أعلن الدكتور مصطفى وزيري، الأمين
العام للمجلس الأعلى للآثار، عن نجاح البعثة المصرية المشتركة بين المجلس
الأعلى للآثار ومركز زاهي حواس للمصريات بمكتبة الإسكندرية، والتي تعمل في
منطقة آثار سقارة بجوار هرم الملك تتي، أول ملوك الأسرة السادسة من الدولة
القديمة، في تحقيق اكتشافات أثرية مهمة تعود إلى الدولة القديمة والحديثة
والعصور المتأخرة.
وقال
الدكتور زاهي حواس، عالم الآثار المصرية ورئيس البعثة، إن هذه الاكتشافات
سوف تعيد كتابة تاريخ هذه المنطقة، خاصة خلال الأسرتين ١٨ و١٩ من الدولة
الحديثة، وهي الفترة التي عُبد فيها الملك تتي وكان يتم الدفن في ذلك الوقت
حول هرمه.
من
جانبه، قال الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، إن مركز زاهي
حواس للمصريات بالمكتبة يمارس نشاطه بنجاح مُنذ إنشائه في ٢٠١٨ حتى الآن،
واليوم يُسعد مدير المكتبة أن يشارك في مراسم الإعلان عن الكشف الأثري
بمنطقة سقارة، وتشعر المكتبة بأن انتسابها لهذا العمل هو أمر تفخر وتعتز
به، وأن ما جرى هو بداية من سلسلة الاكتشافات الأثرية التي يمارسها "مركز
زاهي حواس للمصريات" بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار، إن هذه الاكتشافات
مهداه إلى العالم ليتعرف على تاريخ الحضارة المصرية العريقة.
وأكد
أن البعثة عثرت على المعبد الجنائزي الخاص بالملكة نعرت زوجة الملك تتي،
والذي تم الكشف عن جزء منه في الأعوام السابقة للبعثة، مشيرا إلى أن البعثة
عثرت أيضًا على تخطيط المعبد، بالإضافة إلى ثلاثة مخازن مبنية من الطوب
اللبن في الناحية الجنوبية الشرقية منه، لتخزين القرابين والأدوات التي
كانت تستخدم في إحياء عقيدة الملكة.
وأضاف
أنه تم العثور أيضا على ٥٢ بئرا تتراوح أعماقها ما بين ١٠ و١٢ مترا،
بداخلها أكثر من ٥٠ تابوتا خشبيا من عصر الدولة الحديثة، وهذه هي المرة
الأولى التي يتم العثور فيها بمنطقة سقارة على توابيت يعود عمرها إلى ثلاثة
آلاف عام.
وأشار
إلى أن هذه التوابيت ذات هيئة آدمية وممثل على سطحها العديد من مناظر
الآلهة التي كانت تعبد خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى أجزاء مختلفة من نصوص
كتاب الموتى، والتي تساعد المتوفى على اجتياز رحلته إلى العالم الآخر.
وعثرت
البعثة داخل الآبار على أعداد كبيرة من المشغولات الأثرية وتماثيل على
هيئة المعبودات مثل الإله أوزير، وبتاح، وسوكر، بالإضافة إلى كشف فريد من
نوعه، حيث عثرت البعثة على بردية يصل طولها إلى أربعة أمتار ومتر واحد عرض،
تمثل الفصل السابع عشر من كتاب الموتى، ومسجل عليها اسم صاحبها وهو "بو -
خع - اف"، وقد وجد نفس الاسم مسجلا على أربعة تماثيل أوشابتي، كما تم
العثور على تابوت خشبي على الهيئة الآدمية لنفس الشخص، بالإضافة إلى العديد
من تماثيل الأوشابتي من الخشب والحجر الفيانس من عصر الدولة الحديثة.
كما
تم العثور على مجموعة من الأقنعة الخشبية، وكذلك مقصورة الإله أنوبيس، إله
الجبانة، وعثر له على تماثيل بحاله جيده وكذلك العديد من الألعاب التي كان
يلعب بها المتوفى في العالم الآخر مثل لعبة "السنت" التي تشبه الشطرنج
حاليا، وكذلك لعبة العشرين مسجل عليها اسم الشخص الذي كان يلعب بها.
