"وشوشات روح".. قصة قصيرة من مجموعة "علبة الأحلام" لعزة عز الدين

  • جداريات 2
  • الأحد 15 سبتمبر 2019, 7:28 مساءً
  • 1602
القاصة عزة عز الدين

القاصة عزة عز الدين

أسعدته شحنة الأمل والإصرار التي بادرته بها، وابتسم ابتسامة رضا حوت كل المعاني، أشرقت الشمس وبسط الصباح رداءه الأبيض يضيء كل شيء، ويحوي قلوبا نبضت شوقا للقاء مرتقب دارت قبله الحكايات، وخلف جذع شجرة في منتصف الواحة كان أميرها قد أعد طاولة مستديرة أحاطها بمقعدين، فوق الطاولة شموع بيضاء تحرك شعلتها نسمات رقيقة باردة، وفي منتصف الطاولة زهرة الياسمين التي تشع نورا وعطرا ودفئا ونعومة.

دعاها للجلوس فجلست، وأطالت النظر حولها لتحفظ تفاصيل واحتها في روحها، ثم حولت عينيها إليه تخبره كم كانت تفتش عنه في الأروقة وفي ملامح الغرباء حتى أدركته  هنا في هذه الواحة، سألها إن كانت أحبته فلم تجب، فقد فاق شعورها هذا المعنى وارتقى حتى حارت فيه فلم تجد له وصفا، أهداها زهرة الياسمين، ستسقيها من روحها بماء الود وستجزل لها العطاء، فهي الشاهد الوحيد على هذا اللقاء.

كانت تخشى قرب النهاية وأبت أن يفسد عليها هذا الخوف ساعات اللقاء الجميلة فتجاهلته وأمسكت بزهرة الياسمين علها تمتص هذا الشعور بجمالها الأخاذ.

 تنهدت وابتسمت وتركت له الحديث، نظر إليها مبتسما متأملا، وقال: أنت يا أيقونة الروح يا مدينة القلب، إن كنت قد فتشت عني في ملامح الغرباء، فقد فتشت عنك بين طرقات المدن، وسطور الكتب وأجنحة الفراشات. كنت أرى إطلالتك ملاكا من نور يطل لتشرق به الحياة من جديد، كان طيفك سلوتي التي اكتفيت بها وحضورك حلمي الذي تمنيته حتى تجاوزت الأربعين، وها نحن قد التقينا.

لست أدري يا حوريتي كيف يمكنني أن أبقيك لؤلؤة مكنونة في صدفة تائهة لا يعرف سرها غيري.

لم تتشابك الأيدي بعد وإنما تشابكت الجمل والعبارات حتى سالت العبرات، أما هو فقد عقد خيوط وجدانه بوجدانها في ملحمة صاخبة من الأحلام المؤجلة حتى إشعار آخر. 

 ثم أخبرها كم تمنى أن يشاركهما الواحة الحمام والنخيل ومن الخيل زوجان،  وتمنت هي الطاووس والطيور المغردة وسلال العنب والرمان ونهرا رقراقا من الماء العذب، تلك كانت أمانيهم في واحتهم الخضراء.

مر الوقت سريعا، انتهى اللقاء وأيقنوا أنه لا مفر من الخروج، خرجا من الواحة لأرض الواقع، يتألمان ويتمنان لو استطاعا البقاء، ولكن هيهات هيهات فلا بد من الرحيل.

 تشابكت الأيدي واتفقا على المضي معا في طريق المحبين، يتخطيان العثرات ويتحديان الإخفاقات، يتذكران الواحة كلما قست عليهما الحياة، ويحبسان في صدورهما عبق عبير ظنا يوما أنه من نسمات الجنة، يغلقان جفونهما على آية من آيات الجمال ويتعاهدان ألا يفترقا أبدا .

وهكذا انتهت هند من كتابة روايتها الحالمة "وشوشات روح"، والتي تنوي المشاركة بها في المسابقة، عاشت روايتها أثناء الكتابة بكل جوارحها، ابتسمت وبكت وحلقت بوجدانها في فضاء وردي رحب، انفعلت بكل ذراتها مع كل كلمة حتى ذابت في حلمها المكتوب... ثم أغلقت آخر الصفحات ووضعت الأوراق في حقيبتها واتجهت للباب فإذا بزوجها عائد. 

قابلها بوجه "سمج"  فهو رجل فظ غليظ القلب، تحملته وما زالت فقط من أجل أطفالها. 

  تعيسة الحظ هي أوقعها القدر مع من لا يقدر القيم، حارب نجاحها وتفوقها وأجهز على حلمها وطموحها حتى خارت قواها سوى من هذه الرواية الأخيرة التي كتبتها بعيدا عنه أثناء سفره، وها هو حظها العاثر يواجهها به في اللحظة الأخيرة.

حدثها بانفعال: "رايحة فين"؟

أجابت:  مكتبة القاهرة لتسليم روايتي.

أي رواية؟  

"وشوشات روح" كتبتها كاملة أثناء سفرك حتى لا أضايقك بانشغالي وسأشارك بها في المسابقة.

وفي لحظة مؤلمة خطف الحقيبة وأخرج منها الأوراق  قطعها وألقى بها من شرفة المنزل   

نظرت إلى قصيصات الورق المبعثرة وصرخت في وجهه "طلقني ثم غادرت".

تعليقات