د. خالد فوزي حمزة يكتب: إكفار المعين والعذر بالجهل!

  • أحمد عبد الله
  • الأربعاء 12 يناير 2022, 2:06 مساءً
  • 1626

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه..

أما بعد..

مسائل التكفير من المسائل الخطيرة والتي تفرق فيها الناس في كل وادٍ، حتى قال في المعتصر شرح كتاب التوحيد [1/4]: وهذه مسألة من أشد المسائل، وهي مسألة عويصة، وهي من أصعب المسائل في التوحيد، وهذه المسألة كثر فيها الخلاف وفيها التباس كثير" اهـ.

وسبب ذلك تعارض الأدلة عند العلماء، واختلاف تحقيق المناط فيها، وقد يكون في بعضها نزاع في مناط التكفير، وبعض الصور التي تلحق بالأكبر أو الأصغر.

وعلى ما عرف في العلوم فإن (لكل ظاهر طرفان واضحان في النفي والإثبات وأوساط متشابهة)، كما قال الغزالي وغيره، [المستصفى في علم الأصول (1/340)]، وبتطبيق ذلك على مسائل التكفير فإننا نجد ،م هناك عدةَ مسائل قد أجمع على كونها من الشرك الأكبر اعتقاداً؛ كاعتقاد الولد لله، وفعلاً كالسجود للصنم بغير إكراه، وبالمقابل فهناك مسائل مجمع على أنها ليست من الشرك الأكبر كالذنوب والمعاصي، ولو كانت من الكبائر كالقتل والسرقة وشرب الخمر، ما لم يقترن به استحلال.

قال الغزالي: فإن قيل: وما الذي يكفر به؟ قلنا: الخطب في ذلك طويل .. والقدر الذي نذكره الآن أنه يرجع إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما يكون نفس اعتقاده كفرا كإنكار الصانع وصفاته وجحد النبوة؛ الثاني: ما يمنعه اعتقاده من الاعتراف بالصانع وصفاته وتصديق رسله ويلزمه إنكار ذلك من حيث التناقض؛ الثالث: ما ورد التوقيف بأنه لا يصدر إلا من كافر كعبادة النيران والسجود للصنم وجحد سورة من القرآن وتكذيب بعض الرسل واستحلال الزنا والخمر وترك الصلاة وبالجملة: إنكار ما عرف بالتواتر والضرورة من الشريعة. اهـ [انظر المستصفى (1/345)].

فهذا الكفر الظاهر في طرف، وفي الطرف الآخر نجد الذنوب العملية، والأقوال والاعتقادات البدعية.

فأما الذنوب؛ فأهل السنة لا يكفرون بالذنب كما تفعل الخوارج، ولا يحكمون بالخلود في النار على مرتكب الكبيرة كما تقول الخوارج وكالمعتزلة، ولا يقولون أيضاً لا يضر مع الإيمان ذنب كما تقوله المرجئة، فهم وسط بين أهل الأهواء، يقولون بفسق مرتكبي الكبائر، لكن يرجون للموحدين منهم.

وأما الأقوال والاعتقادات البدعية، فهم كذلك وسط، قال ابن أبي العز: (فإن الرجل يكون مؤمنا باطنا وظاهرا، لكن تأول تأويلا أخطأ فيه، إما مجتهدا وإما مفرطا مذنبا، فلا يقال: إن إيمانه حبط لمجرد ذلك، إلا أن يدل على ذلك دليل شرعي، بل هذا من جنس قول الخوارج والمعتزلة، ولا نقول: لا يكفر، بل العدل هو الوسط، وهو: أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إثبات ما نفاه، أو الأمر بما نهى عنه، أو النهي عما أمر به: يقال فيها الحق، ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويبين أنها كفر، ويقال: من قالها فهو كافر، ونحو ذلك، كما يذكر من الوعيد في الظلم في النفس والأموال، وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة، ولا يعلم الأشياء قبل وقوعها). [شرح الطحاوية (1/298)]

ولذا تحرز العلماء من الحكم على المعين بالكفر، إلا بعد التحقق من ردته، قال شارح الطحاوية: (ثم إذا كان القول في نفسه كفرا قيل: إنه كفر، والقائل له يكفر بشروط وانتفاء موانع، ولا يكون ذلك إلا إذا صار منافقا زنديقا. فلا يتصور أن يكفر أحد من أهل القبلة المظهرين الإسلام إلا من يكون منافقا زنديقا. وكتاب الله يبين ذلك، فإن الله صنف الخلق فيه ثلاثة أصناف: كفار من المشركين ومن أهل الكتاب، وهم الذين لا يقرون بالشهادة، وصنف المؤمنون باطنا وظاهرا، وصنف أقروا به ظاهرا لا باطنا. وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة. وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر وكان مقرا بالشهادتين. فإنه لا يكون إلا زنديقا، والزنديق هو المنافق). [شرح الطحاوية (1/299)]

فمن قال إن الجهل عذر يستدل على ذلك بأدلة منها قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115]، فمن لم يتبين له يعذر، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء: 115]، الدليل مفهوم المخالفة، واستدلوا بحديث الرجل الذي خاف من الله وقال لأهله: إذا أنا مت فحرقوني... رواه البخاري. فقالوا: لولا جهله لعذب، وغير ذلك من الأدلة.

