الإعلان عن وظائف للأئمة في الأوقاف يناير المقبل
- الخميس 21 نوفمبر 2024
الروائية نبيلة محجوب
الزمن أم التقدم في العمر..؟!
الماضي، يمثل لكل جيل، مراحل وعي، وخبرات، تتحول مع الزمن إلى قناعات.
كل التجارب، التي تخوضها في غمار الحياة، تمنحك مفاتيح أبواب فهمك للحياة بعمق.
الأحلام، التي كانت فراشات تتطاير أمامك، وأنت تركض خلفها، وتمد يديك لتقبض شيئًا منها، لكنك تهوي بعيدًا عنها، مرة تصاب بكدمات خفيفة في إيمانك بقدراتك، ومرة تكسر ثقتك في إمكانياتك، وأُخرى تتحطم عظام رغباتك، وتظن أنك عاجز عن ترميم حطامك وتجبير كسورك، أو علاج كدمات أحلامك، تكتشف بمرور الزمن، وانتقالك من طور لطور، في رحلة العمر؛ أن الفراشات التي كنت تركض خلفها، لا تستحق كل ذلك الركض، وأنك تعلمت الكثير من الإصابات المتتالية، فإذا كانت، «كل دقة بتعليمة»، فإنك أصبحت قويًا بإيمانك، وراضيًا بما حصدته في رحلة حياتك، وقانعًا بالقليل من كل شيء.
الأحلام، في مرحلة الشباب، تتحول إلى أطماع، واستحواذ، لكن في مراحل عمرية متقدمة، تصبح الفراشات الملونة الجميلة طيورًا وصقورًا وغربانًا، وقتها فقط تدرك، أن ما خسرته من لحظات جميلة، سواء كانت، مع ذاتك، أو مع كتاب، أو بصحبة الأهل، أو الأصدقاء، أو منح بعض الوقت لمساعدة الآخرين، لن تتمكن من تعويضه، وأنه ليس بإمكانك الرجوع خطوة، فالعمر قاطرة تسير إلى الأمام ولا ترجع إلى الخلف.
في عصرنا هذا ارتفعت مهارات الأجيال وأصبح بإمكان الطفل أن يقود الشيخ، يقوده بمهارة استخدامه ليس فقط للأجهزة الذكية، وكيفية التعامل مع وسائل التواصل والتقنية الحديثة، بل يمكنه التحكم في أدواتك وأجهزتك وممتلكاتك، لم يعد اليوم في حياة الإنسان يمثل عامًا من الخبرة والمعرفة، بل كل يوم تكتشف أن العالم يتحرك حولك بسرعة وأنت مكانك سر.
لا أخفي سرًا أنني أتعامل بحذر مع الأجهزة الذكية، وقنوات التواصل الاجتماعي، ولا أنكر أن براعة الأطفال من حولي في استخدامها يحرك داخلي هذه المقولة: «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة» فتحفزني لتعلم استخدام تلك الأجهزة اعتمادًا على التجربة والفشل، وتكرار التجربة حتى أصل لمعرفة ما أظن أنه منتهى الأمل، فأكتشف أنني لازلت أفك الخط في هذا العالم الذي يتقنه الطفل ولازلت في مرحلة الحبو، وأحيانًا أخطئ أخطاءً فادحة يصنفها الشباب بالكارثة!
مثلا ظننت أنني أجيد التعامل مع جهاز الآيفون، وأن الرقم السري يحفظه من عبث الأحفاد، لكني فوجئت بحفيدتي تفتحه بالبصمة، نظرت إليها بدهشة، لم تعتذر بل أكدت لي أنني حتى لو غيرت الرقم السري تظل بصمتها ثابتة وقادرة على فتح هاتفي غير عابئة بالرقم السري.
لم أكن أستخدم خاصية الرسائل الصوتية، خوفًا من الخطأ، لكن عندما رأيت حفيدي ذا العامين يمسك هاتفي ويرسل رسائل صوتية لمن يقع رقمه في طريقه عشوائيًا، اكتسبت قدرًا من الشجاعة، وجدتها أسهل وأسرع.
هل لازالت مقولة «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة» طريقة لاستحواذ الكبار على العلم والمعرفة في زمانهم، وأزمنة تغيرت معطياتها ولم يعد لهم فيها بصمة إصبع، كأن ماضيهم خُط على صفحة مياه البحر تبتلعه الموجة إثر الموجة، أو على وجه رمال صحراء تمحوه الرياح وتبدد ذراته في الهواء، أم أن التقنية مختلفة عن الوعي والخبرة والتجربة التي تصل بالإنسان إلى الحكمة والحكم على الأشياء بمنظار العقل لا العاطفة؟
ربما هو هذا صراع الأجيال الأزلي الأبدي، فلا مجال لتغيير مساره، أو الخوض لوقف تدفقه وتجدده من جيل لجيل أو حسب مقولة سقراط: «لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فزمانهم غير زمانكم»!