حقائق الإيمان وأوهام الإلحاد.. ندوة في كلية أصول الدين بالقاهرة (سجل الآن)
- السبت 23 نوفمبر 2024
هَلْ تُصْبحُ اللُغَةُ العربيّةُ
الأُولى عَالمياً؟!
تُرى..أَوَهْمٌ
هو، أمْ هي أضغاثُ أحلامٍ، أنْ يحْلمَ أحدنا بأنْ تصبح اللغةُ العربيةُ، ذات حينٍ،
اللغة الأولى عالميّاً، مُتخطيةً لغاتٍ شتى على رأسها الإنجليزية والفرنسية؟
وهلْ
هو حلمٌ، بعيدُ المنال، أنْ تستعيد اللغةُ العربيةُ مكانها ومكانتها؟ وهل من
الواقع، أوالواقعية، أنْ نستسلم للأمر الواقع ونقبل، أو نرضى، بما وصل إليه حالها
في أيامنا هذه؟
ولنتساءل:
ماذا لوْ لمْ يكن القرآن الكريم قد نزل بلسانها؟..هل كانت ستصمد أمام كل ما تتعرض
له من هجماتٍ وضرباتٍ في الصميم؟ أمْ تُراها كانت ستروحُ ضحيةً للتجاهل والنسيان؟
(1)
وإضافةً
إلى الأسئلة / التساؤلات آنفة الذكر..يطل علينا سؤالٌ هو في غاية الأهمية وهو: هل
يقتصر الدفاع عن اللغة العربية، أو نشرها والحفاظ عليها على مَنْ تخصصوا فيها فقط،
أو مَنْ قاموا بدراستها في كلياتٍ ومعاهدَ متخصصة في تدريس اللغة العربية وعلومها؟
أم أنَّ هذا هو واجبُ كلِّ عربي.. كلٌ على قدر استطاعته وفي مجاله؟
أنا
مثلاً وعلى الرغم من أنني أقوم بتدريس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية إلا
أنني، وفي الحصة الأولى من كل عام دراسي جديد، أقول لتلاميذي: مَنْ لا يستطيعُ إتقانَ
لغته الأم لنْ يتمكن مِن إتقانِ أيّة لغةٍ أخرى، حَاضًّا إياهم ومُحَفِّزَهم على
الاهتمام باللغة العربية التي وجدْتني منذ صغري أكثر من عاشقٍ لها، وهذا لأسبابٍ
شتى، منها حُبِّي للمدرسين الذين كانوا يُدرّسونها لي في المرحلتين الابتدائية والاعدادية
خاصةً، وقد كانوا يُشجعونني ويثنون على تفوقي فيها، وكذلك اهتمامهم بي حتى إنه لم
يكن هناك أحد يقرأ دروس القراءة في الفصل سواي. ويأتي ـ قبل هؤلاء
المدرسين الذين مازلتُ أَدينُ لهم بهذا الفضل ـ القرآنُ الكريمُ الذي كنتُ أواظب على قراءته
بشكل منتظم وإليه يرجع الفضل الأول في استقامة لساني وقلمي.غير أني أجد أن هناك مَنْ
يَدْرسون في مدارس اللغات التي تقوم بتدريس اللغات الأجنبية، سواء كانت الإنجليزية
أو الفرنسية، أو غيرها بدءًا من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي يتخرجون وهم
يتقنون تلك اللغات في الوقت الذي لا يعرفون أي شئ عن لغتهم الأصلية، التي يعجز
الواحد منهم عن صياغة جملة سليمة نحويّاً وإملائيّاً بها. وعلى الرغم من أنَّ هذا
ما يُصيب بالحسرة على واقع اللغة العربية، إلا أنَّ هؤلاء، هم وأولياء أمورهم،
يتباهون بمدارس اللغات هذه متذرّعين بأن المستقبل يفتح ذراعيه أمام المتفوهين باللغات
الأجنبية وليس باللغة العربية التي لو استطاعوا لقاموا بإلغائها من الوجود.لكن كم
مدرس ممن يُدرِّسون اللغات الأخرى ـ غير العربية ـ يحض تلاميذه على الاهتمام
باللغة العربية؟ بل فلنقل كم مدرس للغة العربية يدعو تلاميذه إلى دراستها كلغة
حياة لا كأي مادة أخرى، لا أهمية إلا في النجاح فيها؟
وعلى
الرغم من هذا أيضًا ما زلتُ مُصرًّا على أن أبدأ العام الدراسي الجديد بقولي
لتلاميذي: مَنْ لا يستطيع إتقان لغته الأم لن يتمكن من إتقان أية لغة أخرى، وسوف
أظل على حالي هذه حتى نهاية آخر يوم في عمري، وإن كان هناك مَنْ يراني مُخطئًا أو
حتى واهمًا.
