الأزهر الشريف ناعيا "عمارة " ترك فراغًا يصعب ملؤه في صفوف كبار العلماء

  • جداريات Ahmed
  • السبت 29 فبراير 2020, 12:05 مساءً
  • 694
المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة

المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة

نعى الأزهر الشريف، العالم الفذ  والمفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الذي وافته المنية مساء الجمعة عن عمر يناهز 89 عامًا بعد صراع قصير مع المرض .

وأكد الأزهر الشريف، في بيان له اليوم السبت أن رحيل الدكتور محمد عمارة ترك فراغًا يصعب ملؤه في صفوف كبار العلماء الذين يحملون على عاتقهم أمانة العلم، وصدق الكلمة، وأن التاريخ سيظل يذكر فقيد الأزهر والأمة العربية والإسلامية بعلمه وفكره الوسطي في تبليغ رسالة الله والدفاع عن سماحة الإسلام ووسطيته وإعلاء شأنه، ودحض ما أثير عنه من شبهات، تشهد على ذلك مصنفاته المملوءة علمًا وحكمةً ومعرفةً، وإسهاماته الكبرى في إثراء الفكر الإسلامي، والتي ملأت الدنيا وغطت كل القضايا الفكرية العامة والمعاصرة، ومحاضراته التي أفاد منها الآلاف من طلاب العلم في العالم الإسلامي.

وأعرب الأزهر، عن حزنه وألمه لرحيل المفكر الكبير، فإنه يتقدم بخالص العزاء للعالم الإسلامي، ولأسرة الراحل، سائلًا الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".

والجدير بالذكر ولد المفكر الراحل في قرية صروة بريف مصر، التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ. وحفظ القرآن وجوَّده في كُتَّاب القرية. بدأت تتفتح وتنمو اهتماماته الوطنية والعربية وهو صغير. وكان أول مقال نشرته له صحيفة (مصر الفتاة) بعنوان (جهاد عن فلسطين). حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية 1965 م من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة. ثم حصل على الماجستير في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية من نفس الكلية عام 1970، حصل على الدكتوراه في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية عام 1975 من نفس الكلية.

مر الدكتور عمارة بتحولات فكرية عديدة، فيقول أكرم ذياب وقد نشر بحثا موسعا للرد على أفكار عمارة أن الأخير عاش سلسلة من التحولات الفكرية وقد مر بأطوار (...) من الماركسية إلى الاعتزال فالسلفية إلى غير ذلك ويقول الدكتور محمد عباس إن محمد عمارة هو واحد من كوكبة لامعة صادقة هداها الله فانتقلت من الفكر الماركسي إلى الإسلام...وكانت هذه الكوكبة هي ألمع وجوه اليسار فأصبحت ألمع وجوه التيار الإسلامي، ودليلا على أن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام.

حصل على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع، منها "جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، بلبنان سنة 1972م"، وجائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1976، ووسام التيار الفكري الإسلامي القائد المؤسس سنة 1998م.

كما حقق لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة، جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وألف الكتب والدراسات عن أعلام التجديد الإسلامي مثل: الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، والشيخ محمد الغزالي، ورشيد رضا، وخير الدين التونسي، وأبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، وحسن البنا، ومن أعلام الصحابة علي بن أبي طالب، كما كتب عن تيارات الفكر الإسلامي القديمة والحديثة وعن أعلام التراث من مثل غيلان الدمشقي، والحسن البصري.

من أواخر مؤلفاته في الفكر الحديث: الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديل الأمريكاني، والغرب والإسلام _أين الخطأ..وأين الصواب؟، ومقالات الغلو الديني واللاديني، والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، أزمة الفكر الإسلامي الحديث، والإبداع الفكري والخصوصية الحضارية، وغيرها كثير.

أسهم في العديد من الدوريات الفكرية المتخصصة، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية، ونال عضوية عدد من المؤسسات الفكرية والبحثية منها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمعهد العالي للفكر الإسلامي. اتسمت كتابات الدكتور عمارة وأبحاثه التي أثرى بها المكتبة العربية والتي وصلت إلى (200) مؤلفا بوجهات نظر تجديدية وإحيائية، والإسهام في المشكلات الفكرية، ومحاولة تقديم مشروع حضاري نهضوي للأمة العربية والإسلامية في المرحلة التي تعيش فيها.

وينتمي الراحل إلى المدرسة الوسطية ويدعو إليها، فيقول عنها إنها "الوسطية الجامعة" التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفا جديدا مغايرا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة، والوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خصيصة مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي، بل هي منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية. والفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع، ومن هنا فإن الله جعل وسطيتنا جعلا إلهيا: ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.


تعليقات