في ذكرى وفاته الحادية عشرة..رؤوف عباس أول من تنبأ بثورة يناير

  • حاتم السروي
  • الأربعاء 26 يونيو 2019, 6:05 مساءً
  • 957
المؤرخ والكاتب رؤوف عباس حامد

المؤرخ والكاتب رؤوف عباس حامد

تمر بنا اليوم ذكرى وفاة المؤرخ الكبير رؤوف عباس حامد أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة وصاحب مدرسة في التاريخ الاجتماعي وأيضاً رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية منذ عام 1999 وحتى وفاته عام 2008.

وعندما نتحدث عن رؤوف حامد عباس نجد أنفسنا داخلين في رحاب عالم تاريخي له ثقله بحيث امتد تأثيره إلى بعض الباحثين في ألمانيا واليابان وفرنسا والولايات المتحدة فقد ساهم في تكوين الكثير من طلاب التاريخ ليس في مصر فقط بل في الدول التي نوهنا عنها أيضاً، وأعماله كذلك لم تقتصر على اللغة العربية فقد عرفت له كتابات باللغة الإنجليزية، لكل ذلك ولكثيرٍ غيره منحته الدولة جائزتها التقديرية في العلوم الاجتماعية وأيضاً وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

ولد الدكتور رؤوف صاحب الجذور الصعيدية في مدينة بورسعيد في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1939، لأسرة رقيقة الحال شأن معظم المصريين في ذلك الوقت وفيما تلاه من أوقات وكان والده في أدنى درجات السلم الوظيفي حيث كان عاملاً في السكة الحديد يكثر من التنقل بحكم عمله، لذا عاش مؤرخنا مع جدته في القاهرة منذ عام 1943  والتحق بكُتَّاب يعرف باسم " مدرسة الفتوح الجديدة الأولية" بأرض البدراوي التي تقع في ظهير شارع شيكولاني بشبرا، وفيه تعلم القراءة والكتابة وقواعد الإملاء والحساب ثم  استكمل المرحلة الأولى من تعليمه الأساسي، وكانت مدرسته الابتدائية بحي شبرا تسمى مدرسة "السيدة حنيفة السلحدار" ومنها انتقل إلى مدرسة شبرا الثانوية المقامة بقصر الأمير طوسون وفيها بقي لعام واحد انتقل بعده إلى طوخ حيث كان يسكن أهله في تلك الفترة.

وفي طوخ التحق بمدرستها الثانوية ثم انتقل إلى مدرسة الشهداء بقرية طنوب التابعة للمنوفية وكان عمل والده فيها تلك المرة، وبذلك يكون رؤوف عباس قد أخذ لفةً في عدة مدارس بمحافظات مختلفة وبالتأكيد ساهم ذلك في صقل خبرته وتشكيل وعيه وزيادة معلوماته.

وفي عام 1956 تطوع بدافعٍ من نزعته الوطنية للدفاع عن مصر ضمن أفراد الحرس الوطني وأتم بالفعل تدريباته العسكرية لكن الفرصة للمشاركة في المجهود الحربي لم تتح له.

وبعد إنهاء دراسته الثانوية التحق بقسم التاريخ في كلية الآداب جامعة عين شماس وتخرج منه عام 1961 بتقدير جيد، وعمل بعد تخرجه في مهنة بعيدة عن التاريخ وهي "مراجع حسابات" في إحدى الشركات الحكومية بمدينة كفر الزيات وأثناء تلك المرحلة أكمل دراساته العليا وقدم رسالته لنيل درجة الماجستير الذي حصل عليه من جامعة عين شمس بتقدير ممتاز مع التوصية بالطبع وذلك عام 1966، وكان عنوان أطروحته " تاريخ الطبقة العاملة المصرية"، وأثناء دراسته للدكتوراه قدم استقالته من الشركة التي كان يعمل فيها مراجعاً للحسابات وتم إلحاقه بقسم التاريخ في جامعة عين شمس ليعمل فيه معيداً وحصل على الدكتوراه عام 1971 بتقدير مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالطبع وعنوان رسالة الدكتوراه التي قدمها "الملكيات الزراعية الكبيرة في مصر" وقد أشرف عليه الدكتور أحمد عزت عبد الكريم في الماجستير والدكتوراه معاً.

وفي 30 ديبسمبر عام 1981 حصل على درجة الأستاذية في التاريخ الحديث وترأس قسم التاريخ بآداب عين شمس من عام 1982 حتى عام 1988.

ولا يمكن أن يفوتنا في هذا السياق ذكر مناصبه خارج إطار الجامعة التي ساهم في دعوته إليها من جانب القائمين عليها ما له من سمعة طيبة في العلم والفكر ، ورأيناه عمل رئيساً لوحدة الدراسات التاريخية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيساً للجنة العلمية لدار الوثائق القومية وعضواً في لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة.

وهو الذي اعتنى بمذكرات الزعيم الوطني الراحل "محمد فريد" وأعد لها دراسة وتحقيقاً نشر معها في عام 1975، كما شملت دراساته الحركة العمالية وأحوالها وقضايا التاريخية وألف لذلك مصنفه بعنوان "الحركة العمالية في مصر" والذي تم نشره عام 1966 وهو في الأصل أطروحته التي قدمها للحصول على الماجستير، واهتم بظاهرة الحركات اليسارية في مصر فوضع كتابه "هنري كورييل والحركة الشيوعية المصرية"، وبنظرة الباحث العلمي ونزعة الدرس والتأمل والتمحيص أصدر تقييمه الشامل لثورة يوليو 52 في كتابٍ له بعنوان "ثورة يوليو.. إيجابياتها وسلبياتها بعد نصف قرن" وهو الكتاب الذي رأى النور عام 2003، وكتب رؤوف عباس بوجهٍ عام تصل إلى عشرين كتاباً باللغتين العربية والإنجليزية وكلها في مجال تخصصه وهو التاريخ الحديث والمعاصر.

ثم أصدر سيرته الذاتية عام 2004 بعنوان "مشيناها خطىً" لينقل إلينا فيها خبرته الواسعة وتجاربه العلمية وآراءه التاريخية وتقييمه للوضع المصري وما يصبو إليه لرفعة وطنه ومواطنيه، ويعد هذا الكتاب من أهم إصداراته حيث تحدَّث فيه  عن كفاحه ورحلته في الحياة والبحث العلمي ومحاولة إجابة السؤال الأزلي الذي يدور في ذهن وروح كل إنسان وهو ما معنى الحياة، ما معنى الوجود؟.

وقد روى سيرته بكل تفاصيلها دون أن يخجل من ذكر أي شىء عن حياته الخاصة وكان صادقاً وشفافاً، وفي الكتاب تناول ظاهرة  الفساد داخل الجامعة وخارجها، ، ويرى البعض أن من يقرأ "مشيناها خطىً" قراءة جيدة ومتعمقة يدرك أن "رؤوف عباس" هو أول  أو من أوائل من تنبأوا  بأحداث ثورة 25 يناير 2011م، ولكن الرحيل حرمه من متابعتها على أرض الواقع.



تعليقات