محمود حمدون يكتب: لا تأتي متأخرًا أبدًا

  • أحمد عبد الله
  • الأحد 31 يناير 2021, 06:34 صباحا
  • 863

" لا تأتي متأخرًا أبدًا "

محمود حمدون

=== 

دار بيني وبين صديق منذ أيام حديث عن " مقارنة بين اثنين من كبار الفنانين قديمًا" . الأول تسيّد مجاله وتزعّم الجميع ,وتربّع على قمة الهرم دون منازع على رغم أنه كان الأقل موهبة لكن الحظ لازمه في البداية ثم تكتّل الجميع وراءه لمنعه من السقوط .

بينما انزوى الآخر الأكثر موهبة جانبا, تنحى تحت ضغط التهميش من زميله المشهور والهجوم المستمر من حواشيه وحوارييه , رغم أنه كان الأفضل فنيًا والأحسن موهبة .

وإذا كانت مقولة أن " الفن مرآة المجتمع " حقيقية فإنها أيضا تعكس واقع المجتمع بسخافاته وجموده , ذلك الجمود الذي يقف عند فنان أو مشهور بعينه ويقبع تحت قدميه أو يرتضي بشخص واحد في مجاله ويترك الباقيين مقتًا للتطور وكراهية في التنوّع , النفور من الجديد فإن وجد هذا الجديد طريقه وشقّه صعودًا لأعلى اكتفينا به دون غيره .

الغريب أن أدوات الإعلام وغيرها تنصاع للمشهور وتسمع لأوامره بل قد تتطوع من تلقاء أنفسها في تجاهل الموهوب .. 

والآن عندما نستمع للإثنين نندهش من غبائنا , ونسأل أنفسنا مالنا تجاهلنا الثاني ودُرنا في فلك الأول هكذا ؟! لمَ قنعنا بالغث من الفن وغيره وتركنا الجيد والأفضل ؟!

لكن أثناء حديثنا مع الذات نجد أن هذه الحالة لم تكن أبدا استثناءً قدر كونها قاعدة عامة تجذّرت ببنية المجتمع كشجرة عملاقة أصلها ثابت وفروعها في جميع المجالات ,هناك دائمًا حالة واحدة تصاحبها الشهرة وتدور حولها الهوام ترتع من السلطة والنفوذ والقدرة على التأثير .. 

بينما الأكثر موهبة والأقل حظَا ,يكتفي البعض منهم بلعب دور السنيّد للمشهور أو ربما يحفظ كرامته وينأى بنفسه بعيدًا ويتابع الحياة من على الهامش . 

فمالنا نقسوا على الموهوب ونعمل على إفشاله وإخراجه من المسار خدمة لمن يتربع على القمة؟! 

ألهذا الحد نحن مجتمع يكره المنافسة أو لا يميل لها ؟! لا غرابة أن تكون الموهبة لدينا فرصة نادرة وحالة استثنائية لا تتكرر كثيرا , فحقيقة المناخ لدينا يقتل الإبداع , الحق أن العبارة صادقة والأدق أننا نصف حالتنا جيدا ثم نكتفي بهذا ..

ثم مالنا نلجأ لأمثلة من الفن فقط, إن نظرت بجوارك في عملك أو غير ذلك , فلن تجد إلاّ قمة واحدة تتسيّد ولا يُسمح لغيرها بالظهور .

لكن.. هل نأسف حقًا علي الموهوب ؟! المؤكد أن حظه لو خدمه قليلًا ومكّنه من الظهور مبكرًا , لداس على الباقيين من الموجودين ولدفعهم ركلًا للقاع كي يتزعّم هو القمة وحيدًا , فالوحدة بالقمة مع الشهرة خير من مجالسة الموهوبين ..

طالما ارتضينا بعرض وحيد في كل شيء فلا غرابة أن يتطور المجتمع ببطء شديد , تطور أحادي الاتجاه لا يقوم على منافسة صحية ولا يساعد على خروج المواهب وإطلاق القدرات والطاقات . 

لنصبح في النهاية مجتمعا يتأرجح بين عناصر مشهورة تسد الأفق وتمنع عنّا هواء التنوّع وحرية الاختيار وتفرض علينا مُنتَجَها الوحيد , بينما جيوش متعطّلة من المواهب تموت كمدا أو تفّر لمكان آخر يقدّرها حق قدرها .وهكذا تصدق مقولة " لا كرامة لنبي في وطنه "

تعليقات