أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
القرآن
قال الدكتور إسماعيل عبد الرحمن، أستاذ أصول الفقه
المشارك بجامعتي، الأزهر الشريف والملك سعود بالرياض، إن العرب المسلِمين
السابقين في الإسلام أول من تأدبوا بأدب القرآن الكريم، وإن استطعت أن تعبر بمن ربوا
أنفُسَهم وفْق منهج السماء عِنْدما تَمَسَّكوا بالكتاب والسنة فسادوا الدنيا وملأوا
الأرض نوراً وعدلاً، وعمروها بنشر راية التوحيد وإبادة ظلمات الكفر والشِّرْك والجاهلية
والعداوة والبغضاء، فأصبحوا بنعمة الله تعالى موحّدين إخواناً متحابين، أقوالهم وأفعالهم
وأخلاقهم متسقة ومستمدة مِنَ الكتاب والسُّنَّة، لافتا إلى أن للقرآن الكريم – وما
زال وسيظل بإذن الله تعالى إلى قيام الساعة – كان الأثر الأقوى والأول في تقوية روابط الإيمان بالله
عزوجل وترسيخ عقيدة التوحيد والدعوة إلى كل خلق فاضل وكريم والنهي عن رذائل الأخلاق
ومساويها , بدا ذلك واضحا عند نزول القرآن بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فأثر
التأثير الإيماني والسلوكي في أخلاق العرب وعاداتهم وسلوكهم وعقيدتهم وكذا غير العرب
في عصر الإسلام الأول وفي عصوره المتتالية حتى إذا وصلنا إلى عصرنا الحاضر تأكيدا لهذا
الدور القرآني حينما يقدم الكثيرون من العلماء والمفكرين والباحثين على اعتناق الإسلام
بعد وقوفهم على بعض الإعجازات العلمية للقرآن أو حتى مجرد الوقوف على ترجمة معاني القرآن
الكريم. ولذا فإنا سنوجز هذا الأثر في سلوك العرب وغير العرب وغير المسلمين في عصرنا
الحاضر.
وأكمل : أثر القرآن
الكريم في سلوك العرب إذا أردنا أن نقف على أثر القرآن الكريم في سلوك العرب فإنا نلحظه
على مستويين: مستوى الأفراد ومستوى جماعة العرب. أما تأثير القرآن الكريم في سلوك الأفراد:
فإنا نستطيع أنْ نقف على تأثير ووقْع تلاوة أو سماع بَعْض آيات القرآن الكريم على سلوك
وعقيدة ومنهج بَعْض الأفراد العرب في أول أمْر الإسلام مِنْ خلال هذه النماذج النموذج
الأول: عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان رأساً مِنْ رءوس الكفر يحارب كُلَّ مَنْ
أَسْلَم، وعِنْدما عَلِم بإسلام أخته فاطمة وزَوْجِها سعيد بن زَيْد ـ رضي الله عنهما
ـ ذهب غاضباً لِلانتقام مِنْهُمَا، ولَمَّـا دخل وجد معهما صحيفةً مِنَ القرآن فيها
مِنْ أوَّل سورة طه حتى قوله تعالـى {إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلا أَنَا
فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِى } سورة طه الآية 14، فأَسْلَم مِنْ فوره
وتَغَيَّر سلوكه في كُلّ شئون حياته يُرَاجَع: الطبقات الكبرى 3/268. النموذج الثاني:
سَعْد بن معاذ رضي الله عنه الذي كان مُشْرِكاً وعِنْدما عَلِم بقدوم مصعب ابن عمير
رضي الله عنه قَبْل الهجرة لِلدعوة إلى الإسلام ذهب إليه ومعه حَرْبَتُه لِمَنْعِه
وعِنْدما قرأ عَلَيْه مصعب رضي الله عنه قوله تعالى { حم * وَالْكِتَـبِ الْمُبِينِ
* إِنَّا جَعَلْنَـهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون } سورة الزخرف
الآيات 1 – 3، فأَسْلَم في حِينه رضي الله عنه وأَسْلَم قومُه بإسلامه. يُرَاجَع: حياة
الصحابة 1/170, 171 وسيرة ابن هشام 2/52، 53.
