في ذكرى وفاته ... الإمام البخاري الرجل الذي عاش من أجل جمع أحاديث رسول الله

  • جداريات Ahmed
  • الخميس 03 سبتمبر 2020, 03:40 صباحا
  • 1133
صحيح البخاري

صحيح البخاري

 

   يعد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (13 شوال 194 هـ - 1 شوال 256 هـ) / (20 يوليو 810 م - 1 سبتمبر 870 م). من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل عند أهل السنة والجماعة، يكفي مؤلفه الشهير  كتاب الجامع الصحيح، المشهور باسم صحيح البخاري، الذي يعد أوثق الكتب الستة الصحاح والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم. وقد أمضى في جمعه وتصنيفه ستة عشر عاماً. نشأ يتيماً وطلب العلم منذ صغره ورحل في أرجاء العالم الإسلامي رحلة طويلة للقاء العلماء وطلب الحديث وسمع من قرابة ألف شيخ، وجمع حوالي ستمائة ألف حديث. اشتهر شهرة واسعة وأقرّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه، حتّى لقّب بأمير المؤمنين في الحديث.  وتتلمذ عليه كثير من كبار أئمة الحديث كمسلم بن الحجاج وابن خزيمة والترمذي وغيرهم، وهو أول من وضع في الإسلام كتاباً مجرّداً للحديث الصحيح. ومن أوّل من ألّف في تاريخ الرجال. امتُحن أواخر حياته وتُعصّب عليه حتى أُخرج من نيسابور وبخارى فنزل إحدى قرى سمرقند فمرض وتوفيّ بها.

 وقد اختلف المؤرخون حول أصله، عربي أم فارسي أم تركي، فأخذ بعضهم كأبي الوليد الباجي، والخطيب البغدادي، والنووي، وابن ناصر الدين، والذهبي، وغيرهم برواية أبو أحمد بن عدي الجرجاني في كتاب الكامل أن جدّه الأكبر بردزبه كان فارسي الأصل، عاش ومات مجوسيّاً. ويقال جدّه المغيرة قد أسلم على يد والي بخارى: يمان المسندي البخاري الجعفي. فانتمى إليه بالولاء(4) وانتقل الولاء في أولاده، وأصبح الجعفي نسباً له ولأسرة البخاري. وقيل أنه تركي أصله من الأوزبك وهو ما لمح له عدد من المؤرخين مثل حمد الله المستوفي وأبو سعيد الجرديزي وعبد الرزاق السمرقندي وإغناطيوس كراتشكوفسكي وفاسيلي بارتولد. وقيل أنه عربي أصله من الجعفيين.(5) فذكر عدد من العلماء أن جدّه الأكبر هو الأحنف الجعفي وأن "بَرْدِزبَه" صفة وليس اسم وتعني "الفلاح" وهو ما تعود العرب عليه في البلدان الأعجمية، وممن اعتمد هذا الرأي ابن عساكر، وابن حجر العسقلاني، وتاج الدين السبكي، وزين الدين العراقي، وابن تغري،، ورجّحه عدد من المعاصرين منهم مصطفى جواد، وناجي معروف، وعبد العزيز الدوري، وصالح أحمد العلي، وحسين علي محفوظ، وفاروق عمر فوزي ولبيد إبراهيم أحمد العبيدي وفقا لموسوعة ويكيبيديا

مسقط رأسه أوزبكستان حاليا

ولد الإمام البخاري في بخارى إحدى مدن أوزبكستان حاليا، ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة 194 هـ، وتربّى في بيت علم إذ كان أبوه من العلماء المحدّثين، واشتهر بين الناس بسمته وورعه، ورحل في طلب الحديث وروى عن مالك بن أنس وحماد بن زيد كما رأى عبد الله بن المبارك. وتوفيّ والإمام البخاري صغير. فنشأ البخاري يتيماً في حجر أمه، وروى المؤرخون أن بصره أصيب وهو صغير فرأت أمه إبراهيم عليه السلام في المنام فقال لها:«يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ولكثرة دعائك» فأصبح وقد رد الله عليه بصره.

