د. نظمي خليل أبو العطا: التدابير العلمية في الهجرة النبوية تثبت أن ديننا دين العلمية الواقعية التجريبية

  • أحمد نصار
  • الجمعة 04 أكتوبر 2024, 4:35 مساءً
  • 64
الهجرة

الهجرة

قال الدكتور نظمي خليل أبو العطا، إن من يتأمل الهجرة والتدابير النبوية العلمية، فيما يتلق بالهجرة النبوية، سيدرك عظمة الخالق في إدارة حياة البشر، لافتا إلى أن التخطيط العلمي للهجرة، بدأ  بعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على الوافدين إلى مكة وعقد بيعة العقبة الأولى والثانية وبايعهم المصطفى صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن ينصروه ويمنعوه إذا قدم إليهم بما يمنعون منه انفسهم وأزواجهم.

وأكمل: كما أرسل المصطفى صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليعلمهم وليمهد البيئة في المدينة المنورة لقدوم المصطفى صلى الله عليه وسلم والمهاجرين، بينما ألمح المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بالهجرة قائلا: ” على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي ” وهنا استعد أبو بكر للصحبة وحبس نفسه على الهجرة، هذا بجانب إلى أمر جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة بأن يترك بيته هذه الليلة فقال : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، وهذا قمة الأخذ بالأسباب الدنيوية.

وتابع: مع تجهيز البعيرين بعلفهما مدة كافية (أربعة أشهر) حتى يتحملا مشقة السفر و وعورة الطريق، ومن ثم اختيار الدليل الخبير بالطريق حتى ولو كان كافراًَ، المهم أن يكون عالماً بالطريق أميناَ، في سلوكه وأخلاقه، وهذا ما أثبتته نتائج الأحداث، فقد سار بهم الدليل في طريق وعرة، بعيدة عن مدارك الكفار والمشركين، حيث استأجر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الدبك، وهو من بني عبد بن عدي هادياً خريتا ـ والخريت الماهر في الهداية ـ فدفعا إليه راحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق الساحل كما ورد في البخاري، فضلا عن دبر المصطفى صلى الله عليه وسلم من يبيت في فراشه، فلم يترك الفراش خالياً، حتى لا تبعث مكة في طلب النبي صلى عليه وسلم فور اكتشاف خروجه، حتى إذا اكتشفوا ذلك يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم قد دبر أمر نفسه، كما أختار المصطفى صلى الله عليه وسلم لذلك رجلا شجاعاَ شابا فتيا قوياَ مخلصاَ صادقاَ شجاعاً، هو الإمام علي رضي الله عنه، حتى لا يخاف من الأعداء ويأتي بحركة مغايرة للمطلوب، وهكذا ظهرت العلمية في أعلى صورها وأجل معانيها في التدابير السابقة واللاحقة بإذن الله .

      وأردف قائلا : إن المصطفى صلى الله عليه وسلم، قد خرج من بيته مقنعاَ في وقت الظهيرة حيث الحر والقيلولة، وهجوع الناس في ديارهم اتقاء الحر الهاجرة، ومن يعش في القرى والصحراء يعرف خلو الطرقات من المارة في هذا الوقت، وعندما وصل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر قال له : (أخرج من عندك ) خوفا من وجود من لا يؤتمن على السر من الخدم والزوار وغيرهم، فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله وقد أثبتت النتائج صدق تصور أبي بكر في أبنائه وحسن تربيتهم، هذا بجانب إلى تجهيز المأكل والمشرب والظهر واعداده للرحيل ومشاركة أولاد أبي بكر في الأمر ليستشعروا عظم العمل، ويعذروا والدهم لتركه إياهم .

وأضاف: وكذلك العمل على تجهيز الميزانية المالية المطلوبة للرحلة و مشاركة المصطفى صلى الله عليه وسلم في تكاليف الراحلة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (بالثمن) عندما عرض أبو بكر عليه إحدى الراحلتين، ومن ثم  تحديد مكان اللجوء السريع والاختفاء عن الأنظار فلجأ المصطفى صلى الله عليه وسلم غار ثور، وقد حدد المصطفى صلى الله عليه وسلم مدة ثلاثة أيام للاختباء فيه حتى يهدأ الطلب من مكة، وتكف عن الملاحقة لقناعتها انها عاجزة عن اللحاق به، ثم الخروج من الباب الخلفي لبيت أبي بكر، فلم يخرج من الباب الرئيس للبيت إمعاناً في الأخذ بالأسباب، مع كتمان الخبر عن الجميع ما عدا آل أبي بكر وسيدنا علي والدليل وتوزيع المهام عليهم.

  ونوه إلى تكليف عامر بن فهيرة مولى أبي بكر ومحل ثقته أن يتأتي بغنم أبي بكر ليلاَ فيتزود الركب من حليبها ولحمها وتقوم بمحو آثار الأقدام من الطريق المأهول إلى الغار، مع تكليف عبد الله بن أبي بكر بمهمة الإعلام و التغطية الميدانية لكفار مكة، ونقل صورة ميدانية حقيقية لما يدور في مكة على أن يأتي كل يوم بحصاده الإخباري/ مشيرا إلى أنه عند الخروج من الغار اختار المصطفى صلى الله وسلم طريق الساحل، ولم يمض الركب في الطريق المعتاد وقد أثبتت النتائج حسن هذا التدبير، ثم يأتي دخول ” أبي بكر ” أولا إلى الغار لتهيئته للقائد حتى لا يصاب بأذى، وهذا قمة العلمية وما يفعله الرؤساء حاليا لأن الحفاظ على القيادة يحفظ المسيرة. أما أبو بكر فهو فرد من المسلمين لا تموت الدعوة في مهدها بموته .

وتابع: قائلا: إن الله  أرسل العنكبوت لينسج خيطا ماديا إمعانا في الأخذ بالأسباب العلمية في التخفية، وتعليما للمسلمين في التمويه والأخذ بالأسباب المادية من نواميس الله في الخلق، فضلا عن تحييد أمر سراقة وتبشيره بأساور كسرى والتمكين مع اعطائه درسا ماديا في الإيمان عندما ساخت أقدام فرسه في الرمال فكان أول النهار طالبا لرسول الله والفدية وفي آخر النهار مدافعاَ ومخذلا عنه، وصارفاً للكفار ومثبطاً لهم عن الاستمرار في البحث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فضلا عن أنه عندما وصل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى خيمة أم معبد وبيت المرأة الأخرى طلب منهما شاة ليحلبها ويجلس على ضرعها، وهذا يؤكد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسباب المتاحة من الكائنات الحية وتأكيد علمي عملي على أن الحياة لا تتولد إلا من الحياة .

وختم قائلا: إن هذه كانت بعض التدابير العلمية في الهجرة النبوية تثبت أن ديننا دين العلمية الواقعية التجريبية، وأن ما يدعيه البعض من الصوفية أنهم تخطوا الحواجز المادية هو ضرب من الجهل بماهية الإسلام وواقعيته وعلميته وتسخير ونواميس الله في الخلق لصالح الإنسان وباقي المخلوقات الحية في الكرة الأرضية، وأن هذا درس خاص لشباب المسلمين يعلمهم الأخذ بالأسباب العلمية في حياتهم الدراسية والأجتماعية والأقتصادية والثقافية وعدم التواكل على أسباب لم يبذلوا جهدا فيها، وإذا فعلنا ذلك أصبحنا قادة خلقية تطبيقةً عمليةً في هذه الحياة الدنيا كما كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم. 

تعليقات