مركز حصين: الله فطر كل الناس على الإقرار به ربا خالقا لهذا الكون
- الأربعاء 18 ديسمبر 2024
القرآن
قال الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن، الدكتور عبد الرحيم خير الله الشريف، إن الزعم بأن القرآن الكريم من اختراع أهواء وتخيلات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من أضعف شبهات الملحدين، متسائلا: فهل عجزت أمهات ملايين العرب أن يلدن مثله؟ وهل كانت كل ظروف حياته تؤهله ليكون مرتاح البال، هانئاً، جالساً على أريكته.. ممسكاً ورقة وقلماً يكتب آيات من القرآن الكريم؟! إن ما يستطيعه آحاد البشر، يستطيعه مجموع البشر بالضرورة، فلماذا لم يقوموا بذلك إذاً؟
وتابع: أن هنالك عدة ردود
على ذلك الزعم، أبرزها يتمثل في :
1.
الفرق في الأسلوب بين القرآن الكريم والحديث الشريف، فمن المؤكد أن الشخص الواحد مهما
كان أديباً عبقرياً يستحيل أن تصدر عنه جمل مختلفة في أسلوبها في الوقت ذاته. فرسول
الله صلى الله عليه وسلم بشر، يغضب ويفرح ويحزن
ويتألم.. ولكنك تجد الفرق واضحاً بين ما صدر عنه من حديث نبوي شريف، وما أخبرنا أنه
قرآن كريم، مشيرا إلى أنه لو كان مصدر القرآن والحديث واحد، لكان من العسير جداً التفريق
بين أسلوبيهما ونظمهما.
وتابع: ولماذا لم يدَّعِ
محمد صلى الله عليه وسلم أن أحاديثه آيات رغم أنها كذلك موحىً بها من عند الله جل جلاله
، ولا يمكن القول أن لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أسلوبان فيما يصدر عنه من كلام، أسلوب
منمق مزخرف هو القرآن الكريم، وأسلوب أقل منه هو الحديث الشريف؛ لأن أكثر القرآن الكريم
نزل فجأة دون انتظار منه صلى الله عليه وسلم، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكثر الناس كرها للتنميق في الكلام، ولا ننسى
أننا نتحدث عن العصر الذهبي للعربية، الذي سلمت فيه أذواق العرب وسليقتهم من أي مظهر
من مظاهر اللحن.
وأردف قائلا: عليهم أن يأتوا لنا إنساناً له موهبة أن يقول قولاً، وسجلوا له ميزات أسلوبه. ثم اسألوه أن يغير الأسلوب إلى أسلوب آخر، ثم سجلوا له الأسلوب الآخر. ثم قولوا له نريد أسلوباً ثالثاً.. فإنه لا يستطيع أن يبرأ من أسلوبه الأول أبداً؛ لأن الأسلوب هو الطريقة اللازمة للشخص في أداء المعنى. وما دامت له طريقة في أداء المعنى، فإن الأداء سيأخذ تشخيصاً لا يمكن أن يبرأ صاحبه نفسه منه.[3]
2.
من تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى مقدار خشيته من الله تعالى وورعه. فيستحيل
أن يترك الخداع والكذب على الناس، ويكذب فيما ينسبه إلى الله جل جلاله.
3.
ماذا يريد الإنسان من دعوى النبوة إن كان كاذباً؟ إنه لا يريد أكثر من الجاه والمال.
وقريش عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقصى ما يتمناه حيال أي عربي في ذلك الزمان، من مال وجاه ونساء.. ولكنه ترك
ذلك كله، وكان ينام على حصير أثر على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم، وتعرض لعدة محاولات
لاغتياله. وحارب المشركين.. رغم أنه كان يمكنه المكوث في عز وهناء، لو ترك الدعوة إلى
دين الإسلام.
4.
وجوه إعجاز القرآن الكريم المختلفة من بياني وعلمي وغيبي وتشريعي.. لم يأتِ بشرٌ بمثلها.
5.
خلو القرآن الكريم من تسجيل حوادث مهمة في حياته، وأسماء أحبائه وأقرب المقربين إليه
(والديه، أبنائه، السابقين إلى الإسلام، نسائه..) بل لم يذكر اسمه في القرآن الكريم
إلا أربع مرات فقط.
