتها السماويتين  وبلوزتها البيضاء،  ثيابها الفضفاضة لم تخف جسدها البض المنحوت بفتنة، أو ربما كان ذلك يبدو لعيني فقط، هل كنا في دائرة أحد أحفاد الإقطاعيين العمامرة في الكرنك؟ لم أستطع التمييز،  كان الرجل يتمطى في "الجلابية البلدي " قصيرا وبدينا وله شعر ناعم مفروق،  لم يكن مثل "بهوات زمان" بدا لي مثل تاجر وكالة ، ويحتاج إلى مندوبين مبيعات، هل كانت تشير له نحوي من بين المتقدمين؟ هل كانت تلاطفني وأنا أنتظر دوري؟ أنا فقط كنت مأخوذا، لكن الذي أنا متأكد منه أنني لم أتجاوب معها ، لظني أنها زوجته، أمسكت بيديّ وراحت تدور بي مثل فراشة ، حتى وصلنا إلى مكتبه ، ثم أطعمتني حبة الكرز التي كانت بين شفتيها ، رميت جسدي على الكرسي وأنا أقول : أنا دخت ، أنا لا أقدر على ...

بينما قال هو : تعال ، ثم  تابع متهكماًوهو ينظر إليها :

 لما نشوف الذي ملأت سمعته الجمهورية كلها!!

تلبستني العظمة فجأة ، هي إذن سكرتيرته أو عشيقته وربما زوجته السرية التي يستعين بها في مثل هذه الصفقات المربحة ، وافقت على العمل معه على أن نتقاسم الربح ، هبط الليل فجأة ، واستعد الجميع للرحيل ، قلت لها : سانتظرك كي أوصلك ، فابتسمت بالموافقة ، صاح فجأة:

 إذن سوف تعمل عندي متطوعاً .

 مثل ثائر قديم صحت رافضا ، وأسرعت بها خارج وكالته ، في الشارع الفسيح  كانت تسير بجواري وكانت الأضواء خافتة ، فجأة اختفت  وأنا أتلفت حولي وأردد : هذي حتما "جنية" سلطها عليّ ذلك اللعين ، ثم لمحتها تجري في نهاية الشارع ، عرفتها من ثيابها ، تبعتها من شارع لشارع ، حتى إذا ما إقتربت منها ، تحولت إلى طفل صغير يقف مع والده ، يرتدي بذلة صيفية بنفس لون ثيابها ، ثم لمحتها تجري نحو شارع "النجع الطويل" ، توقفت للحظة ، إذا تبعتها فذلك يعني أنني سأمر على الكوم الأحمر خلف المعبد، ذلك الذي تسرح فيه عفاريت الفراعنة ، عفاريت قتلى المعركة التي خاضها "حورمحب" راح الظلام يشتد ، ورحت أنا أيضاً أشتد في الجري ، عواء كلاب كان أم عواء ذئاب ذلك الذي كان يملأ الأفق؟ لم أهتم ، لم أخف إلا من فقدها ، تلقاني عفريت من جيش الشمال قائلا :

-        عدي النهر وروح على دندرة راح تلاقيها هناك .

سألت متعجباً : هي مين؟

-        حتحور

لم أكد أتجاوز باب العبد ، حتى تناوشني عفاريت المعبد ، ركضت بأقصى طاقتي ، وقبل أن أصل إلى النهر ، فجأة تسمرت قدماي ، تيبست مفاصلي جميعها ، استحال جسدي صلبا ، تحجرت مقلتيّ ، وكان آخر ما وصل لمسامعي صوت متهكم :

-        هو ذا سيدي محب !

 

تعليقات