آية التبليغ: لماذا تعد من أقوى البراهين على نبوة محمد ﷺ؟

  • أحمد حمدي
  • الخميس 06 مارس 2025, 10:48 مساءً
  • 49
البراهين على نبوة محمد

البراهين على نبوة محمد

في إطار البحث عن دلائل صدق نبوة الرسول محمد ﷺ، يتناول الباحث إبراهيم المغازي تفسيرًا معمقًا لقول الله تعالى في سورة المائدة:

"يَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ یَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ" (المائدة: 67).

ويشير المغازي إلى أن هذه الآية تتضمن عدة أوجه من دلائل صدق النبوة، والتي يمكن استعراضها في النقاط التالية:

1. الإلزام بالتبليغ الكامل للرسالة

يشير قوله تعالى "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" إلى إلزام النبي ﷺ بتبليغ كل ما أنزل إليه دون نقص. ولو كان مدعيًا للنبوة، فكيف يلزم نفسه بهذا الخطاب القوي؟

بل إن النبي ﷺ بلغ آيات تضمنت عتابًا إلهيًا له، مثل:

  • "عَبَسَ وَتَوَلَّى" (عبس: 1).
  • "وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ" (آل عمران: 161).
  • "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ" (الأحزاب: 1).

ولو كان يخفي شيئًا، لما بلغ آيات قد تبدو في ظاهرها عتابًا شخصيًا له. كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها:

"من حدثك أن محمدًا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب" ثم استشهدت بالآية المذكورة.

وفي خطبة الوداع، وقف أمام أكبر جمع من المسلمين قائلاً: "اللهم هل بلغت؟" وكررها ثلاثًا، مما يعكس حرصه الشديد على أداء الأمانة دون تحريف أو تقصير. ولو كان مدعيًا، لماذا يعرض نفسه لمثل هذا السؤال العلني أمام الآلاف؟

2. الحماية الإلهية للرسول ﷺ

عند نزول قوله تعالى "وَاللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ"، أوقف النبي ﷺ حراسته الشخصية قائلاً: "انصرفوا عني، فقد عصمني الله".

وهذا الموقف يعكس ثقة كاملة في وعد الله، خاصة أنه كان محاطًا بأعداء من العرب واليهود، وتعرض لمحاولات اغتيال وتسميم عديدة. لكن رغم كل ذلك، لم يستطع أحد قتله، مما يثبت – كما قال ابن كثير – أن الله حفظه كما وعده.

وهنا يتساءل المغازي: كيف يمكن لرجل – كما يزعم خصوم الإسلام – أن يكون مدعيًا للنبوة، ثم يبقى في أمان طيلة حياته رغم كثرة الأعداء والمخاطر؟ بل إن دعوته انتشرت بشكل استثنائي، حتى بلغ ختام مسيرته بآية "اليوم أكملت لكم دينكم" التي أعلنت اكتمال الدين الإسلامي.

3. بيان دور الرسول في الهداية

توضح الآية أن دور النبي ﷺ يقتصر على "هداية البيان والدلالة"، وليس تغيير القلوب، لأن الهداية بيد الله:

  • "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ" (البقرة: 272).
  • "لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ" (آل عمران: 128).

وهذا يتناقض مع سلوك أي مدعٍ للنبوة، إذ يسعى المدعون عادةً لجذب الناس بشخصيتهم ومديحهم، بينما كان النبي ﷺ يضع المسؤولية على الله في هداية القلوب.

يخلص المغازي إلى أن كل هذه المواقف والسلوكيات لا تصدر عن مدعٍ للنبوة يبحث عن الشهرة أو المجد الشخصي، بل عن رسول مكلف بتبليغ رسالة الله دون تحريف أو مجاملة، كما كان حال الأنبياء قبله.

وبهذا، تشكل هذه الآية دليلًا قويًا على صدق نبوة محمد ﷺ، حيث يظهر جليًا التزامه الكامل بالتبليغ، وحمايته الإلهية، وطبيعة دوره في الهداية، مما يؤكد أنه لم يكن مدعيًا، بل رسولًا اصطفاه الله لهداية البشرية.

تعليقات