أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
الكلاب والذئاب
قال الباحث الإسلامي، الدكتور ناصر أحمد سنه، إن فضائية “ناشيونال جيوجرافيك أبو ظبي، قد أذاعت، فيلما وثائقيا، تحت عنوان ”علم الكلاب” لافتا في الوقت نفسه إلى أنه من المعلوم أن الكلاب والذئاب أبناء عمومة، ومن أرومة/ فصيلة واحدة (الكلبيات) (Family: Cannidae )، ومن رتبة اللواحم (Carnivora). كان الوثائقي يعرض لأنواع الكلاب العديدة والمتنوعة، وصفاتها وتهجينها لإنتاج أنواع أخري ذات صفات، جسدية ووظيفية، مرغوبة بعينها، الخ. فعلي سبيل المثال، بعد حوالي ربع قرن من التجريب من قبل عالم روسي تم انتخاب سلالة مميزة الخصائص الشمية والجسمية، بإمكانها الكشف عن المتفجرات في المطارات الخ.
وبين أن ما استوقفه في هذا الوثائقي التجربة العلمية السلوكية الحديثة (في جامعة ببودابست) التي تؤكد ما حكاه الأصمعي
من أنه: “مرّ ببعض الأحياء فوجد عجوزاً وبجانبها شاة مقتولة وذئب مقطع الأوصال فسألها
عن السبب فقالت: “الذئب ربيناه صغيراً، ولما كبر فعل بالشاة ما ترى”، وهذا بالفعل ما
فعله فريق الباحثين في التجربة المجرية حيث ربي جراء الكلاب والذئاب سويا.
وأردف قائلا: وبعد مدة تدريبية بعينها
وقد بلغت درجة من “الوعي” وجد الباحثون أن: جراء الذئاب: لا تخضع/ تتبع/ تتواصل كثيراً
مع أوامر من ربّاها، علي عكس جراء الكلاب التي تأتمر بإشارة سيدها وتوجيهه لها ناحية
ما خـُبّأ لها من طعام، أو حين يستعصى عليها دخول قفص ما. في حين أن نظيراتها من جراء
الذئب (التي رُبيت معها) كانت دائما ما تسير عكس ما يشير إليه مُربيها، متبعة ـ أمام
معضلات هذه التجربةـ ما يمليه عليها “هواها الشرس”، وغريزتها “غير المستأنسة”. وتأتي
خلاصة تعليقهم علي التجربة:”إنها نتاح الخصائص التطورية والطبيعية للذئاب، عند مقارنتها،
بالكلاب”.
وأشار إلى أن الحق غير ذلك.. فلولا تسخير
الله تعالي لـ “المستأنس” من الحيوان لما استطاع البشر التعامل قط معه: “أَلَمْ تَرَ
أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ
بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ” (الحج:65)، ويقول تعالي:” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ
اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ
نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ” (لقمان:20)، ويقول عز من قائل:” وَسَخَّرَ
لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الجاثية: 13).
وأضاف: أن الكلاب، دون الذئاب، من أوائل
الحيوانات التي جعلها الله تعالي مستأنسة مسخرة مذللة لخدمة الإنسان والارتباط به.
فقامت بينهما ، بإذن الله تعالي وعطائه، علاقة تبادلية وثيقة.. الطعام والمأوي والرعاية
من الإنسان، والحماية والحراسة والصيد والجر والإرشاد والإنقاذ والكشف عن المخدرات
والمتفجرات والمجرمين.. والوفاء والإخلاص للإنسان.
وتسأل : هل كان من الممكن أن يرافق الفتية
“أصحاب الكهف” ذئباً بدلا من كلبهم:”وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ
ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا”
(الكهف:18) ، فلو كان كذلك لما تورع عن افتراسهم. لقد عدّ القران الكريم هذا الكلب
ضمن عديد الفتية “أصحبا الكهف”، و”كواحد” منهم:”سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ
كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ
سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ
إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ
مِنْهُمْ أَحَدًا” (الكهف:22).
وأكمل: ولذا نجد السيرة العطرة تؤكد أن رعاية الحيوانات المنزلية ـ ومن خلفها قيم الرحمة والتراحم واحترام الحياة
والأحياء حتى باتت سببا لدخول الجنة جراء سقيا كلب يلهث من العطش، أو الخلود في النار
لحبس هرة دون طعام أو سقاء.
وأشار إلى خشية نبي الله “يعقوب” عليه السلام من وحشية الذئب،
فذكره دون غيره من اللواحم والسباع؟: :”قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا
بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ، قَالُوا لَئِنْ
أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا
بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ
لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَجَاءُوا أَبَاهُمْ
عِشَاءً يَبْكُونَ، قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا
يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ
كُنَّا صَادِقِينَ” (يوسف: 13-17)، منوها إلى أنه في هذه المواضع الثلاثة، دون سائر
آيات القرآن الكريم، تكرر ذكر “الذئب الأشهر”. ذلك الذئب المُتهم بأكل النبي “يوسف”
عليه السلام، حيث حاول إخوته إلصاق/ تبرير تهمة تغييبه بافتراسه له. فلكونه، منذ القدم،
متهمّاً بالغدر والعدوان وشدّة البأس والبراعة في الفتك. والأمر كذلك، وإلا لما خافه
“يعقوب” على ابنه.. فلم يذكر أسداً ولا نمراً، فيالها من شهرة وسطوة. لكنه هذه المرة
كان “بريئاً من دم ابن يعقوب”(عليهما السلام)، ولم يكن ذلك الحيوان “البغيض” في كل
حين:
وأوضح قائلا: كما أنه لم ينطق من السباع
نِطْـقاً صريحاً مفهوماً لبني آدم كما نطق ذئب معاتباً راعٍي غنم منعه سد جوعه من أغنامه. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ:”عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا
مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ قَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ
مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ ؟ فَقَالَ: يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى
ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ
مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ
بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى
دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ
لِلرَّاعِي أَخْبِرْهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ
السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ
وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ“ (في مسند الإمام أحمد:
(3/ 83) من حديث يَزِيدُ عن الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ،
ورجال إسناد هذا الحديث ثقات، وأخرجه من طريق القاسم بن الفضل الحاكم في المستدرك
(4/ 367)، والبيهقي في الدلائل (6/ 41 – 42). وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ
عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا
مِنْهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ
يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّه،ِ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ” (في الصحيحين البخاري برقم: 2324، ومسلم برقم: 2388).