وتابع: أن تأثير القرآن الكريم في سلوك جماعة العرب:
فإنه يُمْكِن الوقوف على الأثر التربوي بمعناه الواسع ـ لِيَشمل التربية الروحية والأخلاقية
ـ لِلقرآن الكريم في جماعة العرب الأُول مِنْ خلال شهادة أحد العرب وأشرافهم ـ ألا
وهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ـ التي ألقاها أمام النجاشي رضي الله عنه عِنْدما
كانوا مهاجرين إليه. وفيها يقول رضي الله عنه:” أَيُّهَا الْمَلِكُ.. كُنَّا قَوْماً
أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ؛ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ
وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ،
فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ
نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ
وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ
وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ
وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَـارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ
الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ،
وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَمَرَنَا
بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَام “. يُرَاجَع: البداية والنهاية 4/182، 183.
وختم قائلا:
ومما تقدم يتضح أن جعفراً رضي الله عنه حَصَر أهمّ الأخلاق الفاسدة عِنْد العرب في
ستّة، وهي: 1- عبادة الأصنام، وأيّ تَدَنِّي لِلعقل حينما يَسجد لِمخلوق دونه أو مِثْله
؟! 2- أكْل الميتة، وفيها مِن المضرّة ما فيها. 3- إتيان الفواحش، وهو مَعْنى واسِع
يَشمل كُلّ ما يفحش ويُنْكِره العقل السليم مِن الزنا واللواط وما شاكلهما. 4- قَطْع
الأرحام، وهو أحد أسباب تَفَرُّق المجتمع وتَشَتُّته. 5- الإساءة إلى الجار. 6- أكْل
القويِّ الضعيفَ، وهو قاعدة الغابة ؛ فلا أمان فيها لِضعيف. كَمَا حصر في المقابل أهمّ
الأخلاق التي ربّاهم الإسلام عليها ودعاهم إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهي
في مجموعها مستمدة مِن الكتاب والسنة وتتمثل هذه في عبادة الله تعالى
وحْده وعدم الإشراك به جَلّ وعَلاَ، و صِدْق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن
الجوار، مع الكفّ عن المحارم والدماء، فضلا عن النهي عن الفواحش وقوْل الزور وأكْل
مال اليتيم وقَذْف المحصَنات، وإقامة الصلاة وأداء الزكاة والصيام.
وأشار إلى أثر القرآن في سلوك غير العرب لقدْ كان القرآن الكريم
عظيم الأثر في سلوك غَيْر العربـ ، ضاربا مثل بالنجاشي رضي الله
عنه الذي كان مَلِكاً لِلحبشة ورأساً مِن رءوس النصرانية، عِنْدما قرأ عَلَيْه جعفر
بن أبي طالب رضي الله عنه صدراً مِنْ سورة مريم بَكَى حتى أخضلَتْ لِحْيَته، وبكت أساقفتُه
حتى أخضلَتْ لِحاهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثُمّ قال لهم النجاشي رضي الله عنه: إِنَّ
هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى عليه السلام لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَة.
يُرَاجَع: سيرة ابن هشام 1/349 .
وختم قائلا: والنموذج الثاني: جنوب شَرْق آسيا التي لَمْ تُفْتَحْ بسيف ولا قِتَال ؛ وإنَّمَا دَخَلَهَا الإسلام عَنْ طريق التجار المسلِمين الذين تعاملوا مع تجار هذه البلاد فلمسوا في سلوكهم وأخلاقهم ما يَدفعهم إلى المسارَعة إلى اعتناق هذا الدين الذي يقوم ويعتمد على الكِتَاب والسُّنَّة. يُرَاجَع: حاضر العالَم الإسلامي 1/339 .