ومال البخاري إلى طلب العلم وحفظ الأحاديث وتحقيقها وهو حديث السنّ، فدخل الكتّاب صبيًا فأخذ في حفظ القرآن الكريم وأمهات الكتب المعروفة في زمانه، حتى إذا بلغ العاشرة من عمره، بدأ في حفظ الحديث، والاختلاف إلى الشيوخ والعلماء، وملازمة حلقات الدروس، وبالإضافة إلى حفظ الحديث فإنه كان حريصاً على تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ومعرفة علل الأحاديث وسبر أحوال الرواة من عدالة وضبط ومعرفة تراجمهم وإتقان كلّ ما يتعلّق بعلوم الحديث عموماً. ثم حفظ كتب عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وهو ابن ست عشرة سنة، وفي تلك السنة حوالي عام 210 هـ خرج من بخارى راحلًا إلى الحج بصحبة والدته وأخيه أحمد، حتى إذا انتهت مناسك الحج رجعت أمه مع أخيه إلى بلدها، بينما تخلف البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، فلبث في مكة مدّة ثم رحل إلى المدينة النبوية وهناك صنّف كتاب التاريخ الكبير وعمره ثماني عشرة سنة. قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم تلميذ البخاري وورّاقه وصاحبه: «قلت للبخاري: كيف كان بدء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث في الكتّاب ولى عشر سنين أو أقل، وخرجت من الكتّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخليّ وغيره، فقال يوماً فيما يقرأ على الناس: سفيان عن أبى الزبير عن إبراهيم. فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم. فانتهرني. فقلت له: ارجع إلى الأصل. فدخل ثم خرج فقال لي: كيف يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدى عن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأصلحه. وقال: صدقت.» قال: «فقال للبخاري بعض أصحابه: ابن كم كنت؟ قال: ابن إحدى عشرة سنة. فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمى وأخى أحمد إلى مكة فلما حججت رجع أخى بها وتخلفت في طلب الحديث، فلما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم في الليالى المقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله عندى قصة، إلا أنى كرهت تطويل الكتاب.»

 

بداية رحلاته العلمية الشاقة

بلغت رحلات الإمام البخاري العلمية للأخذ عن الشيوخ، والرواية عن المحدّثين، الى عدد كبير جدا فقد زار أكثر البلدان والأمصار الإسلامية في ذلك الزمان للسماع من علمائها. وابتدأ طلبه للعلم في بلده بخارى بعد خروجه من الكتّاب، فسمع من شيوخ بلده، ثم توسع ورحل إلى الأقاليم المجاورة ليسمع من شيوخها، فرحل إلى بلخ، ومرو، والريّ وهراة ونيسابور. وكان عمره أول مرة دخل نيسابور خمس عشرة سنة. قال الحاكم النيسابوري: «أول ما ورد البخاري نيسابور سنة تسع ومائتين، ووردها في الأخير سنة خمسين ومائتين، فأقام بها خمس سنين يحدث على الدوام.» ثم ارتحل إلى الحجاز فدخل مكة ثم رحل إلى المدينة النبوية فاستقرّ بها مدّة، ثم انطلق في الأمصار حتى شملت رحلاته أغلب الحواضر العلمية في وقته. فرحل إلى العراق فدخل بغداد وواسط والكوفة والبصرة وبالشام: دمشق وحمص وقيسارية وعسقلان كما رحل إلى مصر.

ومن جانبه قال الخطيب البغدادي: «رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز والشام ومصر.» قال البخاري: «دخلت بغداد آخر ثمان مرات، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل. فقال لي في آخر ما ودعته: يا أبا عبد الله، تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان!» وقال: «لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن أدركتهم وهم متوافرون أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، وبالبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد.» وأراد الرحلة إلى اليمن ليسمع من عبد الرزاق الصنعاني فلم يُقدّر له ذلك. قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: «قدم البخاري ببغداد سنة عشر ومائتين وعزم على المضي إلى عبد الرزاق باليمن فالتقى بيحيى بن جعفر البيكندي فاستخبره فقال مات عبد الرزاق ثم تبين أنه لم يمت فسمع البخاري حديث عبد الرزاق من يحيى بن جعفر».

