رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

بين الطب والإيمان.. هل يكشف العلم كل شيء؟

  • أحمد حمدي
  • الجمعة 14 مارس 2025, 10:46 صباحا
  • 16

في ظل التقدم العلمي المتسارع، يبرز تساؤل جوهري حول مدى قدرة الإنسان على استكشاف الغيب، وهو تساؤل يتجدد مع كل اكتشاف طبي أو تطور تقني. وفي هذا السياق، يوضح الدكتور محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، رؤيته حول هذا الموضوع، مقسمًا إجابته إلى شقين رئيسيين:

أولًا: ما في الأرحام بين العلم والإيمان

يقول الدكتور صالح: "إن الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز بقوله: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وهذا يدل على أن العلم في تطور مستمر، لكن هناك حدوده التي لا يمكن تجاوزها. فالأطباء اليوم لا يعلمون ما في الأرحام، وإنما يعلمون مَن في الأرحام، والفرق بينهما كبير."

ويضيف موضحًا: "كلمة 'ما' تفيد العموم والشمول، أي أن الله يعلم كل شيء عن الجنين، من لونه، وصفاته، وسعادته أو شقائه، ودوره في الحياة، وغيرها من الأمور التي لا يمكن للعلم الحديث أن يتنبأ بها لأنها لم تحدث بعد. أما كلمة 'من'، فهي تفيد النوع، أي أن الأطباء يستطيعون تحديد جنس الجنين فقط بعد مراحل معينة من الحمل باستخدام الأجهزة الطبية."

ويضرب الدكتور صالح مثالًا لتوضيح الفكرة: "إذا أخبرك شخص أنه يعلم ماذا أكلت بالأمس دون أن يكون معك أو يراك، فستتعجب من قدرته، لكن إذا دخل إلى مطبخك ورأى بقايا الطعام، ثم أخبرك بذلك، فلن يكون الأمر إعجازيًا. وهكذا فإن الله يعلم ما في الأرحام قبل أن يوجد الجنين أصلاً، بعلمه الأزلي. أما الأطباء، فإن معرفتهم مستمدة من فحص الرحم وأجهزتهم الطبية، وبالتالي فهم لا يكتشفون غيبًا، بل أمورًا أصبحت ظاهرة بالوسائل الحديثة."

ويستشهد بقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ). موضحًا أن الله خص علم الساعة به وحده بقوله "عنده علم الساعة"، بينما لم يقل "عنده علم ما في الأرحام"، مما يشير إلى أن هناك أمورًا قد يُطلع الله البشر عليها جزئيًا ضمن مشيئته.

ثانيًا: مسألة الانتحار والموت بين العلم والقدر

أما في الشق الثاني من حديثه، فيتناول الدكتور صالح قضية الانتحار وعلم الإنسان بموته، فيقول: "يؤكد الله في كتابه العزيز: (وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت)، وهذا ينفي الدراية التامة بمكان الموت. فعلى سبيل المثال، إذا خرج شخص ليقفز من فوق برج القاهرة، فمن المحتمل أن يتوفى قبل وصوله بسبب أزمة قلبية أو حادث، وهذا يؤكد أن الإنسان لا يملك اليقين المطلق بمصيره."

ويضيف: "نفس الفكرة تنطبق على المكاسب المستقبلية، حيث يقول الله تعالى: (وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا). فحتى لو كان التاجر قد أبرم صفقة وحدد قيمتها وموعد استلام المال، فإن هناك احتمالات قد تغير هذه النتيجة، مثل تقلبات السوق أو تراجع الطرف الآخر عن الصفقة."

ويختم حديثه قائلاً: "هذه الآيات تدل على أن العلم الإلهي هو العلم المطلق، وأن محاولات الإنسان للوصول إلى الغيبيات تظل محكومة بحدود لا يمكن تجاوزها، مما يثبت أن القرآن الكريم لا يتعارض مع العلم، بل يوجهه نحو فهم أعمق للواقع."

بين العلم والإيمان.. تكامل لا تعارض

يبقى العلم أداة لفهم ما أذن الله به من أسرار الكون، لكنه يظل عاجزًا عن إدراك الغيب المطلق. والجدل حول قدرة العلم على كشف كل شيء لا يزال قائمًا، لكن الحقيقة الراسخة تبقى أن هناك حدودًا لا يمكن للإنسان تجاوزها، مما يثبت أن الإيمان والعلم ليسا في صراع، بل في تكامل يكمل أحدهما الآخر. وهذا ما يؤكده القرآن الكريم بوضوح، ويعيد العلماء كل يوم اكتشافه عند كل تطور علمي جديد.


تعليقات