رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

الفستان البني.. قصة قصيرة للكاتب أشرف الخضري

  • جداريات 2
  • الأحد 17 مايو 2020, 1:07 مساءً
  • 983
الروائي أشرف الخضري

الروائي أشرف الخضري

كنت أنظر إليها باستنكار، لكنني فى أعماق نفسى كنت أستمتع وبشهوة بغيضة كلمّا مرّت أمامي، جسدها الطري يترجرج تحت فستانها البني، أحسسته بعينى ناعما يهتز فى تناغم، وأنا أطيل النظر إلى ظهرها وهي تمضي فى طريقها دون أن تعرف أنّ عيون الذئاب تتلصص على جسمها الجميل. 

تعبر أمام المقهى فى الصباح ذاهبة إلى عملها كمدرسة تربية دينية وتعود فى الثانية بعد الظهر، عرفت اسمها ووظيفتها وعنوانها من باب الفضول والثرثرة ، عندما سألت صديقي فكرى عنها قال لي: 

     هذه الأرملة (الفرسة) لا أنام من كثرة التفكير فيها ،وأنه يجيء كل يوم فى السابعة صباحا ليراها وفى الثانية ظهرا ليستمتع بالتلصص على ...........وهى ترتج تحت فستانها البنى الضيق و خصرها يختنق بحزام من القماش. 

قلت له:  

     لماذا لا تتقدم للزواج منها ما دمت مغرما بها إلى حد الأرق والنوم التعيس. 

   - إنها لن تقبل بي !! 

   - لماذا لا تقبل ؟  

   - هى موظفة ومتعلمة وأنا رجل جاهل . 


   - المرأة فى ظروف كهذه لا تبحث عن شهادة جامعية ومظهر اجتماعى كاذب ، بل تحتاج إلى الأمان والحب . 

قال لى وقد التمعت عيناه وبدأ التوتر يسرى فى دمه وارتعشت يده وهو يرتشف من فنجان البن رشفات متتالية بصوت مستفز : 

   - يعنى أتقدم لها يا استاذ على ضمانتك ؟ 

   - الضامن هو الله  . 


عندما انصرف صاحبى ظللت أفكر فى الأرملة الجميلة ، وشعرت برغبة ملحة لتأمل وجهها والنظر فى عينيها مباشرة ، ولأنني خشيت أن أنسى هذه الرغبة قمت بضبط منبه الهاتف عند الثانية ظهرا، ومع أول ارتعاشة للهاتف توجهت إلى المقهى .

اخترت مكانا يكفل لى النظر إلى وجهها من أول انعطافة الشارع ، لمحت عيناي اطلالتها من بعيد،حشدت كل حواسى، رأيت ابتسامتها كأن حديقة من الورود البيضاء نبتت فجأة من الأرض وهى تنتقي حبات الطماطم من عربة فؤاد على ناصية الشارع وهو يلتصق بها ويعاونها فى تعبئة الكيس دون أن ينفر جسدها عفويا بعيدا عن جسده ،حملت كيس الطماطم والكرنبة واتجهت حيث انتظر،عندما أصبحت على بعد أمتار منى لاحظت أنني لا أرفع عينى عن وجهها، كان وجهها جميلا أبيض كالحليب ومستديرا كالبدر، تورد محمرا فى الخدين عندما حاصرتها نظراتى الخادشة ، عيناها واسعتان كحيلتان وأنفها دقيق وشفتاها ممتلئتان بتناسق فاتن، كانت تنتعل 


حذاء" بغير كعب كى لا تزداد طولا على طولها الفارع . فى لفتة خاطفة نظرت لى من فوق إلى تحت، ووقعت عيناها على حذائى، ثم رفعت وجهها ونظرت فى عينى . ابتسمت عيناي لكنها كانت واجمة جامدة لا يصدر عنها أى رد فعل ، وتجاوزتنى وأكملت طريقها ، شعرت بالخجل من أن أستدير وأنظر إليها من الخلف .

 مضى يومى وانشغلت ونسيتها، ولكننى عندما استرخيت فى فراشى ليلا تذكرتها واستحضرها عقلى أمام عينى بكل تفاصيلها الجميلة، جرت الدماء فى العروق المتكاسلة ، توهمت أنني تزوجتها وأنا أمسك يدها عبر الصالة متجهين إلى غرفة النوم  ، وكم أحب اللون الكحلى .

