تمثّلات الهوية في سرد فاتن فاروق

  • شعبان القاص
  • الأربعاء 28 أغسطس 2019, 4:40 مساءً
  • 1449
الروائية فاتن فاروق

الروائية فاتن فاروق

في النقد الأدبي لا تعنينا الفكرة التي يتبناها الكاتب ولا الهدف الذي يرمي إليه بقدر ما يعنينا كيف كتب ولكن لأن فاتن فاروق حملت على عاتقها الفكرة الدينية والأخلاقية التي نحترمها جميعاً كان لابد أن نتساءل هل استطاعت أن تقدم  ابداعاً يخدم هذه الفكرة من خلال رواياتها المتعددة؟ تلك التي بدأت من 2008 برواية تغلب عليها سمات البدايات بعنوان ( جذور) مرورا برواية  (صرح الأطلال) التي عبرت فيها فاتن فاروق عن فكرتها بصورة واضحة ، للدرجة التي جعلتها تستدعي شخصية مثل الروائية والفيلسوفة الفرنسية "سيمون دي بوفوار"  وشخصيات أخرى في أحلام بطلة الرواية وهو تكنيك روائي معروف ولكنها استطاعت أن تصوغه بتلقائية لم نشعر معها بأنه مقحم أو متكلف فالطبيبة سلوان بطلة رواية صرح الأطلال نموذج للفتاة المتفوقة الطموحة والتي تتحول إلى امرأة مقهورة تحت فكر ذكوري متسلط ، تتخلى عن طموحها في النجاح لتحافظ على أبناءها ولم تطلب الطلاق استجابة لنصيحة قاسم أمين الذي كان يقول : " أنا لست مع هدم الأسرة" وهي وإن كانت تتجاوب مع المناديات بحقوق المرأة إلا أنها كانت تصدح :"مشكلتي مع التقاليد وليس مع الدين".

وصولاً إلى رواية (ولكن) التي ظهرت فيها سمة الاحتراف في رسم الشخصيات وامتطاء صهوة الخيال والتحرر من الصوت النسّوي .

 الشخصية المحورية "النموذج" عند فاتن فاروق شخصية متصالحة مع ذاتها ومع هويتها متخاصمة مع التقاليد البالية التي ترى أنها تلبست بالدين وترفض التقاليد المستوردة من الآخر الذي رضخ له البعض نتيجة هزيمة نفسية ، ولكنها في نفس الوقت هي ليست شخصية مثالية فهي تارة تستجيب لنداء الحب والحياة مثل "شمس" في رواية بلا جذور حين تبرر خلوتها مع حبيبها بأنه كان قادماً من الموت ، وتارة تقتلها حيرتها مثل الدكتورة سلوان هل تبكي مع الباكين على موت عبد الحليم نكايةً في جدتها التي تميل إلى الفكر الذكوري ؟! أم تعتبره الرجل الذي صنع للنساء وهماً لا يحببن الحياة بدونه ؟! وهي حيرة تدفعها للبحث عن التوسط والاعتدال .

 على أن فاتن فاروق بلغت ذروة ابداعها عندما غاصت في البعد الروحي للهوية والذي تتلاقى فيه البشرية كلها ، البعد الإنساني الذي يجعلك تتعاطف مع المهمشين المظلومين - كما في رواية "ولكن" -  تماما كما تعاطفت زوجة "صاصا"  مع " لوزه" البغي التائبة التي كان زوجها "صاصا" يخونها معها فتعطيه ورقة بعشرين جنيهاً عندما أخبرها بالحالة التي وصلت إليها فإذا بلوزة تمزقها وتلقي بها في وجهه وكأنها تؤكد له توبتها وهو الذي جاء مشفقا عليها .

وعلى العكس من ذلك يقل منسوب الإبداع حينما تذكر بعض الأسماء والهيئات الحقيقية في المجتمع ، ويسيطر عليها الواقع بظلالة الثقيلة.

احتفت فاتن فاروق بثورة يناير من خلال شخصية صاصا الذي عاود الرقص بالصاجات في ميدان التحرير فرحاً بالتنحي بعدما أقلع عنه وهو الذي كان يرقص في الأفراح مقابل عشاءً له ولأولاده متأثراً بتوبة لوزة .

لكنها عادت لتبثنا احباطاتها في فقاعات صابون وهي القصة القصيرة التي عنونت بها مجموعتها القصصية الأخيرة وتكشف فيها مدى الوهن الذي أصابنا فأضاع الوطن عبر رمزية الأم المغدورة والزوجة المغدورة كما في قصة أم البنات ، لتصرخ مجدداً مع بكر من شرفة الزيف والسراب في مصر المحروسة : يا أهل المحروسة انقذوا بكراً.

في رواية "صرح الأطلال كانت الكاتبة قد تخلصت قليلا من الخطابية التي أضعفت رواية "ولكن" تلك الرواية التي كان من الممكن أن تكون رواية فارقة ، ويقيني أن فاتن فاروق عبر مسيرتها السردية طورت كثيراً من أدواتها الفنية ما يبشر بنصوص جديدة أكثر احترافية.

 

 

 

تعليقات