رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

عيد البنا يكتب : وقفة مع شبابنا وكيف نحصنهم من الوقوع في براثن الإلحاد

  • أحمد الفولي
  • الثلاثاء 08 أكتوبر 2019, 12:55 مساءً
  • 2448
الشيخ عيد البنا أحد علماء الأزهر

الشيخ عيد البنا أحد علماء الأزهر

 

 

 

بداية احب ان اؤكد علي حقيقة مهمة وهي  أنّ القرآن الكريم قد حوى بين دفتيه ما يحتاجه الإنسان في كل عصر من أسباب الهداية، وأنّ فيه من الخطاب العقلي البرهاني ما يكفي للانطلاق منه والبناء عليه في محاججة الكفار بجميع أصنافهم .

والسبب منطقي واضح؛ فهو رسالة الله الأخيرة للبشرية، ومن ثمّ فهو يحتوي بالضرورة على كل ما يلزم لإقامة الحجّة على الكافرين وعلى أسباب هداية البشر جميعًا .

ولقد شاعت منذ قرون طويلة مقولة مغلوطة لا تزال –مع الأسف– تهيمن على قناعة بعض المسلمين اليوم، مفادها أنّه لا يمكن الاحتجاج بالقرآن على غير المؤمنين؛ لأنّه حجّة على المؤمنين به فقط، وليس فيه حجّة على من لا يؤمن به، وأنّه ينبغي أولا إثبات وجود الله وأنّ القرآن وحي من عنده بأدلة عقلية وعلمية خارجية، ثم بعد إيمانهم بالقرآن يمكن الاستدلال بآياته ومحاججتهم بها! وهي مقولة خاطئة ينبغي مراجعتها ممّا ينبغي مراجعته من تراثنا الكلامي والعقائدي، فالقرآن فيه هدى وبيّنات لكل الناس، وليس للمسلمين فحسب، قال تعالى :

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 185). وقد كان الرسول يواجه بالقرآن قومًا لا يؤمنون به ولا بالبعث ولا بالتوحيد، قال سبحانه: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (الفرقان: 52) أي بالقرآن.

واذا نظرنا الي سورة الإسراء  سنجد

ان سورة الإسراء نموذج رائع يوضّح منهجية القرآن في التعامل مع من يكفر بالله، وهو نموذج ينطبق على الإنسان في كل عصر، ويصلح لتفنيد بعض الشبهات المعاصرة التي يطرحها الملحدون اليوم، ولتوضيح حقائق إيمانية ينبغي أن ينتبه إليها الدعاة، وتحديدًا أولئك الذين تولّوا مهمة مناقشة ظاهرة الإلحاد .

يبدأ النموذج بهذه الآية من سورة الإسراء: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا} (الإسراء: 89)

تؤسس هذه الآية لحقيقة أساسية يجب الانتباه إليها، وهي أنّ هذا القرآن يحوي من البراهين ما يكفي لمخاطبة الجاحدين بالله عز وجل ومن يرفضون اتباع دينه .

ومهما طرحنا من أمثلة معاصرة للملحدين أو الرافضين للإسلام، فهي تعود بجذورها إلى «نماذج الحجاج» القرآنية، إذ كل ما يمكن أن نذكره بخصوص حقيقة الإنسان ودلالتها على الخالق ورعايته موجَّهٌ إليه في قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (الذاريات: 21) وما يشبهه .

 

وكل ما يمكن أن نذكره بخصوص الآيات الكونية ودلالتها على الخالق موجَّهٌ إليه في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} (آل عمران: 190) وما يشبهه. فالقرآن مليء بتوجيه النظر إلى ما يستثير العقول والقلوب للإقرار بالخالق والخضوع له بالعبادة .

بعد أن يؤكّد السياق اكتفاء القرآن بـ «نماذج الحجاج»، يتطرّق إلى شبهة الجاحدين بالله التي ربّما تكون الأكثر شهرة، والتي لا زال الملاحدة يجترّونها حتى يومنا هذا، وهي شبهة طلب الدليل الحسّي الخارق الواضح على الخالق وعلى صحة الرسالة :

{وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} (الإسراء: 90-93)

 

لو نظرنا إلى المشترك بين كل «طلبات» الكفّار هذه لوجدنا أنّه الخوارق الحسّية الواضحة، فكيف علّم الله عزّ وجلّ رسوله صلى الله عليه وسلّم أن يجيب؟ كانت الإجابة سهلة، ولكنّها في الواقع عميقة وتؤسّس لفكرة غاية في العمق في أساس التكليف بهذا الدين، قال سبحانه : "  قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً" . وهي آية تؤكّد على أنّ الوصول للحقّ لا يكون إلا بالأدوات البشرية، بل يزيد السياق بعد ذلك: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً} (الإسراء: 94-.95)

تؤكّد هذه الآيات مفهوما أساسيّا في التكليف بهذا الدين، وهو مفهوم «الابتلاء»، أي الاختبار، والذي لا يتم إلا بأدوات النوع المكلَّف: فالبشر يُختبرون بأدوات البشر، والملائكة -لو شاء الله أن يختبرهم- بأدوات الملائكة .

لقد منح الله البشر العقل والوعي والإرادة وحرية الاختيار، وغرس في نفوسهم منذ لحظة خلقهم فطرة التوحيد:

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30). وأرسل لهم رسلا مبشّرين ومنذرين كي لا تكون لهم حجّة بعد الرسل، ثمّ وضع لهم في الطريق ما يمكن أن نسمّيه «منغصّات الوصول»؛ كالشيطان والأهواء والشهوات واختلاف العقول وغيرها .

وهنا وقفة مهمة مع تعريف الالحاد

. تعريف الإلحاد

يُعرف الإلحاد في اللغة بإنه الميل والعدول، ومنه اللحد في القبر لأنه أميل إلى ناحية منه، ويقال ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل كما قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره. وبعبارة أخرى، يعني الإلحاد الميل عن طريق أهل الإيمان والرشد بالعناد والظنون والمُكابرة والمعاصي، فكل مُلحد يعلم ان هناك خالق يتوجب طاعته وعبادته وحده، إِلا ان عِلمه شبيهاً بالعدّم، إذ لم يبلغ به الكمال الذي بلغه الراسخون أهل النظر، فيكون في ذلك بمقدار الجاهل بلا علم.

علاج الإلحاد

اولاً: دعوة الملحدين إلى توحيد  الله عز وجل، وطاعة أوامره وخشيته بدلاً من خشية رؤوس كفر قادتهم الدينيين والسياسيين، قال تعالى: ﴿لَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، المائدة: 44. وقال تعالى: ﴿لَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، البقرة: 150. وعن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حُرِّمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، رواه مسلم والطبراني وأحمد وابن حبان .

ثانياً: التصدي لشبهات الملاحدة باللسان والقلم، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾، النحل: 36. وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، آل عمران :104. وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)، رواه الترمذي وأحمد والبيهقي. والله اعلم.

تعليقات