6.
وجود آيات العتاب في القرآن الكريم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
7.
كانت تمر على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الملمات الكثيرة، والقضايا العديدة التي تتطلب جواباً سريعاً كحقيقة حادثة الإفك،
والثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.. وتوفيت زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب،
وابنه إبراهيم دون أن يذكر القرآن الكريم من ذلك شيئاً يواسيه. وتزوج من أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها دون أن يسطر ذلك في القرآن الكريم، بينما زواجه من أم المؤمنين
زينب رضي الله عنها فقد تحدث القرآن الكريم عنه؛ لكونه ذا صلة بالتشريع.
8.
لم يجعل لاجتهاداته الشخصية أي تشريع ملزم للصحابة: كحادثة تأبير النخل[4]، واستشاراته
المتكررة للصحابة في شتى الأمور تدل على ذلك أيضاً.
9.
صرّح القرآن الكريم بأن الأمر لو كان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكان هواه ألا يُلقى إليه أي آية من ذلك القول الثقيل.
قال تعالى في سورة القصص: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} (86). نعم إنه
قول ثقيل عليه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في سورة المزمل: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ
قَوْلًا ثَقِيلًا(5)}.
بل لو كان الأمر بيده لأنزل
كلاماً بحسب الطلب، ولكن لا ينبغي له ذلك. قال تعالى: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ
قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي
هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:
202]. نعم، عدم استجابة محمد صلى الله عليه وسلم
لطلباتهم ليكونوا على بصيرة، وليهتدوا، ورحمة بهم..؛ ليتأكد لهم أنه صلى الله
عليه وسلم ليس مصدر الوحي.
وسبحان من يجعل في شبهاتهم
دليلاً عليهم !
10.
نزول القرآن الكريم منجماً في ثلاث وعشرين عاماً، ثم ترتيب ما نزل في نظم بديع محكم
لا خلل فيه ولا تناقض ولا تغير في بلاغته. وذلك كله يستحيل أن يصدر عن بشر طبيعته النقص.
11.
إن هذا القول مبني على وجود علم مدخر في العقل الباطن لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،
فمن أين سيكون قد حصل على ذلك العلم السابق؟ لقد سبق مناقشة نقض احتمال أن يكون مصدر
ذلك من الإنس أو الجن.
12.
ما جاء في القرآن الكريم من عبادات شاقة، وتحريم ملذات يتوق إليها أي إنسان، ولم يكن
لقريش أي غضاضة للقيام بها. لا يعقل أن يكون هواه قد أجبره على قيام أكثر الليل، وعلى
الوصال في الصوم.. وأن يكون حرم عليه الخمر، والربا، ولبس الذهب والحرير، وقبول الصدقة،
وتوريث أبنائه..
13.
قد يستطيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تخويف
الصحابة -إن افترضنا أنه ألف القرآن الكريم لتلك الغاية- ولكن.. هل هنالك إنسان في
العالم يخوف نفسه من عذاب النار، أو يلقي بيده إلى التهلكة بصرف الحراس عنه وهو يعيش
في وسطٍ مليء بأعداءٍ، المستترون فيه أكثر من الظاهرين؟ انظر مثلاً إلى قوله تعالى
في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (67) “.
وأوضح أن هذا الصدق مع
النفس، انبثق عنه صدق مع الآخرين.. بينته سورة يونس: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا
بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا
أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ[5]مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ
أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ
بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(16)فَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ
لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17)} “.، بهذا يتبين استحالة تكذيب رسول الله صلى الله
عليه وسلم بزعم أن يكون لمحتوى القرآن الكريم
أي مصدر من المخلوقات (إنساً أم جناً)، بل هو مصداق قوله تعالى في سورة الشورى: {وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا
الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52)} “.
وتابع: ولكن عمى البصيرة يحجبها عن ذلك، قال تعالى (في سورة الفرقان): {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا(4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6)}، بالإضافة إلى الحسد، الذي تحدثت عنه سورة البقرة: ” وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) “.
نقلا عن موقع إعجاز القرآن والسنة