(2)
كثيرون
مَنْ يدعون إلى الاهتمام بنشر اللغة العربية على مستوى عالمي وهذا جميل للغاية..لكني
أرى أنَّ هذا لن يحدث إلا إذا كان ثمة اهتمام واسع المدى باللغة العربية في الداخل،
بغية إعداد كوادر موهوبة تمتلك الكفاءة والقدرة على نشر اللغة العربية هنا وهناك،
كما ينبغي.غير أن الملاحظ هو أن إعداد تلك الكوادر لهو أمر صعب ـ كما أرى ـ في ظل
عدم وجود اهتمام، سواء من معظم المؤسسات المنوط بها القيام بهذا الدور أو من
الأفراد. ومن يقرأ واقع لغتنا الجميلة يجد ما يهوله ويفزعه.
(3)
إذن..تُرى
كيف ننهض بلغتنا أو حتى على الأقل نُعيد
إليها مكانتها التي سُلِبتْ منها على أيدي أحفادٍ، لولا لَوْنُ بَشْرتهم لَظَنَّهم
الرائي ليسوا بعربٍ؟!
بدايةً
لابد من الاعتناء علميًّا وسلوكيًّا بشخص المُعلِّم الذي سيقوم بتدريس اللغة
العربية في المراحل التعليمية المختلفة فمثلاً لابد وأن يكون لدى المعلم وجه بشوش وألا يكون مُتجهمًا حتى لا يُنَفِّر
التلاميذ منه ومن مادته (كان أحد مُدرِّسي اللغة العربية في مدرستي وأنا في الصف
الثالث الاعدادي عندما يدخل الفصل ترتعش رُكَبُ التلاميذ حدَّ الرعب وتصطدم ببعضها كما تصطك الأسنان خوفًا منه ومن
بطش عقابه، فكيف يُحبُّ اللغةَ العربيةَ مَنْ يكونُ مُدَرّسُهمْ بهذه السِّمات؟)
أَلا
يقدرمعلمٌ يمتلكُ هذي الصفات على جَعْلِ طلابه يلعنون اللغة ومَنْ يُدَرِّسُها؟ لا
سيما وأن هؤلاء قد أَلْقى بهم حظهم العاثر خطئًا في طريق التدريس..أيْ قل أصبحوا مُدرسين
بالمصادفة المحضة..أو فلنقل ـ إذا أردنا الدقة ـ إن السبب هو مجموع درجات الشهادة
الثانوية.
وهناك
سؤالٌ أكثر من مهم فيما يتعلق بالكليات المتخصصة في تدريس مناهج اللغة العربية
وعلومها وإعداد مدرسيها وهو: لماذا تعتمد هذه الكليات ـ في قبولها لطلابها ـ على
مجموع هؤلاء الطلاب في المرحلة ما قبل الجامعية فقط؟
ولماذا
لا يكون هناك امتحان لقدرات هؤلاء في ما يخص اللغة العربية؟ (أعني هنا ما فائدة
طالب حصل على مجموع مائة في المائة في المرحلة الثانوية وهو لا يُجيد كتابة جملة
واحدة بشكل نحوي وإملائي صحيح وكذلك لا يُحْسنُ قراءتها كما يجب؟)
وعن
تجربةٍ قابلتُ ـ في أماكن كثيرة ـ أشخاصًا
حصلوا على شهاداتهم الجامعية من كبرى الكليات المتخصصة في تدريس علوم اللغة
العربية في الوطن العربي غير أنهم لا يُحسنون الحديث بها وإذا ما تحدثوا بها فلا أُحدّثك
عن كَمِّ الأخطاء التي يرتكبونها..حتى إني أذكر أن أحدهم ظل يتحدث لفترة طويلة دون
أن أسمع منه جملة واحدة صحيحة.ناهيك عن عددٍ لا بأس به من دكاترة الجامعة والذين
لا يعرف لسانهم ماذا تَعْني اللغة العربية السليمة. ثم ما هو دور دكاترة الجامعة
في هذا الشأن؟
وليُسمح
لي بهذا التساؤل البرئ: (ما هو نوع الخدمة التي سوف يقدمها دكتور جامعي نال درجته
العلمية إما سرقةً من مجهودات غيره وإما بدفع النقود لمانحيها وإما بالاستعانة
بآخرين يُعدّون له رسالة جامعية " متخرش المَيَّة "..كما يقال)؟
(4)
كذلك
ما هو دورُ الإعلاميِّ ـ سواء أَعَمِلَ بالصحافة أو عمل في الإذاعة أو في
التليفزيون ـ الذي عُيِّن في مكانه لا بكفاءته ولا بموهبته وإنما بوساطة قريب؟
إننا
نقرأ لكُتَّاب تحتوي مقالاتهم وكتبهم على كَمٍّ مُفْزعٍ من الأخطاء اللغوية التى
ربما لا يخطئ فيها تلميذ في الصف الأول الابتدائي في مدرسة تهتم بالفعل بتدريس
اللغة العربية.وبالمثل نستمع ونرى مذيعين تكره اللغةُ العربيةُ التي يتحدثونها
يومَ مولدهم ..فهل يُنتظر من هؤلاء أن يخدموا اللغة أم أنهم يعملون ـ وبقصد قبيح ـ
على تدنّي مستواها وانحطاطها وفقدانها لبريقها ولمكانتها اللائقة بها؟
إننا
إذا كنا نريد بصدق أن نُعيد اللغة العربية إلى سابق عهدها الذهبي فعلى مَنْ
بأيديهم مقاليد الأمور أن يُعيدوا قراءة المشهد التعليمي والإعلامي في دولنا
العربية دون استثناء، وإلا فما فائدة عشرات المقالات التي تتناول هذه المسألة؟!