وهناك من استدل على عدم العذر بجملة كبيرة من الأدلة أيضاً، ومن المشكلات المعاصرة ما ينسب للدعوة السلفية من عدم العذر بالجهل في قضايا التوحيد مطلقاً، وقد كتب في ذلك كتباً تثبت وكتباً تنفي، ومما كتب من المعاصرين: (الجواب المفيد عن حكم جاهل التوحيد)، كتب في أول القرن الهجري، وأوائل الثمانينيات من القرن الميلادي، وقد أُرسل وقتها للشيخ عبد العزيز بن باز، وقد دفعه للجنة القائمة على الدراسة فكتبت اللجنة تقريراً عنه بأنه يوافق عقيدة السلف، وكتب الشيخ بذلك، وقد كتب الشيخ السيد سعد الغباشي رسالة في الرد على ذلك الكتاب وهذه الفكرة، أسماها سعة رحمة في عذر المخالفين في الدين، وقد أرسلها أيضاً إلى الشيخ ابن باز، ودفعها الشيخ إلى اللجنة وكأنها كانت قد تغيرت، فكتبت تقريراً أنها توافق مذهب السلف أيضاً، وكتب الشيخ بذلك، [المعتصر شرح كتاب التوحيد (1/4)]، وقد قمت بنفسي وسألت لاحقاً الشيخ عبد الرزاق عفيفي، عن سبب هذا التناقض الظاهر، فقال اللجنة تتغير، ثم قال لي الشيخ عبد العزيز لم يقطع في هذه المسائل بقول قاطع، وهو يتردد، فتارة يميل لهذا القول وتارة يميل لهذا القول. اهـ، وهذا كله شير لخطورة المسألة.

وقد سئل الشيخ الألباني عن كتاب (الجواب المفيد عن حكم جاهل التوحيد)، وأنه يفرق بين الكفر بالقول والكفر بالفعل، وقد رد الشيخ الألباني ذلك بأنه مخالف لعقيدة السلف، وأن القول فعل ولا خلاص في القول أنه يمكن العذر بالقول دون الفعل في الكفر، ولما سئل عن دليل عذر من وقع منه الكفر بالفعل استدل لذلك بقصة حاطب بن أبي بلتعة. [وكلامه في مقطع مشهور على اليوتيوب معنون (ما رأيكم في رسالة "الجواب المفيد عن حكم جاهل التوحيد)، وما رأيكم في قوله عن الإنسان يمكن أن يداري ويتقي في القول والفعل].

وحتى ما ينسب لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، في العذر أو التكفير، فهو مختلف في توجيه بعضه، ومنه قوله: (وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهم لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل؟ سبحانك هذا بهتان عظيم) [انظر: مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى والمسائل، (3/11)؛ صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (1/431)؛ فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، لأحمد نجيب، (1/33)؛ شرح كشف الشبهات للمصلح، (4/7)؛ عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية لصالح العبود، (11/11) بترتيب المكتبة الشاملة].

وقد تنازعوا في توجيه كلامه هذا أيضاً، فبينما يرى صاحب التوضيح والتتمات، التفريق بيت الحكم بالكفر والحكم بالشرك، وأن (فالجهل مانع من التكفير والقتل والتعذيب لكن ليس مانعا من لحوق اسم الشرك لهؤلاء لأنه سماهم عُبّاد غير الله) [التوضيح والتتمات على كشف الشبهات (1/51)]. وكذا علي الخضير يذكر تعقيباً على العبارة، وفيها يعقب: (ونفي التكفير ليس معناه إعطاء اسم "مسلم" أو تسميته مسلما بل هو مشرك جاهل) [كتاب الجمع والتجريد في شرح كتاب التوحيد (1/118)].

ولكننا نجد في المقابل من يرى أن (هذا النص من كلام الشيخ، وهو يفيد أنه يعذر بالجهل مع وجود سببه، كأن يكون الجهل فاشياً في البلاد، ولا يوجد من ينبه ويدعو إلى التوحيد) [شرح كشف الشبهات للمصلح (4/7)].

