د. محمد جاد الزغبي يكتب: كيف نـتـقرب إلى الله بالاستقلال؟

  • أحمد عبد الله
  • الإثنين 04 مايو 2020, 9:28 مساءً
  • 996
د. محمد جاد الزغبي

د. محمد جاد الزغبي

* كيف نـتـقرب إلى الله .. بالاستقلال

 

ترى هل يوجد عبادة يمارسها المرء تجاه ربه يمكن أن نسميها الاستقلال ؟!

والجواب ..

بل هى من أعظم القربات التى يمكن أن تضمن للمسلم سلامة دنياه مع سلامة دينه أيضا, بل وتصبح أشبه برداء مضاد لرصاص الفتن فلا يناله منها شيء, والوصول لها سهل ميسور ولكنه من النوع السهل الممتنع , وكثير من الناس يضحون بها ــ رغم أنها كما قلت ــ تمثل كنزا رهيبا يتمثل فى حمايتك من أعتى ما يواجهه المسلم فى عالم اليوم ..

وللتوضيح والبيان باختصار ..

إن الله تعالى يغار على عبده ويغار على نسبة العبد لغير ربه , ومن كوامل الإيمان فى العقيدة الإسلامية أن تكون مسلما مستقلا لا ينبع رأيك ــ حتى لو كنت عاميا لا عالما ـــ إلا بتجرد تام ما استطعت لذلك سبيلا ,

 

والاستقلال فى حال العوام فضيلة ومكرمة لكنه فى أصحاب العلم والفكر والعقل فريضة مفروضة , فكونك مسلم ينتمى بمرجعيته للقرآن والسنة ومن عمل بهما منذ عهد الصحابة رضي اللهم عنهم .. يستلزم وجوبا ألا ترهن عقلك وفق هواك ناحية يمين أو يسار أو ناحية حزب أو جماعة فتتعصب لها وتدافع عنها بطول الخط حتى لو كان من تتحمس لهم من أولى أولياء الله ! , لأن المرهون بالإتباع هو النبي المعصوم عليه السلام ومن سار بسنته بعده

وما بدأت حضارة الإسلام فى الإنهيار إلا عندما أصبح الدين ( أيديولوجيا ) والسياسة حزبية , وتأييد أو رفض الحكام يأتى بين أقصي اليسار وأقصي اليمين , وانسحق تقريبا من حياتنا مسألة أن نقول للمصيب أصبت , ونقول للمخطئ أخطأت , بل أصبحت مجالات الحياة فى الدين والسياسة ككرة القدم فأنت ملتزم بناديك الذى تشجعه ولو كان أفشل ناد , وتعادى وتوالى عليه بغض النظر عن خطئه أو صوابه ..

 

وبنظرة بسيطة على مواقع التواصل الإجتماعى تجد الإثبات القطعى على هذا ,

فما من نظام حكم أو مذهب دينى منذ بداية حركة التواصل الإجتماعى إلا وتجد له فريقان ــ لا ثالث لهما ــ على طرفي نقيض , فهذا مشجع بطول الخط , وهذا ناقم بطول الخط أيضا , وكأن الله قد وهب العصمة لأتباع هؤلاء وهؤلاء فلا يرون اللون الرمادى الذى جعله الله تعالى علامة للبشر منذ فجر التاريخ , فليس فى البشر ملائكة ولا شياطين , وكلهم فيه الخير وفيه الشر والغلبة لمن يغلب هذا أو ذاك ..

والمستحيل بعينه فى التاريخ الحديث أن تجد حكما موضوعيا تجاه أنصار أى طرف دينى أو سياسي فالجماعة الدينية ــ أيا كانت ــ فى نظر أتباعها معصومة , وفى نظر محاربيها كفار , والحكام لا سيما منذ 2011 , إما أنهم شياطين يستحى إبليس منهم , وإما أنهم ملائكة يراهم أتباعهم بالأجنحة مثنى وثلاث ورباع !

 

وليست بالطبع هذه هى المفارقة الوحيدة ,

بل الكارثة الأعظم , والذى لا يدركه معظم المتعصبين أن الغالبية العظمى ممن هم ( مع أو ضد ) إنما هم أدوات لا ثمن لها يستفيد بهم كبار أهل المصالح دون أن يُـشعروهم بذلك مطلقا وأصحاب المصالح غالبا لا تتجاوز نسبتهم خمسة بالمائة فى أى تجمع دينى أو سياسي أو مذهبي يتاجرون بكل شيئ , وعندهم تبرير أمام أتباعهم لكل نقيصة أو رذيلة يرتكبها هؤلاء مهما كانت هذه النقيصة مناقضة لأبسط الشعارات التى يخدرون بها أعصاب تابعيهم , ورغم هذا فالهوى يعمى ويصم ,

وعلى كثرة ما قرأت من تاريخ الشخصيات والتراجم الذاتية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم , ما وجدت شيئا يدمر شخصية الإنسان المتميز بقدر ما يفعل الهوى , فالهوى رأيناه أمامنا حَوّل بعض كبار رجال العلم إلى زنادقة بعد لجوئهم لفخ التبرير , وحَوّل بعضا من عباقرة العقول السياسية إلى بلهاء لا يدرون ما يقولون ! , وحول بعض الحكام والزعماء الاستثنائيين أصحاب الكاريزما إلى ما يشبه مهرجى السيرك

وفى نفس الوقت ,

ما وجدت فضيلة تسببت فى تخليد ذكرى الرموز التاريخية حتى اليوم أكبر وأعظم من فضيلة الاستقلال والتمسك بالمبدأ تحت أى ظرف والاعتراف بالخطأ أمام خصومهم قبل أتباعهم ,

ولا يوجد مثل دروس التاريخ عبرة وعظة , هذا بعد كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

تعليقات