أفقت من أحلامى المستيقظة على شد عضل قوى فى بطن فخذي، أثنيت أصابع قدمى باتجاه أنفى وشددت ساقي بقوة حتى ذهب توتر العضلة ، سألت نفسى هل من الممكن أن أقبل بامرأة انكشفت على رجل قبلى وتقاسما الريق والأنفاس واختلطا حتى الاعياء ، وكيف سينظر لي أصدقائي وأقربائي كعازب يتزوج من أرملة؟! 


حاولت تجاهل التفكير فيها لكن فشلت ، كان جمالها يستحوذ على خيالى ويعصرنى كعود قصب يمر ببطء فى فوهة عاصرة حديدية تسحبه إلى الداخل ولا تفلته ، جذبت الوسادة من شعرها بعنف الغرام ثم انفلق الصبح!

بسرعة ولهفة كمن ينتظر موعدا هرولت إلى المقهى جلست على الرصيف وأصبحنا خمسة رجال مصفوفين بجوار بعضنا، لم يكن صعبا أن أكتشف أن الذي جمعنا وأيقظنا مبكرا وجعلنا نتزاحم على الجلوس هكذا هو انتظار إشراقة الشمس، شمس الأرملة الجميلة. كانت عشرة أعين تنهش لحم المرأة وهى تمر أمامنا ، وتشجع فكري وقال : 

 (( فرسة عاوزة خيال !!)) وصبى المقهى يهز مصفاة النار بعصبية واحتراف ولا ينزع عينيه عنها ويرفع صوته (( يا مصبر الوحش  )) وفكري يرد عليه ساخرا (( الشراقوة عزموا القطر )) ويدخلان فى مبارزة ساخرة بالألسنة !! يمتلأ الشارع بالأقدام ، تتزاحم العربات ويعلو الضجيج وآلات التنبيه، نساء وبنات يعبرن ، تنتقل الأعين هنا وهناك، دون أن تفقد تركيزها الحميم مع صاحبة الفستان البنى. كل واحد منهم يحلم بالارتباط بها دون أن يتجرّأ على التقدّم لخطبتها ، أنا بينهم الأعزب الأكثر ترددا، تفاصيلها تجذبنى إليها بقوّة ، أتحيّر فى مشاعرى نحوها هل يكفى انبهارى بجمالها الجسدي لفتح بيت جديد، هل يمكن أن نبقى معا بعدما تنتهى اللذة ويبترد وهج الغرام ، حاجز عظيم بداخلى يعيقنى عن تقبل الفكرة ، انا  أريد فتاة عذراء ، ناقوس مزعج يدق فى رأسى "عذراء" تحرقنى الكلمة لكن رغبتى فيها تحرقنى أكثر !!  

 رأيتها صباح وظهيرة الأسبوع كلّه، كان فستانها البني الضيق لغزا محيّرا بالنسبة لى ،فى الأحد التالي لم تظهر المرأة فى الصباح ، انقضى الأسبوع ولم يرها أحد ، وعندما امتلأت المقهى بالزبائن  بعد صلاة الجمعة ، كانت التهانى تنهمر على فؤاد  ، لم يخطر ببال أحد منّا أنّ ابتسامات الأرملة لفؤاد وتجاذب أطراف الحديث معه وهى تشتري الخضراوت أثناء عودتها من المدرسة  ستنتهى هذه النهاية. عندما سألت فكري واهما نفسي أنّ ما فهمته خطأ، أكدّ لي أنّ فؤاد تزوّج الأرملة وقضيا أسبوع العسل الأوّل !! اتسعت عيناي وأنا مستغرق فى دهشة خانقة وسألت صديقى كيف قبلت هذه المرأة الجميلة برجل كفؤاد بائع الخضار الجوال فى شوارع المدينة على باب الله !  

عندئذ تدخل العجوز عم رفعت فى الحديث وهو ينفخ دخان المعسلة ويكح قائلا : 

  ((   هى تطول ؟ دى مدرسة (كحيانة) مفيش حيلتها إلا الفستان البنى الضيق اللى بتجننكم بيه كل يوم، وعايشة فى بيت أخوها ومراته سقياها الذل !! و فؤاد شاب لسه بدمه، خلقته حلوة ودمه خفيف وعنده شقته وما دخلش دنيا، وبيعرف يفك الخط !!  ))

نظرت لشفاه عم رفعت بغيظ وسألته كيف تعرف كل هذه التفاصيل ، فنظر لى بثقة وأخبرنى أن البيت أمام البيت وأنها زميلة ابنته ! قلت فى نفسى عجوز مفضوح وشعرت بالندم على ضياع هذه الجوهرة من يدى لأسباب تافهة بداخلى !! 

#مجموعة في ثقب بيضة


تعليقات