والشيخ سليمان بن سحمان نقل هذا النص في دفاعه عن الإمام محمد وأئمة الدعوة، وقال: (أما تكفير المسلم فقد قدمنا أن الوهابية لا يكفرون المسلمين، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها) [انظر: موسوعة الرد على الصوفية (211/280)، بترتيب الشاملة؛ منهاج الحق والاتباع ص56، وانظر نصا مشابهاً في الضياء الشارق 372].

بل وينقل المصلح فيقول: (ومن كلام ابنه عبد الله في الدرر السنية أيضاً، قال رحمه الله في بيان موقف أهل الدعوة، وبيان موقف الشيخ رحمه الله، وكان كلامه في عدم تكفيره من يقول: يا رسول الله! أسألك، إذا كان جاهلاً بهذا؛ يقول رحمه الله: (ونعتذر عمن مضى لأنهم مخطئون معذورون لعدم عصمتهم من الخطأ)، ثم قال: (فإن قلت: هذا فيمن ذهل ثم لما نبه انتبه، فما القول فيمن حرر الأدلة، واطلع على كلام الأئمة القدوة، واستمر مصراً على ذلك حتى مات -يعني على تجويز سؤال النبي r الشفاعة-؟ قلت: -والقائل هو عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - ولا مانع أن نعتذر لمن ذكر، ولا نقول أنه كفر، ولا لمن تقدم أنه مخطئ، وإن استمر على خطئه؛ لعدم من يناضل عن هذه المسألة في وقته بلسانه وسيفه وسنانه، فلم تقم عليه الحجة، ولا وضحت له المحجة، بل الغالب على زمان المؤلفين المذكورين -أي الذين اطلعوا على الأدلة ومع ذلك استمروا في تجويز هذه المسألة التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأساً، ومن اطلع عليه أعرض عنه قبل أن يتمكن ذلك في قلبه، ولم تزل أكابرهم تنهى أصاغرهم عن مطلق النظر في ذلك، وصولة الملك قاهرة لمن وقر في قلبه شيء من ذلك إلا من شاء الله منهم).

وقال أيضاً: (ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحت ديانته، وشهر صلاحه وعلمه وورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصح الأمة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها، وإن كان مخطئاً في هذه المسألة -وهي مسألة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة- أو غيرها كـابن حجر الهيتمي) الذي كان له عدد من الردود والكلام على بعض المسائل التي تكلم عنها شيخ الإسلام رحمه الله.

وقال عبد الرحمن بن حسن رحمه الله نقلاً عن شيخ الإسلام: (ونحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأحدٍ أن يدعو أحداً من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لا لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها، وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله). ثم قال: (ولكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يبين ما جاء به الرسول مما يخالفه).

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن رحمه الله [هذه كلها من الدرر السنية ونقلها في شرح كشف الشبهات للمصلح (4/7)]: (والشيخ محمد رحمه الله -يقصد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - من أعظم الناس توقفاً وإحجاماً عن إطلاق الكفر، حتى إنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور وغيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه، ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها).

قال المصلح [شرح كشف الشبهات للمصلح (4/7)]: هذه النصوص التي وقفت عليها -وغيرها كثير- تدل وتوضح موقف الشيخ رحمه الله وتلاميذه من مسألة التكفير، ومن مسألة العذر بالجهل، وأنه لا ينبغي الإطلاق بأن الشيخ لا يقول بالعذر بالجهل، بل المسألة من حيث أصلها فيها تفصيل، وذلك هو موقف الشيخ فيما يظهر من كلامه، فينظر في حال الواقع في الشرك، وعلى ضوء حاله يحكم عليه: هل جهله يعذر به أم لا يعذر به؟ وهذه المسألة قد أفردت بكتب، وتكلم عليها كثير من المؤلفين المتأخرين، ومن أراد الاستزادة فليرجع لهذه الكتب، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول بعدم التفريق بين مسائل الأصول ومسائل الفروع في مسألة العذر بالجهل، وله في هذا كلام كثير في مواضع كثيرة.

وهذا كله يشير إلى إشكالات هذه المسألة، لكن في القول بالتفريق بين الحكم بالشرك والحكم بالكفر مضيق لا يتضح، فقد قال الله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (*) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 37، 38]، فهو يشير إلى أن حكم الكفر والشرك واحد، بل من العلماء من يجعل الشرك هو الأعم فيقول الشيخ صالح الفوزان في [إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/161)]: (بين الشرك والكفر عموم وخُصوص، فكل مشرك كافر وليس كل كافر يكون مشركاً).

وقد يقال بل أيضاً الكافر مشرك في كل حال حيث أشرك هواه، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43]، وقال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]، فالهوى إله يعبد من دون الله.