كما أتاحت للإمام البخاري رحلاته الكثيرة وتطوافه الواسع في الأقاليم لقاء عدد كبير من الشيوخ والعلماء، حتى بلغوا أكثر من ألف رجل. قال البخاري: «كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث.» وقال: «دخلت بلخ فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ.» ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، فقد سئل مرة عن خبر حديث فقال: « يا أبا فلان تراني أدلس؟! تركت أنا عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر.»

وقد اهتمّ العلماء بذكر شيوخ البخاري فسمّأهم بعض العلماء ورتّبهم على الأقطار ورتّبهم بعضهم حسب الطبقة، ورتّبهم بعضهم حسب عدد الروايات، ورتّبهم بعضهم على حروف المعجم. قال النووي: «هذا الباب واسع جدًا لا يمكن استقصاؤه، فأنبه على جماعة من كل إقليم وبلد، ليستدل بذلك على اتساع رحلته، وكثرة روايته، وعظم عنايته.» ومن أهم وأبرز شيوخ البخاري الذين أّثروا في تكوينه العلمي ومنهجه الحديثي: علي بن المديني، وهو من أكثر الشيوخ الذين تأثر بهم البخاري، قال: «ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني.» وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، والفضل بن دكين. ومن أهمّ شيوخه الذين سمع منهم في البلدان:

 

الإمام أحمد بن حنبل والإمام البخاري

بمكة: أبو الوليد أحمد بن محمد الأزرقي، وعبد الله بن يزيد المقريء، وأبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، وأقرانهم. وبالمدينة: إبراهيم بن المنذر الخزامي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وإبراهيم بن حمزة، وأبو ثابت محمد بن عبيد الله، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وأقرانهم. وبالشام: محمد بن يوسف الفريابي، وآدم بن أبي إياس، وأبو اليمان الحكم بن نافع، وحيوة بن شريح، وأقرانهم. وببخارى: محمد بن سلام البيكندي، وعبد الله بن محمد المسندي، وهارون بن الأشعث، وأقرانهم. وبمرو: علي بن الحسن بن شقيق، وعبدان عبد الله بن عثمان بن جبلة، ومحمد بن مقاتل، وأقرانهم. وببلخ: مكي بن إبراهيم، ويحيى بن بشر البلخي، والحسن بن شجاع، وقتيبة بن سعيد، وأقرانهم، وقد أكثر بها. وبنيسابور: يحيى بن يحيى التميمي، وبشر بن الحكم، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن رافع، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأقرانهم. وبالريّ: إبراهيم بن موسى الرازي. وببغداد: محمد بن عيسى الطباع، وسريج بن النعمان، وأحمد بن حنبل، وأقرانهم، وبواسط: حسان بن عبد الله بن سهل، وسعيد بن عبد الله بن سليمان، وأقرانهم. وبالبصرة: أبو عاصم النبيل، وصفوان بن عيسى الزهري، وعفان بن مسلم الصفار، وسليمان بن حرب، وأبو الوليد الطيالسي، ومحمد بن الفضل عارم، وأقرانهم. وبالكوفة: الفضل بن دكين، وإسماعيل بن أبان، والحسن بن الربيع، وطلق بن غنام، وقبيصة بن عقبة وأقرانهم. وبمصر: سعيد بن أبي مريم، وأصبغ بن الفرج، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وأقرانهم.

 

ونظراً لكثرة شيوخ البخاري واختلاف أمصارهم وجهاتهم فقد حصرهم المحدّثون كابن حجر العسقلاني في خمس طبقات:

 

الطبقة الأولى: من حدثه عن التابعين: مثل مكي بن إبراهيم وأبي عاصم النبيل والفضل بن دكين وغيرهم، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين.

الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين: كآدم بن أبي إياس وسعيد بن أبي مريم وأمثالهم.

الطبقة الثالثة: هي الوسطى من مشايخه، وهم من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع: كسليمان بن حرب وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأمثال هؤلاء. وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم.

الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب وبعض شيوخه ممن سمع قبله قليلا، كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي وجماعة من نظرائهم، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه، أو ما لم يجده عند غيرهم.

الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد، سمع منهم للفائدة: كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم، وقد روى عنهم أشياء يسيرة. وعمل في الرواية عنهم بما روي عن وكيع قال: «لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه.»

وقد صنّف عدد من العلماء كتباً للعناية بأسماء شيوخ البخاري منها:

 

أسامي من روى عنهم محمد بن إسماعيل البخاري من مشايخه الذين ذكرهم في جامعه الصحيح على حروف المعجم. لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني.

أسامي مشايخ الإمام البخاري: لمحمد بن إسحاق بن منده.

أسامي شيوخ البخاري: لرضيّ الدين الحسن بن محمد الصغاني.

المعلم بأسامي شيوخ البخاري ومسلم: لأبي بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون.

شيوخ البخاري ومسلم: للأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي.

التعريف بشيوخ حدّث عنهم البخاري: لأبي علي الحسين بن محمد الغساني.

تلاميذه ومن روى عنه

 

الإمام مسلم بن الحجاج، أحد أبرز تلاميذ الإمام البخاري وصاحب كتاب صحيح مسلم، ثاني أصح الكتب المصنّفة عند أهل السنّة والجماعة بعد صحيح البخاري

تتلمذ على البخاري وسمع واستفاد منه عدد كبير جداً من طلّاب العلم والرواة والمحدّثين، قال أبو علي صالح بن محمد جزرة: «كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد وكنت أستملى له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا.» وروى الخطيب البغدادي عن محمد بن يوسف الفربري أحد أكبر تلاميذ البخاري أنه قال: «سمع الصحيح من البخاري معي نحوٌ من سبعين ألفًا.» وروي أن عدد من سمع منه كتابه الصحيح بلغ تسعين ألفاً. ولم يكد يشتهر بين الناس بسعة حفظه وتثبّته وإتقانه حتى أقبل طلاب الحديث يسعون إليه ويتحلّقون حوله طلباً للرواية عنه والسماع منه، قال محمد بن أبي حاتم ورّاق البخاري: «كان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.» وقال يوسف بن موسى المروروذي: «كنت بجامع البصرة إذ سمعت مناديا ينادي: يا أهل العلم، قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري. فقاموا في طلبه، وكنت فيهم، فرأيت رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة، فلما فرغ أحدقوا به، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء، فأجابهم. فلما كان من الغد اجتمع كذا كذا ألف، فجلس للإملاء، وقال: يا أهل البصرة أنا شاب، وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون الكل: حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد بلديكم، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، وغيره، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس أن أعرابيا قال: يا رسول الله الرجل يحب القوم... الحديث. ثم قال: هذا ليس عندكم، إنما عندكم عن غير منصور. وأملى مجلسا على هذا النسق.»

 

ولم يقتصر الانتفاع من البخاري على التلاميذ بل شملت شيوخه، قال البخاري: «ما قدمت على أحد إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به.» وقد أدرك هذا الامتياز أساتذته الكبار وقدّروه حتى منذ صغره. يقول البخاري: «دخلت على الحميدي وأنا ابن ثمان عشرة سنة يعني أول سنة حج فإذا بينه وبين آخر اختلاف في حديث فلما بصر بي قال جاء من يفصل بيننا فعرضا علي الخصومة فقضيت للحميدي وكان الحق معه.» وقال أبو بكر الأعين: «كتبنا عن البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي، وما في وجهه شعرة فقلنا: ابن كم أنت؟ قال: ابن سبع عشرة سنة.»

صنّف الإمام البخاري وألّف كتباً كثيرة، وقد هيّأه للتأليف والكتابة وأعانه عليها ذكاؤه الحاد، وسعة حفظه، وذاكرته القوية، ومعرفته الواسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من تعديل وتجريح، وخبرته التامّة بالأسانيد من صحيح وضعيف. وقد وصلنا بعض كتبه وطُبعت بينما لا يزال بعضها مفقوداً. وجُلّ مصنّفاته وكتبه لا تخرج عن السُنّة والحديث وعلومه من رواية ودراية ورجال وعلل. ومن هذه المصنّفات:

 

تعليقات