(5)
لا
أدّعي فخرًا أو بطولةً ما حين أقول إن ابنتي "رؤى " قبل أن تبلغ السادسة
من عمرها كانت تتحدث اللغة العربية بطلاقةٍ لمْ أَعْهدْها في كثيرين يُحيطون بي
سواء أكانوا في مجال التدريس أو في مجال الكتابة والتأليف.ولم تكن رؤى تذهب وقتها
لا إلى مدرسة ولا إلى حَضَانَةٍ، لكنها كانت تشاهد بانتباه شديد برامج الأطفال
التي تبثها بعض قنوات الأطفال الناطقة باللغة العربية الفصحى.
إذن
هناك مَنْ ـ وما أيضًا ـ يجعل الأطفال يُحبون لغتهم الأم منذ الصغر ويساعدهم بشكل
لطيف في استخدامها كتابةً وقراءةً، بطريقة لا تُزاحمها فيها الأخطاء.
هذا
ما يحدث في قنوات الصغار، أما ما يحدث على شاشات بعض قنوات الكبارـ بل معظمها ـ من
أخطاء على ألسنة مُذيعي ومُقدمي برامجها فهو كارثةٌ إن لم يكن فضيحةً مُدويةً
بمعنى الكلمة لهؤلاء ولبرامجهم ولقنواتهم.
ولقد
استمعتُ بأذنيّ هاتين إلى مُذيع في قناةٍ تخصصتْ في الثقافة وهو لا يعرف أن المثنى
يُنصب ويُجر بالياء، واستمعتُ إلى مذيعة أخرى لم تنجح في قراءة (عضواتحاد
الكُتَّاب ) دونما تشكيل بشكل صحيح إذ قرأته:( عضواتحاد الكِتَاب)!!!
هذا
ولا نَنْسَ عددًا ممن يمارسون الكتابة الأدبية والإبداعية ويحتاجون إلى من يقوم
بتصحيح أخطائهم في ما يكتبون بحجة أنهم ليسوا متخصصين في اللغة العربية.ومن حقي
هنا ألا أمنع نفسي من أن أسأل هؤلاء: ما دمتم لستم متخصصين في اللغة العربية
فلماذا تقتربون منها وتكتبون بها؟
ألستم
بهذا فاقدين لأبجدية الكتابة؟
وهل
يقبل هؤلاء أن يُصْلحَ لهم كهربائيٌّ صنبورَ المياه أو أن يقود سيارتهم مَنْ لا
يحمل رخصة قيادة؟
وهذا
هو بيت القصيد ـ كما يُقال ـ فالأمة التي تعمل على انتشار لغتها في العالم أجمع
كالإنجليز والفرنسيس لابد وأنها تعرف ـ بل تدرك تمامًا ـ حقيقةَ قيمةِ لغتها
وتراثها الحضاري وإرثها الثقافي.أما الأمم التي ترزح تحت نَيِّر التخلف والتقهقر
فهي أمم ليس لديها أية قيمة من الأساس ولا يسعى أفرادها لا إلى نشر لغتهم ولا إلى
الاستفادة من إرثها الثقافي والحضاري إن وُجِدْ.
إذن..لكي
نأمل في أن يكون هناك مَنْ يعمل ـ بضمير يقظ ـ على أن تعتلي لغتنا العربية عرشها
وتُتوِّج بتاج الانتشار لابد أن تتخلص مجتمعاتنا من سلبيات شتى على المستوى
الاجتماعي والثقافي والإنساني..ولحظتئذٍ يولد الأمل الذي سيكون هو الخطوة الأولى
على طريق استعادة اللغة لمكانتها وانتشارها بالشكل الذي يليق بها.
أما
إذا بقينا على ما نحن فيه وعليه فكيف يتولَّد لدينا بصيصُ أملٍ في التغيير ـ أو حتى التَّغَيُّر بفعل الطفرات أو العوامل
الطبيعية الطارئة ـ إلى الأفضل على مستوى اللغة وما يرتبط بها من حضارة وثقافة
وتراث.
ونظرًا
إلى أننا لا ينبغي أن نفقد الأمل أو أن نتنازل أو نتخلى عنه أمام طوفان هجمات
اليأس والقنوط التي تجتاحنا من حين إلى حين، فإننا نعلن: إننا في انتظار المؤسسات التي
ستحمل عبء هذا الدور على عاتقها.لكننا لن ننتظر مكتوفي الأيدي بل سيفعل كل منا ـ كل
في موقعه ـ ما يقدر علي فعله حتى يتحقق الأمل والمراد إن شاء الله ويرى أحفادنا ـ
إن لم يُكتب لنا ولأولادنا أن نرى ـ اللغةَ العربيةَ وهي تتربع فوق عرش العالم، تنال احترام الجميع وتصبح من أهم لغات العالم
فعليًّا، إن لم تكن هي بالفعل أهمها.