ثم التفريق بينهما يضيف إلى تقسيم الناس قسم (المشرك الجاهل)، وهو غير أقسام القرآن (مؤمن – كافر – منافق) كما تقدم، فمن من السلف ذكر هذا القسم؟، وما أحكامه؟ وما حكم من يسميه (مسلماً)؟. ولن تجد جواباً شافياً، في حين من قال هو لم يخرج من الإسلام، لأنه معذور بجهله، يجد له سلفاً وآثاراً.

والذي أميل له في هذا الموضع الضيق هو أن نرجع إلى كتاب ربنا، فالناس ثلاثة، (مؤمن – كافر – منافق)، فمن قال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ظاهراً وباطناً فهو المؤمن، وإن لم يؤمن بها فهو كافر، وإن أظهر الإيمان وأبطل الكفر فهو منافق.

والمنافق يعامل في الظاهر معاملة المسلم، فقد كان حذيفة رضي الله عنه لا يصلي على المنافقين الذين أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بنفاقهم، وكان (عمر رضي الله عنه كان إذا مات الرجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ممن يظن عمر أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة فقاده فإن مشى معه صلى عليه وإن انتزع من يده لم يصل عليه وأمر من يصلي عليه)، [سنن البيهقي الكبرى (8/200 ـ ث16621)، وقال: هذا مرسل وقد روي موصولا من وجه آخر]، وقال البيهقي: (وقد عاشرهم حذيفة يعرفهم بأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهم يصلى عليهم وكان عمر رضي الله عنه إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن أجلس جلس وأن قام معه صلى عليها عمر رضي الله عنه قال ولم يمنع هو ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئا من أحكام الإسلام)، [سنن البيهقي الكبرى (8/199)].

ولتنترك مسألة الحكم على معين بالردة للقضاء، فحسبنا أن نبين أن هذا القول أو الفعل من المكفرات، ونقطع بكفر صاحبه في حالة إن كان لا يقول (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، كما لو كان هندوسياً أو مجوسياً، أو صرح بأنه لا يؤمن برب ولا إله، وأما من كان أظهر الإسلام، فهو لا يخرج عن كونه مؤمناً ظاهراً وباطناً، أو يكون مسلماً في الظاهر، وهو منافق في الباطن، وكلا القسمين نعامله معاملة المسلم كما فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.

ويعجبني في ذلك ما قاله الشوكاني في البدر الطالع: (2/31): فقد تكلم عن الطائفة الاتحادية، التي أكفرهم كثير من العلماء لقولهم بالوحدة والاتحاد، وهي فلسفات باطنية خبيثة، قال الشوكاني: (وأنا الآن أتوقف في حال هؤلاء وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم وأفعالهم مخالفا لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التي ليلها كنهارها ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام، وهب أن المراد بما في كتبهم وما نقل عنهم من الكلمات المستنكرة المعنى الظاهر والمدلول العربي وأنه قاض على قائله بالكفر البواح والضلال الصراح؛ فمن أين لنا أن قائله لم يتب عنه ونحن لو كنا في عصره بل في مصره بل في منزله الذى يعالج فيه سكرات الموت لم يكن لنا إلى القطع بعدم التوبة سبيل لأنها تقع من العبد بمجرد عقد القلب مالم يغرغر بالموت فكيف وبيننا وبينهم من السنين عدة مئين ولا يصح الاعتراض على هذا بالكفار فيقال هذا التجويز ممكن في الكفار على اختلاف أنواعهم لأنا نقول فرق بين من أصله الإسلام ومن أصله الكفر فإن الحمل على الأصل مع اللبس هو الواجب لاسيما والخروج من الكفر إلى الإسلام لا يكون إلا بأقوال وأفعال لا بمجرد عقد القلب والتوجه بالنية المشتملين على الندم والعزم على عدم المعاودة فإن ذلك يكفى فى التوبة ولا يكفى في مصير الكافر مسلما وأيضا فرق بين كفر التأويل وكفر التصريح على أنى لا أثبت كفر التأويل كما حققته في غير هذا الموطن وفي هذه الإشارة كفاية لمن له هداية.

وفى ذنوبنا التي قد اثقلت ظهورنا لقلوبنا أعظم شغلة وطوبى لمن شغلته عيوبه ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه فالراحلة التي قد حملت مالا تكاد تنوء به إذا وضع عليها زيادة عليه انقطع ظهرها وقعدت على الطريق قبل وصول المنزل...اهـ

وصدق رحمه الله، والله أعلم وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه:
أ. د. خالد فوزي عبد الحميد حمزة

تعليقات