وشملت
الاكتشافات العديد من القطع الأثرية التي تمثل طيور مثل إوزة، وبلطة من
البرونز تدل على أن صاحبها كان أحد قادة الجيش في عصر الدولة الحديثة
والعديد من اللوحات المنقوشة عليها مناظر المتوفى وزوجته وكتابات
الهيروغليفية؛ من أجملها لوحة من الحجر الجيري في حالة جيدة من الحفظ ،
مصور عليها منظر متوفى يدعى "خو - بتاح" وزوجته تدعى "موت - ام - ويا".
ويصور
الصف العلوي من اللوحة المتوفى وزوجته في وضع تعبدي أمام المعبود أوزير
والصف السفلي يصور المتوفى جالسا وزوجته خلفه، وتحت كرسي الزوجة مثلت إحدى
بناتهما جالسة تقرب إلى أنفها زهرة اللوتس ويزين رأسها بالقمع العطري، يوجد
أمام الزوجان ستة من الأبناء على صفين حيث نجد الصف العلوي به ثلاثة من
بناتهما جالسات على الأرض يقربون زهرة اللوتس من أنوفهم ويغطين رؤوسهن
أقماع العطر، أما الصف السفلي به ثلاثة من الأبناء الذكور في وضع الوقوف
أمام المتوفى وزوجته.
وأوضح
حواس أنه من الملفت للنظر أن إحدى البنات تحمل اسم "نفرتاري"، سميت باسم
الزوجة المحببة لدى الملك رمسيس الثاني، وحمل اسم أحد الأبناء "خع - ام -
واست"، وهو اسم أحد أبناء الملك رمسيس الثاني، ويعتبر حكيم العصر ويطلق
عليه أنه أول عالم مصريات، حيث كان يرمم آثار أجداده.
ونوه
إلى أن صاحب اللوحة كان المشرف على العجلة الحربية للملك، مما يدل على
مكانته الهامة في الأسرة ١٩، كما تم العثور على كميات رائعة من الفخار الذي
يعود إلى الدولة الحديثة ومنه فخار يثبت العلاقات التجارية بين مصر وكريت
وكذلك سوريا وفلسطين.
وأكد
الدكتور زاهي حواس أن هذا الكشف يؤكد أن منطقة آثار سقارة لم تستغل في
الدفن خلال العصر المتأخر فقط بل وكذلك في الدولة الحديثة، كما أثبت وجود
العديد من الورش التي تنتج هذه التوابيت والتي كان يتم شراؤها عن طريق
الأهالي، وكذلك ورش خاصة بالتحنيط.
وقامت
البعثة بدراسة مومياء إحدى السيدات والتي تبين أن صاحبتها كانت تعاني من
مرض يعرف باسم "حمى البحر الأبيض المتوسط" أو "الحمى الخنازيرية"، وهو مرض
يأتي من الاتصال المباشر بالحيوان ويؤدي إلى خراج في الكبد وهو مرض مزمن
مدى الحياة.
وقامت
الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة بقصر العيني، بعمل الدراسات اللازمة على
المومياوات المكتشفة والتي من بينها مومياء لطفل، وحددت الدراسات أسباب
الوفاة وعمر المتوفى وقت الوفاة.
وأشار
الدكتور زاهي حواس إلى أن البعثة كشفت عن مقصورة ضخمة من الطوب اللبن ترجع
إلى عصر الدولة الحديثة ذات بئر يصل عمقه حتى الآن إلى ٢٤ مترا ولم نصل
بعد إلى نهايته، ومن المتوقع أن ينتهي بحجرة للدفن.
ورصفت أرضية تلك المقصورة بكتل من الحجر الجيري المصقول صقلا جيدا، وغطى
الجزء العلوي من فوهة البئر بالأحجار، ولا يزال العمل جاريا، ويعتقد
الدكتور زاهي حواس أن هذه البئر لم يصل إليه اللصوص وسوف يتم الكشف عنه
كاملا.
وأكد
الدكتور زاهي حواس أن هذا الكشف يعتبر من أهم الاكتشافات الأثرية لهذا
العام، وسوف يجعل سقارة مع الاكتشافات الأخرى مقصدا سياحيا وثقافيا مهما،
وسوف يعيد كتابة تاريخ سقارة في عصر الدولة الحديثة، بالإضافة إلى تأكيد
أهمية عبادة الملك تتي خلال الأسرة ١٩ من الدولة الحديثة.